كتاب عربي 21

ويبقى السؤال حائرا: من فجر الكنيسة؟!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
أعتذر للقارئ لتأجيل الكتابة عن القانون / الجريمة، الخاص بالإعلام في مصر، فهو قانون باق ما بقي الانقلاب العسكري، وبالتالي فمجال التعليق عليه مفتوحا، في حين أن حادث تفجير الكنيسة البطرسية، على وشك أن يطويه النسيان، والحوادث في مصر يُنسي بعضها بعضا، فهل لا يزال أحد يتذكر الفيلم الهابط الخاص بخطف الطائرة المصرية وهبوطها في قبرص، وحدوتة "العاشق الولهان" الذي تم تركه يحاكم في قبرص، مع أن جريمته وقعت في أرض مصرية، تتمثل في هذه الطائرة المملوكة لمصر للطيران، وبالتالي ينبغي محاكمته في مصر، لكن هذه المحاكمة كانت ستكشف المستور!

قبل أن يطوي النسيان حادث الكنيسة، على مظنة أن الموضوع انتهى بحسم السيسي للأمر وإعلانه اسم أحد الجناة في انتظار حادث جديد، ينبغي طرح السؤال المهم: من وراء تفجيرات الكنيسة؟ ذلك لأن أخا الجهالة إذا كان في الشقاوة ينعم، وقد استراح لما أعلنه السيسي، فإن هذا لا يمنع ذا العقل من أن يشقى في النعيم بعقله، بحثا عن إجابة لسؤال طُرح منذ اللحظة الأولى، ولم تتم الإجابة عليه إلى الآن!

لست مشغولا بالتصيد لقائد الانقلاب، فهو بفشله في البر والبحر، وبعجزه الكامل عن إدارة شؤون البلاد، لم يترك مبررا للتصيد، إن شئت فقل إن فشله وعجزه كان أكثر من المتوقع بكثير، فما الذي يدفعنا للتصيد له؟! لاسيما وأن أسوأ الاحتمالات في هذا الحادث، ستمثل لطمة للسلطة القائمة، والتي تم اختراق أجهزتها الأمنية بارتكاب هذا الحادث، ومعلوم أنه كان يتم اعتبار تحقيق الأمن هو من انجازات الحكم العسكري، ولهذا تغزل البعض في الحاكم صاحب الخلفية العسكرية!

منذ بداية وقوع الحادث قلت إن جميع الاحتمالات مفتوحة، وقد سقت احتمالين: الأول هو أن يكون وراء الجريمة جماعة مسلحة، والثاني أن يكون الحادث بفعل أحد الأجهزة الأمنية، كما حدث مع كنيسة القديسين في عهد مبارك، وقد علمت مؤخرا أن النائب العام بعد الثورة، والمعين من قبل مبارك، لم يتحرك للتحقيق في بلاغ قدم إليه مشفوعا بمستندات تؤكد ضلوع وزير الداخلية في التفجيرات، وهي المستندات التي تم إخراجها من مقار جهاز مباحث أمن الدولة، بعد اقتحامها من قبل البعض في حضور قوات الجيش!

قلتُ إن ما يرجح أحد الخيارين هو الموقف من وزارة الداخلية، وذلك قبل أن يخرج السيسي للناس نافيا الخلل الأمني، وإذا أمكن لي تفهم تمسك قائد الانقلاب بوزير الداخلية، لأسباب يطول شرحها، فقد كان لافتا ألا يقال أو يستقيل أحد من الأجهزة الأمنية، أو توضع حركة تنقلات أمنية بسبب هذا القصور، وهذا أمر لا يمكن لمثلي أن يتقبله بحسن نية وسلامة طوية، ومع ذلك فإن لدى استعداد لمناقشة كافة الاحتمالات بما فيها ما طرأ!

لقد أعلن عبد الفتاح السيسي، بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن النائب العام، اسم المتهم "محمود شفيق محمد مصطفى"، وراعني هذه القدرة على حفظ الاسم بدون تلعثم، وأعتقد أن السيسي نفسه يمكن أن يتلعثم إذا قرر ذكر اسمه هو رباعيا!

وكانت مصادر أمنية ظلت ليوم كامل تعلن أن التفجير تم بواسطة عشرين كيلو من المتفجرات، قالت في البداية إن سيدة كانت تضعها في صدرها، وبدا أن هذا لإعفاء جهات الأمن من التفتيش والارتياب، ومن سوء الأدب النظر إلى هذه المنطقة الحساسة. وعندما تحول الأمر إلى مسخرة يتغنى بها الركبان، ونشط رسامو الكاريكاتير في رسم صورة المرأة وقد تحول ثدياها إلى مدرعتين في إحدى هذه الرسوم، تم العدول عن هذه الراوية وقيل إن المتفجرات كانت تحت طفل في سيارة تحركها والدته!

وهناك تنويعات أمنية مختلفة على هذا اللحن، منها أن أحد أفراد الأمن ارتاب في أحد الشباب الذي دخل الكنيسة مسرعا فجرى خلفه ليحدث التفجير، دون ذكر لمصير فرد الأمن هذا!

بيد أن السيسي نسف هذه الرواية الأمنية، وقال إن الحادث تم بحزام ناسف كان يضعه "محمود شفيق محمد مصطفى" حول وسطه، وقالت وزارة الداخلية أنه بتحليل حامض الـ "دي إن ايه"، تم التعرف على المتهم، الذي تحول إلى أشلاء من جراء التفجير، وقد أعيد تشكيل رأسه المتطاير من بعيد، في عملية أقرب للخيال العلمي، ومع ذلك فلا مانع عندي من قبولها!

سأقفز على كل ما يضعف هذه الراوية، ومن التشكيك في القدرة على التوصل إلى نتائج تحليل الـ "دي إن ايه" بهذه السرعة، ومن قول محامية المتهم بأنه حاصل على دبلوم صنايع، في حين قالت وزارة الداخلية إنه طالب في كلية العلوم، وهو ما اعترف به رئيس الجامعة، وإن كانت والدته صرحت لأحد المواقع الإلكترونية بأنه طالب في هذه الكلية، فلا نعرف أين والدته التي هي من الواضح في قبضة الأجهزة الأمنية، والدليل بحسب بيان الداخلية أنه تم الحصول من الأسرة على تحليل "دي إن إيه" لمضاهاتها بتحليل المتهم، وإن كانت التصريحات المنسوبة للأم متناقضة مع رواية رئيس الجامعة، فالوالدة تقول إنه طالب متفوق ومن الأوائل في الكلية، ورئيس الجامعة يقول إنه تم فصله في السنة الأولى لتغيبه، فمتى حقق التفوق؟!

وسنقفز كذلك على التناقض بين الراوية الأمنية بأن عمره (22) عاما، ورواية محاميته بأن عمره لم يتجاوز التاسعة عشر بعد!

لا بأس، فرواية السيسي عن أن من فجر الكنيسة هو "محمود شفيق محمد مصطفى" صحيحة، ولا يحول كون الشاب لم يثبت عليه إرهاب من قبل أن يصبح تكفيريا معتنقا لأفكار سيد قطب كما يقول بيان وزارة الداخلية، فقد سبق اعتقاله، وقد يكون التعذيب الذي تعرض له سببا في تطرفه، لكن اليقين بصدق هذه الرواية يزعزعه ما ذكره السيسي بأن الجاني لم يكن وحده، إنما ضالع معه في الجريمة، عدد من السيدات، لم يذكر أسماءهن، ولا نعرف لماذا لم يفعل هذا كما فعل مع "محمود شفيق محمد مصطفى"، وقد تم التركيز على اسمه هو وتجاوز المتهمات الأخريات، اللاتي لم نعرف دورهن على وجه الدقة، والحزام الناسف حول وسط المذكور، فلم يكن بحاجة لمساعدة نسائية، وإن تم التفجير في تجمع نسائي، ومكانه من المفترض أنه بين الرجال، والهدف الأكبر سيكون هو القس راعي الكنيسة وليست مجموعة من النسوة البسطاء!

لقد أعلن تنظيم الدولة "داعش" في اليوم التالي، أن مرتكب الحادث عضو في التنظيم، وتم إعلان كنيته، وهي تختلف عن الكنية التي أعلنتها وزارة الداخلية لـ "محمود شفيق محمد مصطفى"، وهناك عدة مطاعن على هذه الراوية:

الأولى: أن "داعش" انتظر على غير العادة أكثر من (48) ساعة على التفجير قبل أن يعلن تبنيه له، ولم يزد جديدا على الرواية الأمنية.

الثاني: أن التنظيم لم يذكر أي بيانات حول عنصره واكتفى بكنيته، فهل هو "محمود شفيق محمد مصطفى"، وقد غير كنيته عندما انتقل من الإخوان إلى داعش، أم أنه شخص مختلف اسما وكنية، فلماذا لم يُذكر اسمه؟!

الثالث: وهو أهم مطعن في صحة هذه الرواية، فلماذا لم ينشر التنظيم المذكور فيديو لبيان المتهم قبل ارتكاب الحادث، كما يحدث دائما، وقد هدد التنظيم بنشر صور تؤكد قيامه بالحادث ولم يفعل!

اللافت أن أهل الحكم في مصر قد احتفوا برواية "داعش" باعتبارها تؤكد صدق رواية السيسي، وكلا الروايتين تؤكد أن من وراء التفجير هم الإخوان المسلمون، وقد نشرت صحيفة "الأخبار"، (التي أطلقت عليها في زمن حكم المشير محمد حسين طنطاوي ومجلسه، صحيفة المجلس العسكري) تقريرا مطولا حول أن شخصيات معروفة في تركيا هي التي تقف وراء هذا الحادث، وأن الوزير السابق "عمرو دراج" قام بتمويل عملية التفجير بـ (750) جنيها مصريا، وقالت الصحيفة إن هذه معلومات حصلت عليها من مصادر رفيعة المستوى!

رواية "داعش" التي يتم تبنيها في مصر، تنسف رواية السيسي نسفا، و"داعش" ضد الإخوان، لكن دعاية السلطة في مصر تقوم على أن "داعش" هي فرع من فروع الإخوان كما تنظيم القاعدة، رغم ما بين "داعش" و"القاعدة" من خلاف شديد!

لا بأس، ويمكن أن نساير هذه الدعاية، ونعلن أن المرشد العام هو من فجر الكنيسة بنفسه، رغم أنه في السجن!

إنما تظل الأزمة في الرواية المنقولة من بعض المصابات في هذا الحادث، واللافت أن الإعلام لم يسجل روايتهن عن الحادث!

الراوية المنقولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن النساء في ذهابهن للتناول وجدن "شنطة سوداء"، فترددن في الدخول ونادين على خادم الكنيسة يسألن عن هوية هذه "الشنطة"، واقترب منها الرجل، فحدث التفجير، وأن هذا الخادم هو الوحيد الذي قتل من بين الرجال، فكل ضحايا الحادث من النساء، فأين كان "محمود شفيق محمد مصطفى"!

قبل أن يذهبوا بنا إلى حادث آخر إياك أن تظن أنهم أجابوا على سؤال: من فجر الكنيسة؟!
0
التعليقات (0)