كريستوفر غاردنر، الذي كان ينام مع ابنه الصغير على أرضية حمام عام في ظروف قاسية، لم يكن يحلم على الإطلاق بأن قصته ستتحول إلى فيلم ناجح في
هوليوود، وفق ما كتبه ديف غوردن، محرر شؤون الأعمال بشبكة "بي بي سي عربية".
وتعود قصة غاردنر إلى أوائل الثمانينيات عندما كان عمره آنذاك 27 عاما، وكان وابنه مشردين على مدار عام كامل في سان فرانسيسكو، ولم يكن لديه ما يكفي من المال لرفع وديعته لاستئجار شقة رغم التحاقه بمشروع تدريبي منخفض الأجر للسمسرة في الأسواق المالية.
واعتاد غاردنر وابنه على النوم في محطة سكك حديدية، وفي المتنزهات أو في ملجأ كنيسة، أو تحت مكتبه في العمل بعد مغادرة جميع الموظفين.
وكانا يتناولان طعامهما في مطاعم تابعة لمؤسسات خيرية، كما أن غاردنر كان ينفق ما لديه من أموال قليلة ليرسل ابنه إلى حضانة، كي يتمكن من الذهاب إلى عمله.
أم ملهمة
وبالرغم من المحن التي مر بها في فترة
الطفولة، فإن غاردنر يعتبر أن والدته كانت مصدر إلهام بالنسبة له.
وقال: "أمي كانت من نوعية الأمهات التقليديات، فكانت تردد على مسامعي يوميا: ولدي، بوسعك أن تفعل أي شيء تريد أن تفعله وأن تكون أي شيء تريد أن تكونه".
وأضاف: "كنت أصدق ذلك، وأثق في صحته 100 في المئة".
ويضيف أنه ذات مرة وهو طفل كان يشاهد مباراة لكرة السلة بين طلاب إحدى الجامعات على شاشة التلفزيون، عندما علق قائلا إن أحد اللاعبين سيجني مليون دولار.
وحيئنذ قالت لي أمي: "ذات يوم ستكون أنت من سيجني المليون دولار. هذه الفكرة لم تطرأ إلى ذهني قبل أن تنطق بها أمي".
ومع ذلك، لم يجن غاردنر المليون دولار بعد ذلك مباشرة، فبعد أن تخرج من مدرسته الثانوية، قضى أربع سنوات في سلاح البحرية الأمريكية.
وبعد إنهاء خدمته العسكرية عام 1974، انتقل غاردنر إلى سان فرانسيسكو، حيث بدأ العمل في بيع المستلزمات الطبية.
التحول التاريخي
تغيرت حياة كريستوفر غاردنر تغيرا كاملا، عندما رأى رجلا ذات يوم يوقف سيارته الفيراري الحمراء، وتساءل غاردنر: ماذا فعل كي يعيش حياته؟
وكان هذا الرجل سمسار أوراق مالية يدعى بوب بريدج، وبعدما تحدث معه مرتين، عبر له غاردنر عن اهتمامه بامتهان هذا المجال.
وتقابل الرجلان مرة أخرى، وساعد بريدج، غاردنر في ضمان مقابلة للالتحاق ببرنامج تدريبي.
لكن قبل أيام من المقابلة مع شركة "دين ويتر رينولدز" اعتقل وسُجن، بسبب تعثره في دفع رسوم تذاكر ركن السيارة.
وتمكن غاردنر في النهاية من إجراء المقابلة، لكن في زيّه الذي ألقي القبض عليه فيه، وكان من بينها سترة وحذاء رياضي.
وبالرغم من زيه المهلهل، كان حسه في التشجيع وحماسه كافيين للحصول على الوظيفة.
إعادة التقييم
بعد ست سنوات من عرض فيلمه، تغيرت حياة كريستوفر غاردنر مرة أخرى عام 2012، عندما توفيت زوجته بسبب السرطان عن عمر لم يتجاوز الـ55 عاما.
ودفعه ذلك إلى إعادة تقييم ما أراد القيام به لحياته، وبعد ثلاثة عقود من تحقيق نجاح كبير في الإدارة المالية، قرر تغيير مسيرته المهنية تغييرا كاملا.
وقال غاردنر: "كانت آخر حوارات (زوجتي وحواراتي) حول قولها لي: الآن هو الوقت الذي بوسعنا أن نفكر فيه كيف ستبدو حياتنا القصيرة، وماذا سيفعله المرء في بقية حياته".
بطلان نظرية
يقضي حاليا غاردنر 200 يوم كل عام، وهو يجوب العالم للتحدث إلى الجماهير الحاشدة في أكثر من 50 دولة.
ويقول سكوت بيرنز، المدير في شركة "مورنينغستار" الاستثمارية، إن "غاردنر دليل مذهل على الجلد والصمود".
ويعتقد غاردنر بأنه أثبت بطلان النظرية التي تقول إننا جميعا نتاج ظروف مرحلة الطفولة.
وقال كريستوفر غاردنر: "وفقا لهذه المدرسة الفكرية، كان يفترض أن أصبح سكيرا آخر، أضرب زوجتي، أعتدي على أطفالي، وفاشلا جاهلا".
وختم حديثه: "اخترت الجزء المضيء، من والدتي ومن الآخرين الذين لا تربطني بهم أي علاقة، وسرت نحوه".