حذر مختصون في الشأن الفلسطيني من خطورة "التحريض الطائفي المتصاعد" في المنطقة العربية، الذي قد ينعكس على المجتمع الفلسطيني، ويتسبب بأعمال "فردية محدودة"، وذلك عقب مقتل شاب يرجح أنه "متشيع"، مساء الأربعاء، في مخيم الشاطئ غربي مدينة
غزة، حيث تسببت "جريمة القتل" بحالة من الصدمة لدى المجتمع الفلسطيني.
وأعلن الناطق باسم الشرطة الفلسطينية في قطاع غزة، أيمن البطنيجي، عن مقتل المواطن الفلسطيني مثقال السالمي (35 عاما)، "برصاص مجهولين، قرب المسجد الغربي بغزة"، مؤكدا في تصريح مقتضب اطلعت عليه "
عربي21"، أن "الشرطة فتحت تحقيقا عاجلا لمعرفة القتلة وأسباب القتل ودوافعه".
كما ذكر مصدر أمني فلسطيني لـ"
عربي21"، فضل عدم ذكر اسمه، أن المعلومات الواردة تشير إلى "أن شابا ملثما تقدم نحو السالمي، وأخرج مسدسه، وأطلق النار على رأسه مباشرة، ما أدى إلى موته على الفور".
وأشار إلى أن السالمي "له العديد المنشورات التي تدعو إلى التشيع"، حيث نقل المصدر الأمني عن القتيل قوله: "لو أن عناصر حركة فتح اتبعوا إيران والشيعة وأهل البيت، لتحررت فلسطين منذ زمن"، وفق نقله، لكنه أكد أن "سبب القتل لم يعرف بعد".
جريمة مرفوضة
الكاتب والمحلل السياسي، إبراهيم المدهون، أكد أن ما حدث هو "جريمة مرفوضة وصادمة وسابقة في تاريخ الشعب الفلسطيني، ولا أحد يتقبلها"، مضيفا: "من المعروف أن الشحن الطائفي الإعلامي يؤثر سلبا في العالم العربي، ويبدو أن هناك من يستغل هذه الثغرات ليوسع فجوتها، كما أن هناك من يتأثر بحالة التحريض المتصاعد ويقوم بأعمال فردية محدودة".
وأوضح في حديثه لـ"
عربي21" أن هذه "الجريمة الفردية مرفوضة على عدة مستويات؛ فعلى المستوى السياسي، في اعتقادي أن كل الفصائل الفلسطينية والحكومة الفلسطينية في غزة ترفض هذا السلوك، ولن تمرر هذه الجريمة مرور الكرام".
وأضاف المدهون: "أما على المستوى الشعبي، فقطاع غزة لم يتعود على سفك الدم بهذه الطريقة، التي هي أقرب للفوضى منه للنظام"، متوقعا أنه "لن تتكرر مثل تلك الحادثة في ظل حالة الرفض الجماعي لمثل هذه الجريمة".
وتوقع المحلل السياسي أن "الجميع سيبذل جهدا كبيرا لكشف الجناة ومعاقبتهم؛ كي لا تتكرر مثل تلك الحوادث التي تسيء لشعبنا ولصورة غزة، التي ترفع شعار المقاومة قولا وعملا".
وطالب الكاتب بضرورة "أن تأخذ وزارة الداخلية وكافة فصائل المقاومة موقفا حاسما، وألّا تسمح بتاتا بتكرار مثل تلك الجريمة التي تخدش النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليته الوطنية".
كما دعا المدهون "أي مواطن يحمل فكرا طائفيا أن يتفادى استفزاز مشاعر الآخرين عبر كتابته ومنشوراته؛ لأن الوضع الذي نحياه معقد"، مؤكدا أن "واقع التشيع في قطاع غزة فردي ومحدود جدا، ويعدّ على الأصابع".
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي، فايز أبو شمالة: "المجتمع الفلسطيني لا يختلف عن بقية المجتمعات العربية، وهو جزء من المنظومة الفكرية العامة، وبالتالي، أن يوجد في غزة من يتشيع، وأن يوجد كذلك من يصطدم مع التشيع في ظل حالة التعبئة الطائفية المقيتة في المنطقة، أمر غير مستغرب".
النشاط الفكري
وأكد في حديثه لـ"
عربي21" أن ما حدث هو "جريمة، بغض النظر عن أبعادها الفكرية، لكنها ليست ظاهرة"، مضيفا: "في تقديري، إنه إذا وجد بعض المتشيعين في قطاع غزة، فهي لا تشكل ظاهرة عامة تستوجب الملاحقة والمتابعة والعلاج".
واستبعد أبو شمالة أن تتسبب حادثة مقتل المواطن السالمي بانحدار الوضع الأمني في قطاع غزة إلى مربع الفلتان الأمني، في ظل تربص العديد من الأطراف بالقطاع المحاصر، منوها إلى وقوع العديد من جرائم القتل في القطاع خلال الأيام والأشهر الماضية لأسباب مختلفة.
وقال: "هذه الجرائم لا تعكس انهيارا اجتماعيا أو أخلاقيا في قطاع غزة، بما فيها جريمة قتل السالمي على خلفية التشيع، إن ثبت ذلك"، مضيفا: "أنا لست من أنصار تعظيم الأمر ومنحه بعدا أيديولوجيا وانعكاسا سياسيا يؤدي إلى التصفية".
ونبه الكاتب والمحلل السياسي إلى أهمية "وجود النشاط الفكري والإعلامي الذي يحث على سعة الصدر وتقبل الآخر، خاصة لدى فئة الشباب الذين ضاقت بهم الدنيا، إضافة إلى أهمية يقظة الأجهزة الأمنية الفلسطينية في قطاع غزة".
من جهته دان مركز الميزان لحقوق الإنسان بغزة، مقتل السالمي، مطالبا وزارة الداخلية الفلسطينية بالعمل على "إجراء تحقيق في الحادث ومعرفة أسباب عملية القتل، وتقديم المتورطين للعدالة".
وأكد المركز في بيان له أطلعت عليه "
عربي21"، أنه "ينظر بخطورة لمقتل السالمي"، معبرا عن قلقه "البالغ إزاء ما يشير إلى إمكانية أن مقتله يأتي على خلفية آراءه ومعتقداته".
وشدد المركز الحقوقي على ضرورة قيام الجهات المختصة على "منع انتشار وسوء استخدام الأسلحة النارية، التي يدفع المجتمع ثمن انتشارها وسوء استخدامها"، داعيا إلى "تعزيز حماية واحترام الحريات العامة؛ ومنها الحق في حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية".
يذكر أن عددا قليلا من المواطنين الفلسطينيين يحملون الفكر الشيعي في قطاع غزة، وهؤلاء يميلون إلى التكتم على انتمائهم المذهبي في ظل تبني سكان القطاع للمذهب السني، مع وجود أقلية مسيحية فيه.