تصدّر للمرة الثانية حزبُ " العدالة والتنمية"
المغربي نتائج اقتراع السابع من أكتوبر 2016، بفوزه بـ 125 مقعدا في مجلس النواب، المكوّن من 395 عضوا، هو العدد الإجمالي لكامل مقاعده، محافظاً بذلك على قاعدته الانتخابية، ومثبتاً عدم تضرر شعبيته بسيول الانتقادات الموجّهة إليه من قبل خصومه السياسيين، ومعارضيه الذين كانوا إلى وقت قريب ضمن مكونات تحالفه، كما هو حال حزب الاستقلال على سبيل المثال.
يُذكر أن حزب "العدالة والتنمية" فاز في إقتراع 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 بـ107 مقاعد، أي الرتبة الأولى، مما أهله، وفق أحكام الدستور، لرئاسة الحكومة المنتهية ولايتها (2011 ـ 2016)، واليوم وبعد انتصاره من جديد بزيادة ثمانية عشر مقعدا عن انتخاب عام 2011، سيخوض تجربة قيادة العمل الحكومي مرة ثانية، إن هو تمكن من بناء تحالف يساعده على ضمان الأغلبية المطلقة المطلوبة (198 مقعدا) في التنصيب البرلماني، كما تقضي بذلك أحكام دستور (2011).
كيف نقرأ الانتصار الثاني لحزب "العدالة والتنمية"؟ وما هو مشهد أو مشاهد تطور العملية السياسية بعد هذا الفوز الواضح والمحقق؟
لابد في البداية من تسجيل استمرار قوة "الإسلاميين" المتصاعدةً منذ دخولهم العمل الشرعي، ومشاركتهم في الانتخابات التشريعية سنة 1997، حيث قفزوا من تسعة مقاعد خلال هذا الاستحقاق إلى 107 مقاعد في اقتراع 2011، قبل أن يفوزوا بـ125 مقعدا في انتخاب السابع من هذا الشهر، وهو رقم لم ينله أي حزب منذ بداية الانتخابات التشريعية عام 1963. ولعل تفسير هذا الانتصار المتنامي يعود إلى عوامل ذاتية خاصة بالحزب نفسه، وأخرى موضوعية ذات صلة بالسياق السياسي والحزبي المغربي.
فمن المعروف حتى لدى خصوم حزب " العدالة والتنمية" ومنافسيه أنه تنظيم سياسي على قد كبير من الانضباط والتجانس بين مناضليه ومناصريه، وأكثر قرباً والتصاقاً بالشأن العام، لاسيما بالنسبة للفئات الاجتماعية محدودة الدخل والفقيرة، بل استطاع منذ انتخابات 2011، مروراً بالاقتراع الجماعي والجهوي لعام 2015، وحتى انتخاب 07 أكتوبر، أن يحظى بقبول شرائح من الطبقة الوسطى، وأن يستميلها للتصويت لصالحه، بل استطاع جلب مؤيدين له حتى من الأحزاب المنافسة، وهو ما لم تقدر على فعله مجمل القوى السياسية، لاسيما التنظيمات سليلة الحركة الوطنية. والواقع أن "الإسلاميين" اجتهدوا في صياغة خطابهم الانتخابي، وأوصلوه للناخبين بلغة بسيطة، وتأثير عميق وفعال، كما نجحوا في الدفاع عن ولايتهم الحكومية، بنجاحاتها وكبواتها، معبرين من خلال كل ذلك عن حسهم "البرجماتي" النفعي، وميلهم الإرادي إلى اقتناص الفرص وتوسيع مساحة الإمكانيات، وهو ما لم تُحسن القيام به الأحزاب المنافِسة لهم، التي ظلت متأرجحةً ما بين خطاب التضليل والوعود غير القابلة للتنفيذ، أو خطابات لا يَفهم عمومُ الناس مُفرداتِ لغتها، أو يُقدِّرون أنها للاستهلاك الانتخابي ليس إلا.
أما على المستوى الموضوعي، فقد أسعفهم السياق السياسي والحزبي المغربي على تحويل قدراتهم الذاتية إلى رصيد قوة واضح ومؤثر في الحياة السياسية المغربية. فمن جهة، تراكمت الحاجة لدى شرائح واسعة من الشعب المغربي إلى حزب جديد بمشروع مجتمعي جديد، أو على الأقل إلى قوة سياسية غير مُدنَّسة بالفساد، ولا مستعدة مسبقا للانغماس في براثنه، وتجربة خمس سنوات من حكم حزب "العدالة والتنمية" لم يغير من هذه الصورة، على الرغم من الاتهامات المفتعلة أو القريبة من الحقيقة التي تقاطرت عليهم في السنة الأخيرة قبيل اقتراع السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2016. يُضاف إلى ذلك، ضعف المعارضة سليلة الحركة الوطنية، وتَرهّل نخبها القائدة، وانشغالها بالتوترات الداخلية والانشقاقات، وعجزها عن إدارة الاختلاف وترشيد خسائره وسط بنياتها الداخلية.
يمكن الإقرار دون تردد أن تصاعد قوة حزب "العدالة والتنمية"، وانتصاره مرتين متتابعتين، ومن ثمة شرعيته الدستورية والسياسية لقيادة الحكومة لولاية ثانية، كلها مصادر مُفسِّرة لما حصل يوم السابع من أكتوبر. لكن، بالمقابل، يحتاج "الإسلاميون" إلى حلفاء لتشكيل حكومة ائتلافية، ذات أغلبية مطلقة، وقادرة على العمل في تناغم بين البرلمان والحكومة، لضمان المصادقة على البرنامج الحكومي المرتقب، والنجاح في صياغة سياساته وتنفيذها.
يبدو أن قادة حزب العدالة والتنمية واثقون من تخطي عقبة بناء التحالف، والنجاح في استمراره على الأقل على المدى القريب والمتوسط، لكن بمن؟ ومع من؟ وبأي ثمن؟.. إنها أسئلة تستحق التفكير والتأمل.
بات مؤكدا أن "الإسلاميين" سيبحثون عن حلفاء ممن هم أقرب إليهم، أي غير بعيدين عن رؤيتهم وبرنامجهم، أو على الأقل ليسوا أعداء أو معارضين واضحين ومصرين لهم، من قبيل أحزاب: الاستقلال، الحركة الشعبية، التقدم والاشتراكية، وإلى حد ما "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية". وإذا تمكن حزب العدالة والتنمية التوافق في مفاوضاته القادمة مع حزب الاستقلال أساسا، الفائز بـ46 مقعدا، وفي درجة ثانية الاتحاد الاشتراكي، الذي ظفر بـ20 مقعدا، فدون شك سيقدر على تشكيل حكومة ائتلافية مكونة منه (125)، وعضوية كل من الاستقلال (46)، والحركة الشعبية (27)، والإتحاد الاشتراكي(20)، والتقدم والاشتراكية (12)، فيصل بذلك إلى ما مجموعه 230 مقعدا، والحال أن الأغلبية المطلوبة لا تتعدى 198 مقعدا.. أما إذا تعذر عليه هذا التوافق فسيفتح الباب أمام العديد من الخيارات، لاسيما أن دستور 2011 لم ينص بشكل صريح على الحلول البديلة في حالة ما إذا عجز الحزب التي تصدر نتائج انتخابات مجلس النواب عن تشكيل حكومة ائتلافية.