مقالات مختارة

رسائل فلسطينية مشفرة

فهمي هويدي
1300x600
1300x600
تطلق في الفضاء الفلسطيني هذه الأيام رسائل مشفرة مثيرة للغط والقلق، وبعضها يحتمل تأويلات خطيرة تتماس مع عموم الفضاء العربي. فإلى عهد قريب كان شعار ترتيب البيت الفلسطيني يقصد به المصالحة بين الشقيقين اللدودين فتح وحماس، لكن الأمر اختلف هذه الأيام؛ إذ تبعا لمؤشرات بورصة السياسة فإن «البيت» المقصود هو بيت «فتح» ذاتها، والهدف من الترتيب ليس الاصطفاف في مواجهة الاحتلال، ولكن المراد به هندسة الوضع تحسبا لاحتمالات غياب الرئيس محمود عباس الذي تجاوز العمر الافتراضي في منصبه. وعملية الهندسة لا تتم في الكواليس الفلسطينية فحسب، ولكنها متداولة بهمة في المحيط العربي، والهدف منه هو تهيئة الأوضاع لكي يصبح السيد محمد دحلان القيادي الفلسطيني سيئ السمعة المفصول من فتح، هو الخليفة المنتظر الذي ترشحه «الرباعية العربية» لذلك المنصب، وهذه تختلف عن الرباعية الأوروبية التي شكلت في إطار الاتحاد الأوروبي للتعامل مع القضية الفلسطينية، ذلك أن الرباعية العربية مصطلح مبتدع تتداوله الصحف في الساحتين الفلسطينية والأردنية، صارت له مكانته في قاموس التشفير المستجد. والتفسير المتواتر لتلك الرباعية يفهم منه أن المقصود به دولتان شرقيتان واثنتان من منطقة الخليج.

الخطاب الذي ألقاه أبومازن في رام الله يوم السبت الماضي 3 سبتمبر أمام جمع من ممثلي ذوي الاحتياجات الخاصة في فلسطين، يعد نموذجا للغة «التشفير» التي أتحدث عنها؛ ذلك أنه قال ما يلي: يجب أن نتكلم كفلسطينيين، إذ كفانا امتدادات هنا وهناك، ومن له تلك الامتدادات عليه أن يقطعها، وإذا لم يقطعها فسوف نتولى نحن ذلك. إننا نريد أن نحتفظ بعلاقات جيدة مع العالم، لكننا لا نريد لأحد أن يملي علينا مواقفنا، حيث لا سلطة لأحد علينا. إنني لا أفكر في واشنطن أو موسكو، لكني لا أريد أن أذكر عواصم حتى لا يتحسس أحد رأسه، والكل يعلم أن بيننا أناسا يعملون مع عواصم أخرى. وأنا أدعو الجميع لأن يتركوا العواصم وفلوسها وتأثيرها، وأن نعمل كفلسطينيين فقط. فهل بوسعنا أن نفعل ذلك؟

اكتفى أبومازن بالتلميح، لكن الشارع الفلسطيني ــ وليس النخبة وحدها ــ فهم الرسالة، حيث الإشارات كانت واضحة، حتى بدا مفهوما أن الرئيس الفلسطيني أراد بكلامه أن يعبر عن رفضه للضغوط التي تستهدف إعادة محمد دحلان إلى صفوف فتح مرة أخرى، لأن الرباعية العربية ترشحه لخلافته وترى فيه ما يستحق الرهان عليه، بحكم صلاته وارتباطاته الغربية والأمريكية والإسرائيلية. وليس ذلك استنتاجا من عندي، ولكنه تأويل اجتمعت عليه كتابات معلقي الشأن الفلسطيني في الضفة والأردن على الأقل.

المعلقون العارفون بما يجري في الكواليس، أدركوا أن رسالة أبومازن ستؤدي إلى توتير علاقاته بالدول الأربع، وأضافوا ما هو أخطر؛ إذ ذكروا أن مشروعا لليّ الذراع قدمته الرباعية العربية إلى القيادة الفلسطينية، دعاها فيه إلى ما سمي بترتيب البيت الفلسطيني، وضمنه تحذيرا أشبه بالتهديد خلاصته أنه: «إذا لم يقم الفلسطينيون بما عليهم واستمروا في الانقسام (داخل حركة فتح)، فسوف تضطر بعض الدول العربية لدراسة بدائلها الخاصة في التعامل مع ملف الصراع العربي الإسرائيلي». وهي رسالة خطيرة الدلالة وقعت على نصها في أكثر من تعليق فلسطيني، كأنها تلوح بالتطبيع مع إسرائيل دون انتظار تحقيق أي تقدم في القضية، إذا لم يعد دحلان إلى فتح ويدرج ضمن المرشحين لرئاسة السلطة. وليست لديَّ فرصة للتثبت من دقة هذا الكلام، لكنني وجدته متداولا ومنتشرا على أكثر من صعيد في الساحة الفلسطينية وبين عناصر الطبقة السياسية العربية، ناهيك عن أن القرائن المتوافرة تؤيد احتمال صحته، سواء تلك التي تمثلت في إحياء المبادرة العربية من العدم، أو في الحديث عن فكرة السلام الدافئ في إسرائيل، أو في جرأة وتعالي أصوات المطبعين العرب المعروفين بصلاتهم بجهات القرار ودوائر السلطة في أخطائهم.

وليس ذلك كل شيء لأن فصل «التشفير» حافل برسائل أخرى ينبغي أن تقرأ - غدا نواصل بإذن الله.

الشروق المصرية
2
التعليقات (2)
علي النويلاتي
الثلاثاء، 13-09-2016 11:00 ص
هذه الدول التي تسمى "الرباعية" وهي الأردن ومصر والسعودية والإمارات، لا تبغي "التقدم في القضية الفلسطينية" كما يقول المقال وإنما التراجع وخدمة مصالح العدو الإسرائيلي. أما بالنسبة لتهديدهم بالتطبيع مع هذا العدو، فهذا يعني وكأن إسرائيل هي فقط ضد الفلسطينيين العرب وليس كل العرب وهذا إستغباء للشعب العربي. وهو يعني أيضاً وكأن شعبوبهم ليست معنية بهذا التطبيع. الشعب العربي يعلم من هو هذا العدو العنصري المجرم ويعلم بأنه ضد كل العرب والمسلمين وهو ضد التطبيع مع هذا العدو محتل مقدسات المسلمين والمسيحيين العرب، والتطبيع معه سوف يقرب أجل هذه الحكومات أكثر وأكثر ولن ينفعها وينقذها لا هذا العدو ولا غيره. هذه قضية مقدسة ولم يتآمر عليها أحد إلاَّ وإقتص منه الله في الدنيا قبل الآخرة.
محمد الدمرداش
الأحد، 11-09-2016 08:42 م
واي ريفر و أسلو .............. نتيجة رفض الزعيم الراحل ياسر عرفات ما تم طبخه في واي ريفر كان قتله بالسم و هو بين الفلسطينيين في المقاطعة برامله ؛ و نتيجة قبول محمود عباس مفردات أوسلو الضارة المعرقلة لمسيرة القضية الفلسطينية كان وجودة في سدة السلطة و على رأس صنع القرار السياسي الخاص بالفلسطينيين و أن كانت حماس عقبة كؤود و واقع مزعج مرير . و من هذه المفارقة ندرك أن صنع الساحة السياسية الفلسطينية ليس فلسطيني خالص بل بأيادي خارجية تتراوح ما بين الصهيونية العالمية و الداعمين الغربيين و اللوب العربي الذى يدلل باسم اللوب المعتدل و إذا كانت التلميحات و التشفيرات اليوم تشير إلى دحلان فهذه رؤية من جانب الصهيونية العالمية و حلفائها لمواله دحلان لهم بدون تحفظ أو قيود أو شروط علاوة على عدائه الشديد المجاهر لحماس و يبقى التعرف على صلابة عود الفلسطينيين و تمسكهم بقرارهم الذى يرمى في صالح قضيتهم و هذا ما ستكشف عنه الأيام فهل البيت الفلسطيني أمتلك زمام أمره في ظل المعطيات و الظروف المحيطة بمنطقة الشرق الأوسط أم أنه مازال من الوهن و التفكك منذ حدوث النكبة و إلى اليوم ؟