ملفات وتقارير

كيف قرأ الغرب بيان الجولاني.. وما دوافع فك الارتباط؟ (ملف)

ظهر الجولاني في بيان مرئي أعلن فيه "نعي" جبهة النصرة و"ولادة" جبهة فتح الشام- أرشيفية
ظهر الجولاني في بيان مرئي أعلن فيه "نعي" جبهة النصرة و"ولادة" جبهة فتح الشام- أرشيفية
أثار الإعلان المفاجئ لزعيم جبهة النصرة سابقا، أبي محمد الجولاني، في بيان مرئي فك ارتباطه بـ"القاعدة"، وإطلاق تسمية جديدة على جبهته، وهي "فتح الشام"، كثيرا من التساؤلات، حول الأسباب والأهداف التي دفعته لإعلان التنظيم الجديد في سوريا، بعيدا عن التنظيم العالمي.

وما يثير التكهنات هو توقيت هذا الإعلان، وربطه بتحليلات تشير إلى أن "النصرة" باتت هدفا مفضلا لغارات التحالف الدولي، التي استهدفت قيادات تاريخية في التنظيم، وربط ذلك بتصريحات الجولاني، التي أفاد فيها بأن من الأسباب التي دفعت الجبهة لفك ارتباطها بتنظيم القاعدة، "سد الذرائع أمام المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا وروسيا، في قصفهم وتشريدهم لعامة المسلمين في الشام، بحجة استهداف جبهة النصرة التابعة لتنظيم قاعدة الجهاد".

وبين من يراها خطوة "علاقات عامة" وآخر يعتقد بأنها "قرار براغماتي"، ومن يعتبرها "إعلان هزيمة" و"اعترافا بالواقع السوري"، ترصد "عربي21" في هذا التقرير الأسباب التي دفعت الجولاني إلى فك ارتباط تنظيمه بـ"القاعدة"، وواقعيتها بالنسبة للغرب، بناء على التعليقات الغربية في الصحف والمواقع الأجنبية.

تتضح من خلال البيان المرئي الذي ظهر فيه الجولاني، الخميس الماضي، 28 آذار/ مارس الجاري، مجموعة من الأسباب التي يمكن تلخيصها على النحو الآتي، وفق ما تابعته "عربي21": 

- سد ذريعة قصفهم من التحالف الدولي بحجة تبعيتهم لـ"القاعدة".
- التركيز على الساحة السورية.
- التقدم خطوة نحو السعي لتشكيل جسم موحد مع باقي الفصائل المسلحة.
- خلق صورة أكثر اعتدالا.
- استقلال التنظيم وقطع أي علاقة أو صلة بأي جهة خارجية.

ولكن محللين سياسيين رأوا الأمر من زاية مختلفة، منهم الخبير في الجماعات الإسلامية، المحلل السياسي، حسن أبو هنية، الذي تحدث لـ"عربي21"، مشيرا إلى أن مجموعة "خراسان" داخل "النصرة" باتت تفتقد إلى قيادات تاريخية قادرة على المضي قدما باتجاه عولمة الحركة والالتزام بأجندة "لقاعدة" التقليدية باتجاه استهداف "العدو البعيد"، وهي الأهداف الأساسية لـ"قاعدة" أسامة بن لادن.

وقبل الحديث عن هذه المجموعة، لفت أبو هنية إلى أن قرار جبهة النصرة فك ارتباطها، جاء بعد دراسة مجموعة من العوامل وأخذها بعين الاعتبار، وهي التطورات الميدانية الأخيرة على الساحة السورية، لا سيما بعد التفاهمات الأمريكية الروسية، باستهداف تنظيم الدولة وجبهة النصرة في سوريا.

وأضاف إلى ذلك الحرج الشديد الذي تتعرض له جبهة النصرة أمام الناس بسبب الحاضنة والتبعية لتنظيم القاعدة، وفق قوله.

ولفت إلى أن القيادات في التنظيم العالمي رأت أنه لا بد من إعادة تعريف لـ"القاعدة" وتجديد لها، وفق قراءات جديدة، مشيرا إلى أن الجولاني أعلن في بيانه المرئي عدم التبعية لأي جهة خارجية، ولكنه لم يخرج من الأيدولوجية التي تقوم عليها القاعدة.

واعتبر أن إعلان الجولاني، ما هو إلا محاولة للتنظيم لإعادة غرس نفسه في الثورة مرة أخرى، مشيرا إلى أن فك الارتباط إنما جاء بعد مناقشات طويلة واتفاق داخلي ونوع من التمويه والمراوغة.    

وعن مجموعة "خراسان"، لفت أبو هنية إلى أن المجموعة خسرت قيادات تاريخية لها في سوريا، وباتت اليوم مهددة بالانقراض عبر برنامج الطائرات دون طيار ومصفوفة القتل، وقطع الرؤوس.

ويدعم نظرية عدم احتمال "القاعدة" فقدان مجموعة أخرى من قياداتها في سوريا، إعلان الجولاني الأخير، وبحسب ما تابعته "عربي21"، فمن أسماء القيادات التاريخية لمجموعة خراسان التي قضت في سوريا:

محسن الفضلي:
قائد مجموعة "خراسان" المفترض، وهو كويتي الجنسية، استهدف قرب بلدة سرمدا السورية.

أبو فراس السوري: مسؤول المعاهد الشرعية في جبهة النصرة، وكان متحدثا باسمها، وهو أحد قيادات الجناح الجهادي المعولم داخل النصرة المعروف بمجموعة "خراسان"، وقتل في محافظة إدلب.

أبو همام الشامي: كان مسؤولا عسكريا في جبهة النصرة، قتل في ريف إدلب الشمالي.

سنافي النصر: وهو السعودي عبد المحسن عبد الله إبراهيم الشارخ، من القيادات المعروفة في مجموعة خراسان، قتل في منطقة الدانا في ريف حلب.

وهذه القيادات لطالما عبرت -بحسب متابعين وباحثين- عن طبيعة مجموعة "خراسان" وأهميتها الاستثنائية التي يصعب تعويضها في أطر تنظيمية مثل "القاعدة" وفروعها.

ومن القيادات التي ما زالت على قيد الحياة، أحمد أبو الخير، و"أبو القسام"، و"أبو الفرج المصري" الذي ظهر إلى جانب الجولاني في البيان المرئي.

ولكن كيف كانت التصريحات الرسمية لأمريكا والغرب، بعد بيان الجولاني، وردود فعل المعلقين لديهم وتحليلاتهم؟

قدم أمير جبهة "فتح الشام" مجموعة من التفسيرات التي جاء في مقدمتها سد ذرائع استهداف تنظيمه في سوريا، وبحسب ما تابعته "عربي21" في الصحف الأجنبية، فإنه يمكن تلخيص المنظور الغربي لعملية فك ارتباط جبهة النصرة سابقا عن تنظيم قاعدة الجهاد، وذلك بما يأتي:

- واشنطن أعلنت أنها ما زالت تعتبر التنظيم بزعامة أبي محمد الجولاني "تنظيما إرهابيا".
- وجود قيادات لتنظيم القاعدة في جبهة النصرة تتهمهما واشنطن بأنها متورطة في أحداث 11 سبتمبر.
- مخاوف من أن فك الارتباط ما هو إلا تأسيس لنفسها في سوريا، بعد الضعف الذي عانت منه بفعل تنظيم الدولة.
- جعل سوريا ملجأ آمنا لقيادات تنظيم القاعدة، داخل تنظيم سروي منفصل. 
- يخشى التحالف الدولي من استدخال جبهة "فتح الشام" الجديدة نفسها في الثورة السورية والمعارضة.
- الذهاب إلى أن "القاعدة" تهدف من وراء الإعلان إلى استخدام سوريا مركزا لعملياتها ضد الغرب.
- خبراء عسكريون أمريكيون رأوا أنها خطوة "علاقات عامة".

وقرأ مجموعة من الخبراء والمحللين السياسيين، بيان الجولاني، ودرسوا أبعاده، وبحسب ما ترجمته "عربي21"، فإنها تركزت على أبعاد ثلاثة، وهي:

السياسة أولا.. الأيديولوجيا ثانيا:

رأى الباحث الأمريكي في معهد أبحاث السياسة الخارجية، كلينت واتس، أن "خطوة انفصال جبهة النصرة تمثل الخطوة المنطقية ضمن تفكك تنظيم القاعدة، وتطور الجهادية في العالم"، وفق قوله. 

وأوضح أنه منذ مقتل زعيم التنظيم، أسامة بن لادن، فقد بدأت "القاعدة" تفقد سيطرتها على فروعها.

وقال واتس، في مقال له على موقع "وار أون ذا روكز"، إن علاقة "النصرة" بـ"القاعدة" قد "تحولت إلى عبء"، بعدما استطاعت "النصرة" تثبيت نفسها محليا، لا سيما بعدما ابتعدت عن تنظيم الدولة، إذ إنها "أصبحت محل استهداف للتحالف الدولي، وللمفخخات من تنظيم الدولة".

وأضاف واتس، الذي كان ضابط مشاة، وعميلا في الـ"أف بي آي" لمكافحة الإرهاب، إن "تنظيم القاعدة اختار حلا ثالثا يتضمن بناء الدولة، دون أجندة (القاعدة الدولية) للهجوم على العدو البعيد، مدعومة محليا، بنموذج جهادي هجين جديد، يحافظ على مشروع بناء الخلافة الإسلامية".

خطاب مضمّن

من جانبه، اختلفت رؤية الكاتب توماس جوسيكلن، عن واتس، ودعا إلى عدم اعتبار ما قام به الجولاني "انفصالا عن القاعدة"، مؤكدا أن خطابه كان غامضا ويتطلب نظرة دقيقة.

وقال جوسيكلن، وهو كبير محرري مجلة "لونغ وار"، إن الجولاني بدأ بشكر من يجب أن ينفصل عنهم، وسط احتفاء مسبق منهم، أظهره تسجيل أحمد حسن "أبي الخير"، صباح الجمعة.

واعتبر جوسيكلن أن عبارة الجولاني بالانفصال عن "أي هيئة خارجية" قد لا تعني "القاعدة"، مشيرا إلى أن قيادات "القاعدة" الكبار انتقلوا إلى سوريا، كان أبرزهم، أحمد سلامة مبروك، الجالس على يمينه في المقطع المصور.

ولفت إلى أن الجولاني لم يفك "بيعته" للظواهري في خطابه المصور، ما يجعله مرتبطا به بطريقة أو بأخرى، عدا عن تأكيده في وقت سباق أنه لن يتخلى عن "المبادئ" المتمثلة بالدعوة لتطبيق الشريعة، وتشكيل خلافة إسلامية.

"النصرة" أقوى من أي وقت سبق

بدوره، اعتبر خبير الشؤون الجهادية تشارلز ليستر، الذي كان من أول من توقع نية "النصرة" الانفصال عن "القاعدة"، أن بيان الجولاني مجرد "خداع" و"مراوغة"، معبرا عن رأيه بأن "النصرة" باتت أقوى من أي وقت مضى، وبتطرفها ذاته الذي كانت عليه، وليست اليوم أكثر اعتدالا، وفق قوله.

واعتبر ليستر في مقال له مع مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، أن "النصرة" تواصل "لعبتها الطويلة" في سوريا، التي تسعى بها لاستدخال نفسها ضمن الثورة السورية، بعكس تنظيم الدولة الذي يعتمد على المباينة والانفصال.

وقال ليستر إن ما يجري يأتي ضمن سعي جبهة النصرة "الجمعي التدريجي المرن"، لتحقيق مكاسب تكتيكية، سعيا للاستراتيجية الأبعد، وهي "تأسيس الإمارة الإسلامية مع دعم أو قبول شعبي كاف".

ويجري خبراء روس وأمريكيون مشاورات جديدة لتنسيق الضربات العسكرية في سوريا، منذ يوم الجمعة، في جنيف بحسب ما كشفت عنه موسكو، وذلك "تلبية لطلب شخصي من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، بعد يوم من إعلان جبهة النصرة عن تغيير اسمها إلى (جبهة فتح الشام)، وفك ارتباطها بتنظيم القاعدة"، بحسب ما نشره موقع قناة "روسيا اليوم". 

يشار إلى أن الجولاني أعلن في بيان الخميس الماضي، بثته العديد من الفضائيات، فك ارتباط جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة، وتغيير اسمها إلى "جبهة فتح الشام".

اقرأ أيضا: من هو الجولاني؟ ومن هما الشخصان اللذان ظهرا بجانيه؟

المصادر:

- صحيفة "عربي21" اللندنية
- صحيفة "التايمز" البريطانية
- شبكة "سي أن أن" الأمريكية
- موقع قناة "روسيا اليوم"
موقع "وار أون ذا روكز"
مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية
مجلة "لونغ وار" الأمريكية
التعليقات (0)