سياسة عربية

مصر على خطبة رجل واحد.. أئمة مساجد يسخرون ويعتذرون

العمل سيبدأ بالخطبة الموحدة غدا الجمعة - أرشيفية
العمل سيبدأ بالخطبة الموحدة غدا الجمعة - أرشيفية
كشف مصدر بوزارة الأوقاف المصرية لصحيفة "عربي21" عن اعتذارات بالجملة من أئمة مساجد بمصر عن أداء خطبة الجمعة المقررة غدا، التي سيبدأ معها تنفيذ فكرة "الخطبة المكتوبة"، التي شدد وزير الأوقاف، محمد مختار جمعة، على بدء العمل بها، من خطبة الجمعة 10 شـوال 1437هـ، 15 تموز/ يوليو 2016.

يأتي ذلك في ظل رفض واسع من قبل الأئمة لفكرة "الخطبة المكتوبة"، وهجوم واسع عليها من كتاب المقالات والأعمدة الصحفية، ومطالب بعضهم بإقالة الوزير بسببها، واتهامهم له بتحويلها إلى بيان أسبوعي للحكومة المصرية، وتجميد وليس تجديد الخطاب الديني، فضلا عن تشجيع التشدد والتطرف، وليس العكس.

الوزير يستشهد بابن حنبل.. ويتلقى دعما برلمانيا

وفي مواجهة هذه الانتقادات الواسعة الموجهة إليها، لجأت قيادات وزارة الأوقاف إلى تبرير الأخذ بالخطبة المكتوبة.

وأكد وزير الأوقاف أن لها جوانب إيجابية كثيرة، مدعيا أن الإمام أحمد بن حنبل كان يفضل الخطبة المكتوبة، وأنه اعتبرها "أضبط وأوثق وأبعد عن الشطط والزلل".

ووصف الخطبة المكتوبة بأنها تساعد الإمام على أن يركز في الأداء، وليس فقط في الحفظ، مشيرا إلى أن "هذا الوقت وهذه الظروف لا تحتمل الخروج ولا التأويلات"، حسبما قال.

وتلقى الوزير دعما قويا من البرلمان المصري.

وقال أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب، عمر حمروش، إن الخطبة المكتوبة  ستقضي على سلبيات كثيرة أبرزها الإطالة في الخطبة، والخروج عن موضوعها، فضلا عن توظيفها سياسيا، مشيرا إلى أنه يتم العمل بها في الحرمين الشريفين.

وأضاف حمروش - عقب لقائه بوزير الأوقاف بديوان عام الوزارة، الأربعاء - أن الدولة المصرية تواجه تحديات داخلية وخارجية تستوجب وحدة الصف، وأن الخطبة المكتوبة ليست بدعة، ولا أمرا خارجا على المألوف، على حد قوله.

ودعا الأئمة إلى أن يكونوا على قلب رجل واحد، وأن يسارعوا إلي التوافق فيما تقوله وزارتهم بالنسبة للخطبة المكتوبة، مؤكدا أن الأوقاف في مرحلة التهيئة للأمر، وأنه في النهاية سيتم التوافق، وستكون هناك رؤية واضحة المعالم، على حد قوله.


"المقال": الخطبة تتحول لبوق حكومي

وسخرت جريدة "المقال" من الخطبة المكتوبة.

وخرجت، الخميس، بمانشيت يقول: "مصر على خطبة رجل واحد.. الدولة قررت تحويل خطبة الجمعة إلى بوق حكومي عن عظمة الرئيس، وطاعة أولي الأمر، وحرمة الاعتراض على أي شيء".

سخرية الأئمة من الفكرة

وتساءل الكاتب الصحفي عادل عزت، في مقاله بالجريدة: ماذا يعني قرار الخطبة الموحدة المكتوبة؟ وما الهدف من ورائه؟ وكيف نفهمه في ظل ما يحدث في مصر؟

ونقل عادل عزت عددا من تعليقات الأئمة على الموضوع، إذ قال أحدهم: "ياريت اللي يكتب الخطبة يبقي يكتب اسمه حتى نقول: "بعد أما بعد.. فنقلا عن فلان بن فلان؛ لأن هذا هو اجتهاد الكاتب، وليس لنا فيه شيء، ولأن من أمانة البحث العلمي أن تنسب الرأي لقائله.. وامصيبتاااااه".

وقال آخر: ماذا لو سجل الخطيب خطبته بالليل، ووضعها، وشغلها على المنبر، وجلس يستمع لنفسه مع المصلين؟!".

وأردف ثالث: "اشتريت كتاب "كيف تكون خطيبا بارعا" بستة جنيهات.. يا خسارة.. الورقة هي اللي هتعمل كل حاجة".

وعلق رابع: "بعد صدور قرار الخطبة الورقية الموحدة.. تم تغيير المسمى الوظيفي للإمام من "إمام وخطيب ومدرس" إلى "قاريء ورقة ومدرس".

واقترح خامس أن يقوم إمام المسجد بتصوير الخطبة المكتوبة، "ثم يعطيها للناس اللي بتعرف تقرأ، ويروح لهم بدري عشان يناموا، ويبقوا يقرؤوها العصر مع أنفسهم".

وطالب آخر الإمام بأن يعلق الخطبة على باب الجامع "علشان اللي محضرشي الجمعة يمكن يستفيد حاجة".

ويردون على الوزير

ومع هذه السخريات اللاذعة، حرص عدد من أئمة المساجد على تفنيد تصريحات الوزير، قائلين إن مخاطبة العشرات داخل المساجد تختلف عن مخاطبة الملايين بالحرمين الشريفين من حيث التركيز والتواصل بين الأئمة والمصلين.

وأضافوا أنه حينما يخاطبهم الإمام، معتمدا، بعد الله تعالى، على علمه وبلاغته وفهمه للأشخاص، فسيكون هناك تواصل، إذ يخرج الكلام من القلب إلى القلب، ويصل مباشرة إلى قلوبهم.

وحذروا من أن الخطبة المكتوبة ستؤدي إلى فقدان الروح للداعية، وتعطيل طاقات البحث والإبداع لدى الأئمة.

وأشاروا إلى أن الكثير من الأئمة والخطباء سيعتمدون اعتمادا كليا على الورقة، وبالتالي لن يحفظوا حديثا، ولن يراجعوا آية، ولن يحفظوا بينا من الشعر يستشهدون به على موضوعاتهم، فضلا عن أنها ستقتل روح التنافس بينهم في الدراسة والإطلاع، وسيصبح الجميع سواسية، فالمجد والمجتهد مع غيره، وهذا لا يليق بعلماء الأوقاف، وفق وصفهم.

وحذروا من أن "الورقة ستكون حاجزا بين الخطيب ومستمعيه، لأنه لا يخطب بلسانه فقط، ولكنه يستعين بتعبيرات وجهه، وإشاراته".

وأضافوا - مخاطبين الوزير -: "كانت مصر، وما زالت، يُقتدى بها، ويهتدى بها مَن حولها من الدول، وكانت تتميز بأئمة مبدعين، ودعاة مصلحين.. فهل يليق بمصر أن تتبع ما حولها من الدول بخطبة مكتوبة؟

والأمر هكذا علق "عادل عزت" بقوله: "هل سيسمع الوزير لهؤلاء الأئمة؟، مجيبا: "من المؤكد أنه لن يسمع".

"البربري" يطالب بإقالة وزير الأوقاف

ولم يكتف كتاب المقالات والأعمدة في الصحف المصرية بانتقاد فكرة الخطبة المكتوبة، وإنما طالب بعضهم بضرورة إقالة الوزير نفسه.

وقال الكاتب أشرف البربري، بجريدة "الشروق"، الخميس، تحت عنوان: "المتطرفون قادمون والبركة في "الأوقاف"، إنه لا يمكن لعاقل قبول ما تسعى إليه وزارة الأوقاف، بشأن إلزام جميع خطباء المساجد في مصر، بخطبة جمعة مكتوبة وموحدة، يقرؤها الخطيب فوق المنبر، وينزل.

واعتبر البربري أن "مجرد التفكير في مثل هذا الاقتراح كاف تماما لإقالة وزير الأوقاف محمد مختار جمعة؛ لأنه يعكس مدى ضعف قدرات هذا الوزير، ومحدودية رؤيته لمهام واحدة من أخطر الوزارات في الحكومة المصرية".

واتهم الكاتب وزير الأوقاف بأنه "لا يدرك أن مجرد طرح هذا الاقتراح يعني اعترافا مصريا بعدم جدارة شيوخها وعلمائها بصعود المنبر، وتولي أمور الدعوة إلى الله، وإلى الطريق القويم، وأنهم غير مؤتمنين على عقول وقلوب عامة المسلمين، وأنه يجب إلزامهم بقراءة خطبة موحدة مكتوبة".

وشدد على أن هذا "يطعن بقوة في المؤسسة الدينية لمصر بشكل عام، وفي الأزهر بشكل خاص، ويضرب ريادة مصر الدينية في العالم الإسلام"، على حد قوله.

وأضاف أن "الرجل (يقصد الوزير) لا يدرك أن الأصل في خطبة الجمعة، وغيرها من أعمال الدعوة إلى سبيل الله، هو "مناسبة المقال لواقع الحال"، وبالتالي لا يمكن إلزام خطيب مسجد في الزمالك أو المعادي بالخطبة التي يلقيها خطيب مسجد في قرية بالصعيد تعانى من خصومات ثأرية أو قرية في الدلتا تعاني من مشكلات اجتماعية خاصة.

وتابع أن القول بضرورة إلزام خطباء المساجد بخطبة موحدة مكتوبة، يدفعنا إلى المطالبة بإلغاء كليات الدعوة الإسلامية وأصول الدين والشريعة والقانون وغيرها من كليات جامعة الأزهر المسؤولة عن تخريج الدعاة والوعاظ، والاكتفاء بمجموعة من الكتاتيب التى تخرج لنا أشخاصا يجيدون القراءة دون الكتابة ليصعد الرجل منهم على المنبر، ويقرأ الخطبة المكتوبة، وكفى.

واعتبر البربري أن "هذه الرؤية القاصرة لوزير الأوقاف، ومن معه، للعمل الدعوي؛ تفتح بابا واسعا أمام عودة شيوخ التطرف والإرهاب"، على حد وصفه.

وحذر من أن المصلين سينفرون من تلك "الخطب سابقة التجهيز"، ليتجهوا إلى البحث عن شيوخ مستقلين، وأئمة لا يقرأون من "ورق الوزارة"، وساعتها ستصبح الفرصة سانحة أمام شيوخ التطرف ودعاة الإرهاب لاستقطاب هؤلاء المصلين"، وفق قوله.

وشدد على أن "أزمة وزير الأوقاف أنه لا يفكر بعقلية رجل الدعوة وعالم الدين، بقدر ما يفكر بعقلية رجل الأمن، فنرى الرجل لا يتحدث إلا عن ضرورة القمع والاستئصال والقضاء على أصحاب الأفكار المخالفة لتوجهات نظام الحكم. ولم نسمع للرجل دعوة إلى المجادلة بالتي هي أحسن، ولا إلى المصالحة مع المخالفين ممن لم يعتدوا على حدود الله، ولم نسمع له خطبة ينصح فيها الحاكم بما هو خير للبلاد والعباد، ولا ينهاه فيها عما يراه مجانبا للصواب".

واختتم مقاله مؤكدا أن "وزارة الأوقاف أخطر وأهم من أن نتركها لوزير لا يرى في نفسه رجل دعوة، وإنما يرى نفسه رجل أمن الدعوة"، على بحسب تعبيره.

ضوء أخضر من السيسي

ويأتي الدفع بفكرة "الخطبة المكتوبة" بشكل متسارع من قبل وزير الأوقاف خلال الأيام القليلة الماضية، في أعقاب اجتماع عقده معه رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، الأحد، تناول فيه الوزير خطة الوزارة في تأهيل الأئمة، لكنه خرج على إثره مباشرة بفكرة "الخطبة المكتوبة"، وملأ وسائل الإعلام بتصريحاته حولها.

ورجح مراقبون أن الوزير حصل في اجتماعه هذا، على ضوء أخضر من السيسي، بتنفيذ فكرة "الخطبة المكتوبة"، مؤكدين أنه ربما كان هناك إيعاز من الأخير بها، بعد ما حدث لدى أدائه صلاة عيد الفطر هذا العام، إذ تعرض للحرج من جراء ارتجال مستشاره للشؤون الدينية، أسامة الأزهري، لخطبة العيد، التي تحدث فيها عن الجمال في الإسلام.

وظهر الضيق والغضب على وجه السيسي، بشكل واضح، عندما تحدث الأزهري عن الجمال في عالم الحيوان، وجاءت الكاميرا على وجه السيسي، بمجرد قول الأزهري: "في عالم الحيوان"، ثم شدد على خطورة إيذاء حيوان، مستطردا: "فضلا عن أن يبلغ به البعد مبلغه فيؤذي إنسانا".


التعليقات (0)