مقالات مختارة

مرة أخرى يطلّ علينا وجه المستعمِر

إسماعيل الشريف
حسابه على إكس
حسابه على إكس
هذا الرجل كان أعظم مُبتزّ في التاريخ -يقصد جيفري إبستين- ، هارولد لوتنيك ، وزير التجارة الأمريكي الأسبق.
قبل أكثر من شهر كتبت مقالة عن توم باراك ، السفير الأمريكي لدى تركيا والمبعوث الخاص للرئيس دونالد ترامب إلى لبنان بعنوان وجه المستعمر. في تلك المقالة ناقشنا فكرة أن توم باراك يمثّل الوجه العاري للاستعمار، بلا أي مساحيق تجميل أو محاولات للتزييف. فتصريحاته فجّة واستعلائية تجاه العرب، وهو أكثر صهيونية من الصهاينة أنفسهم، رغم أنه يُقدَّم باعتباره رجل سلام يفترض به السعي لإحلال السلام في المنطقة.

  أفرجت لجنة المراقبة في مجلس النواب الأمريكي عن أكثر من مئتي ألف وثيقة من ملفات ومراسلات جيفري إبستين، كشفت تورّط توم باراك في شبكة علاقاته. فمن بين تلك المراسلات رسالة كتبها إبستين في آذار عام 2016 إلى شخص خاطبه باعتباره السفير الأمريكي في تركيا، وهو المنصب الذي تسلّمه باراك لاحقًا، قال فيها:
«أرسل لي صورة لك ومع الطفل  اجعلني أبتسم!»
ثم أعقبها إبستين برد على رسالة من باراك قائلاً:
«الصور تبدو جيدة!»

جيفري إبستين مستثمرٌ ملياردير أمريكي، أدار شبكة اتّجارٍ جنسي بالقاصرات على مدى عقود، مستغلًا نفوذه وثراءه وعلاقاته الممتدة مع سياسيين ورجال أعمال وشخصيات نافذة من النخبة العالمية.

وفي عام 2019 تم اعتقاله بتهم تتعلق باستغلال فتيات قاصرات واستخدام طائراته وممتلكاته لإدارة شبكة الاستغلال. وبعد أسابيع من احتجازه عُثر عليه ميتًا في زنزانته في ظروف غامضة قيل إنها «انتحار»، ما أثار جدلًا واسعًا وتشكيكًا عالميًا في ظل تورّط أسماء كبيرة خشيت من انكشاف أسرارها.

وقد ظهرت تقارير متعددة تشير إلى صلات وثيقة بين إبستين وجهاز الموساد، وبرأيي فإنه كان يعمل واجهةً لتنفيذ مهام استخباراتية قائمة على الابتزاز والسيطرة على شخصيات حسّاسة ومؤثرة.

وفي وقت كتابة تلك الرسائل، لم يكن باراك يشغل أي منصب حكومي، لكنه كان يعمل خلف الكواليس لترتيب لقاءات لصديقه المرشّح آنذاك دونالد ترامب مع مسؤولين كبار في العالم تربطه بهم علاقات شخصية، قبل أن يتولى لاحقًا مسؤولية الإشراف على حفل تنصيب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة.

ومن بين الرسائل التي أُفرج عنها أيضًا، رسالة يشير فيها إبستين إلى أنّه يتلقى العديد من الاتصالات من صحفيين يستفسرون عن علاقته بتوم باراك. وفي مراسلة أخرى، يطلب إبستين من باراك أن يرسل رسالة إلى سيرغي، وهو مسؤول روسي، مضمونها أنّ بوتين ومستشاريه قد يستفيدون من قضاء بعض الوقت مع إبستين. وهو ما يكشف بوضوح أنّ إبستين كان يستخدم باراك كوسيطٍ لخدماته المشبوهة، أو كما يمكن وصفه مجازًا: سمسارًا للفاحشة.

وبحسب تقرير نشره موقع فيرست سبوت FirstSpot، تبيّن أن إحدى الهدايا التي تلقاها إبستين كانت ساعة رولكس فاخرة قدّمها له توم باراك.

لا يوجد أدنى مجال للشك في أنّ توم باراك متورّط حتى أخمص قدميه مع إبستين، ويبدو أنه كان أقرب إلى موظف أو أداة بيده. ويرجّح أن باراك جُنّد لحساب الموساد منذ سبعينيات القرن الماضي عندما كان محاميًا شابًا يعمل في العالم العربي، حيث جمع ثروته من خيرات منطقتنا. وقد أصبح عام 1988 صديقًا مقرّبًا للرئيس ترامب بعد أن توسط في صفقة بيع فندق بقيمة 400 مليون دولار.

كما أثبتت التحقيقات، وعلى الرغم من نفي الساسة الامريكان والكيان الصهيوني لأي صلة بين إبستين والموساد، فإن وثائق عديدة تؤكد أنّه كان على علاقة وثيقة بالجهاز الاستخباراتي الصهيوني.

فقد زار إبستين الكيان مرات عدة، شملت زيارات لقواعد عسكرية حساسة، وكان على علاقة مباشرة بإيهود باراك، رئيس الوزراء الأسبق. وكشفت تقارير أن ضابطًا من المخابرات الصهيونية أقام في شقة إبستين في مانهاتن بين عامَي 2013 و2015، وأن إبستين لعب دور الوسيط في صفقات عسكرية واستخباراتية بين الكيان ودول متعددة.

لذلك يمكن القول إن فجاجة وصراحة واستعلاء توم باراك نابعة من تورّطه العميق مع إبستين منذ سنوات. فقد كان صديقه وعميلًا له، وتوجد بحوزة إبستين   وفقًا للوثائق والتسريبات   عشرات الأشرطة والصور المشبوهة التي استُخدمت للضغط عليه وضمان ولائه المطلق. ولاحقًا تم تعيينه سفيرًا للولايات المتحدة في تركيا، ثم مبعوثًا لترامب في الملفين السوري واللبناني، ومن هنا يمكن فهم مواقفه العدائية تجاه العرب وخدمته الواضحة لمصالح الكيان الصهيوني، فهذه هي وظيفته التي جُند لأجلها.

وتكشف قصة باراك مع إبستين وجود بنية متكاملة من النفوذ السياسي والمالي تقوم على الابتزاز والمصالح المتبادلة، تُستخدم فيها أدوات مثل الجنس والمال للسيطرة والتأثير في القرار السياسي. وأجزم بأنّ الصهاينة يقفون على رأس هذه الهرمية لخدمة مصالحهم، بينما يتحول الآخرون إلى بنادق مأجورة يحرّكونها كيفما يشاؤون.

الدستور الأردنية
التعليقات (0)