كتاب عربي 21

القوة العسكرية الأمريكية ونقطة ضعفها الاقتصادية

شهيد بولسين
1300x600
1300x600
قد يكون صحيحا أن شعوب الدول الغربية قد أنهكت من "المغامرات العسكرية" التي تقودها أنظمتها، ولكن لا تفكروا للحظة أن هذا يعني أن القدرات العسكرية لهذه الدول قد أُنهِكَت!

ضعوا في اعتباركم أن عمليات غزو واحتلال أفغانستان والعراق تعتبر صغيرة النطاق بالنسبة للولايات المتحدة مقارنة مثلا بغزو فيتنام. فالخسائر الأمريكية في كلتا العمليتين كانت ضئيلة جدا. ففي العراق، وهي العملية الأكبر، استخدمت الولايات المتحدة أقل من 200 ألف جندي، ولم تفقد أكثر من 5000 جندي منهم، أي 6 إلى 8 في المئة تقريبا من خسائر الأرواح التي لحقت بها في فيتنام، وحوالي 1 في المئة من خسائرها في الحرب العالمية الثانية.

هذه العمليات ليست سوى حلقات قصيرة بالنسبة للولايات المتحدة؛ أما العواقب طويلة المدى فلم تعان منها إلا شعوب البلدان التي دُمرت. لقد كانت تكاليف الغزو عالية حقيقة، ولكنكم تفهمون كيف تترجم هذه التكاليف في النظم الاقتصادية الحقيقية؛ فهي تُترجم إلى أرباح لشركات أمريكية خاصة، وتعزز قيمة أسهم شركات صناعة الدفاع والفضاء والتكنولوجيا وشركات بناء البنى التحتية، وهذا يُترجم إلى مليارات الدولارات من الأرباح للمساهمين.. هؤلاء المساهمون الذين يموّلون السياسيين الذين يسنون القوانين والسياسات بإخلاص لصالحهم.

الجنود قابلون للتخلص منهم وتكنولوجيا الحرب قابلة للإبدال، والحرب ليست قضية خاسرة لأمريكا، فهي بالنسبة لها تعتبر آلة تعمل بالاكتفاء الذاتي، بالتالي إذا قمتم بدعوتهم لقصف بلدكم فسيمتثلون، وسيسوّون مدنكم بالأرض، ثم يعودون إلى أوطانهم، وبعد ذلك في وقت لاحق سيرسلون شركاتهم لإعادة بناء بنيتكم التحتية، ثم تقوم بنوكهم بإقراضكم المال اللازم لدفع تكاليف بناء ما دمروه هم… وهذا النمط ليس غامضا وليس من الصعب تتبعه عبر التاريخ، فهو حقيقة بديهية صارخة لمن كان له قلب أو ألقى السمع فهو شهيد.

ليس ثمة شك أن الولايات المتحدة "تنتصر" في الحروب… هذا إطار كاذب لأي نقاش متعلق بالتدخل العسكري الأمريكي، فالولايات المتحدة ليس لها منافس عسكري، لأنها دولة لا تواجه أي تحد وجودي، فعندما غزت أمريكا أفغانستان أو العراق، كان هذا لأنهم قادرون على القيام بذلك، مع عدم وجود أي ضرر أو حتى تهديد بالضرر على بلدهم. فخبّروني كيف إذن سيكون مبدأ "الهزيمة" واردا من الأساس؟ فهل استمرار وجود أفغانستان والعراق على وجه الأرض يمثل أي هزيمة أمريكية؟ الولايات المتحدة ليست في حاجة لأن "تنتصر" في أي حروب، إذ يكفي أن تُلحق ما يكفي من الدمار للقضاء على إمكانية أي تحدٍ أمام استقرار القوة الأمريكية، وهم قادرون على فعل هذا بالقليل جدا من الجهد.

لا! الحرب التقليدية هي السيناريو الذي لا نستطيع أن نصدق منطقيا أننا قادرون على الانتصار فيه، فالحرب لن تلحق أي خسارة أو ضرر على من يهيمنون علينا، وقدرتكم على حماية أنفسكم من أي عدوان تتوقف بشكل أساسي على قدرتكم على إلحاق خسائر وأضرار تتجاوز ما سيكون خصمكم مستعدا لتحمله. وفي الديناميات الحقيقية للسلطة القائمة في العالم اليوم، هذا يعني شيئا واحدا فقط وهو: إلحاق الخسائر والأضرار بالمصالح الاقتصادية للنخبة الحاكمة، وأصحاب رؤوس الأموال العالمية، من خلال تعطيل ربحيتهم وكفاءة تشغيلهم لشركاتهم واستثماراتهم… فهم يحبون أموالهم أكثر مما يكرهون الإسلام؛ لأن أموالهم هي قوتهم، وهي الوسيلة التي يحافظون بها على مواقعهم، فهم ليسوا سوى أموالهم!! بالتالي فلن تلحقوا الضرر بهم حتى تتمكنوا من إلحاق الضرر بأموالهم.

وأنتم قادرون على إلحاق الضرر بهم! بل إنكم قادرون على إلحاق الضرر بهم بدون عنف وبدون إراقة دماء وبتمويل محدود جدا... ففي إمكانكم أن تصادروا سلطة وسيطرة رأس المال العالمي، لأن النظام الذي يحافظون به على سلطتهم في نهاية المطاف؛ يعتمد بالكلية عليكم.
التعليقات (0)