رصدت صحيفة "
الجارديان" البريطانية، في تقرير مطول لها، الخميس، ما أسمته "التجنيد السري" من
إيران للشيعة الأفغان للقتال في
سوريا.
وأوضحت الصحيفة، في التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، أن الرجال الشيعة الأفغان يستدخلون في الحرب السورية، التي لا تشارك بها أفغانستان بشكل مباشر، على يد إيران، دعما لرئيس النظام السوري بشار الأسد، بحسب ما كشفت الصحفيتان سون إنيجل روسمين، وزهراء نادر.
وكشفت الصحيفة أن المقاتلين الأفغان غارقون بالفقر، ومتطرفون دينيا، ومنبوذون من المجتمع، مشيرة إلى أن دوافعهم هي المال والقبول الاجتماعي والشعور بشيء من المعنى الذي يفتقدونه في بلدانهم.
وكانت الوثائق كشفت تجنيد إيران للاجئين الأفغان الشيعة في أراضيها، لكن هذه النشاطات حصلت داخل أفغانستان، وكشفت للمرة الأولى.
وتنكر إيران استخدام "أي نوع من الترغيب أو الترهيب"، أو تجنيد الأفغان للقتال في سوريا، بحسب ناطق باسم السفارة في كابول، إلا أن تحقيق الصحيفة كشف دخول الإيرانيين في الحرب، والدوافع التي تقدمها لهؤلاء الرجال للسفر لآلاف الأميال للانضمام في معارك قد لا يرجعون منها.
"وكيل سفريات"
ونقلت الصحيفة عن أحد الرجال الأفغان، الذي يسمى جواد، والذي يعمل شرطيا في النهار، و"وكيل سفريات" في الليل، وكشف لـ"الجارديان"، أنه عمل لما يقارب السنة وسيطا مع الحرس الثوري الإيراني في عام 2014، عندما شكلت مليشيا أفغانية شيعية: "لواء فاطميون" لتقاتل لجانب قوات النظام السوري.
ومن "وكالة سفرياته" في الطابق الثاني في أحد المباني، يربط جواد الرجال الراغبين بالقتال مع السفارة الإيرانية في كابول، لتساعدهم بالتأشيرة والسفر، وتدفع لجواد عمولة مقابل هذه الإشكالات.
"لأجل المال والمراقد"
ويحصل الأفغان الذين يقاتلون عادة على إذن للإقامة في إيران وراتب شهري يصل إلى خمسمئة دولار، حيث قال جواد إن "معظم من يذهبون لسوريا يذهبون لأجل المال، بينما يذهب آخرون لحماية المراقد"، في إشارة لمرقد السيدة زينب في دمشق، الذي تستغله إيران للدعاية الطائفية.
وأشارت "الجارديان" إلى أن سوريا تضم عددا من المواقع الشيعية المقدسة، أهمها مرقد "السيدة زينب" في دمشق، الذي يقول الشيعة إنه يضم رفات حفيدة النبي محمد، والذي كان نقطة حشد للشيعة الذي يدعون حمايته من المليشيات السنية التي تريد استهدافه، مثل تنظيم الدولة.
وفي المرة الأولى التي قابلت بها "الجارديان" جواد، كان يستعد للذهاب إلى سوريا بنفسه، بعد أن اعتقل تنظيم الدولة 12 مقاتلا أفغانيا قرب دمشق، كان هو الذي جندهم، وطالبته عائلاتهم باستعادتهم.
"دروع بشرية"
وعندما عاد إلى سوريا بعد شهر، عاد "مصدوما"، بعد أن فاوض على حرية الرهائن، وبعد أن رأى "استخدام الإيرانيين للأفغان دروعا بشرية"، مؤكدا توقفه عن العمل وسيطا مع الإيرانيين، و"شعوره" بالعار لإرسال هؤلاء الناس.
السبب الآخر الذي غير رأي جواد، بحسب "الجارديان"، هو أن جهاز الاستخبارات الأفغاني اعتقله لمدة يومين، وقال له: "لا تبع إخوانك لبلد آخر"، بحسب قوله.
ودون أرقام رسمية، تشير بعض التقديرات إلى أن عدد الأفغان الذين يقاتلون في سوريا، بتجنيد إيراني، يصل إلى 20 ألفا، وبحسب أمير توماج، الباحث مع "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، فإن "فاطميون" تطور من لواء إلى فرقة، تتجاوز عادة العشرة آلاف شخص.
من جانبه، رأى علي علفونة، المحلل المستقل لشؤون إيران في واشنطن، أن عدد الأفغان في سوريا يصل إلى ألفي شخص، مضيفا أنه قتل منهم ما يقارب 334 شخصا في القتال منذ أيلول/ سبتمبر 2013.
جنسية إيرانية
وأقرت طهران قانونا جديدا يسمح لها بمنح الهوية المدنية لعائلات الأفغان الذين يقتلون في سوريا، محاولة لتشجيعهم على أخذ مهمات خطيرة، وجذب المجندين، بحسب توماج.
ويعد وجود مليشيا أفغانية موالية لإيران هدفا طويل الأمد، يتجاوز سوريا، بحسب علفونة، الذي أشار إلى أنه "من الواضح أنه يخدم مصالح الحرس الثوري الإيراني لتدريب الشيعة، لقتال طالبان لاحقا أو التنظيمات السنية على التراب الأفغاني بعد انسحاب الولايات المتحدة".
على الخطوط الأولى
وفي سوريا، يوضع الأفغان على الخطوط والجبهات الأولى، فقد نقلت "الجارديان" عن المقاتل محمد (19 عاما) ذكرياته عن دخول مشفى لقوات معادية له.
وقال: "لإخافتنا، كانوا يلقون رؤوسا بشرية علينا، وقد أخافني هذا فعلا"، مضيفا لـ"الجارديان" بعد عودته إلى طهران بقوله: "دخلت مبنى ولمست قدمي سلكا وتسببت بانفجار، وأصابت 12 شظية قدمي ويدي".
ويعتبر تقدير أعداد المقاتلين الأفغان في سوريا مهمة صعبة، لأن جثث الضحايا نادرا ما ترجع إلى البلاد للدفن، في حين يدعي البعض أنها تنقل لإيران قبل أن تختفي.
أصدقاء مجندون
وتروي الصحيفة قصة إحسان وفهيم، من مدينة المزار الشريف، اللذين قالا لأهلهم إنهما ذاهبان لطهران للعمل، وبعد مغادرتهما، بدأ إحسان بإرسال رسائل لصديقهم الثالث، رسول، من سوريا.
وقال رسول: "كان إحسان شخصا متدينا جدا، وكان يقول لي إن واجبنا الديني هو الذهاب إلى سوريا".
وفي مطلع أيار/ مايو الماضي، وبعد أن قتل أكثر من ثمانين شخصا مع قوات النظام، أغلبهم أفغان، في خان طومان، في ريف حلب الجنوبي، أرسل إحسان لرسول رسالة أبلغه بها أنه لا يتلقى ردا من فهيم، مما دفع أهله للذهاب لطهران للبحث عنه، ولا زالوا يبحثون عنه.
استفزاز طائفي
وحاول بعض السياسيين الأفغان التدخل، فقد قال النائب في البرلمان الأفغاني نظير أحمدازي، الذي كان يتعقب تجنيد الأفغان، إن "إيران كانت تستفز التوترات الطائفية بين السنة والشيعة لتسيطر على أفغانستان".
وأضاف أن "سياسة إيران هي تحقيق الانقسامات بين المسلمين، فهم يريدون أن تصبح أفغانستان مثل سوريا"، مشيرا إلى أنه رأى قائمة بما لا يقل عن 1800 أفغاني تم تجنيدهم في كابول وحدها.
واستخدم الحرس الثوري الإيراني المساجد مراكز للتجنيد في المدن الأفغانية، ومنها مسجد في حي داست إي بارشي الشيعي في كابول، بحسب أحمدازي، الذي أشار إلى أنه توقف عن التجنيد بعد مداهمة لمحققين.
وقدر المعارض السوري وعضو الائتلاف الوطني هيثم المالح، أعداد الأفغان المقاتلين في سوريا بـ8000 شخص.
وحاولت السلطات الأفغانية قطع هذا التجنيد، لكنها تتحرك بحذر، بحسب المحلل الأمني علي محمد علي، الذي أشار إلى أن العلاقات مع الجارة القوية باكستان عادة ما تكون متوترة، فإن أفغانستان غير قادرة على مواجهة طهران في الوقت نفسه كذلك.
"آخر أشكال اليأس"
وقالت "الجارديان" إن الحرب في سوريا كانت بالنسبة لمحسن (24 عاما) "قضية محقة".
وقال محسن إنه "لا يفعل شيئا خاطئا"، معتبرا أن المراقد لهم، وهم يدافعون عنها.
ورغم معارضة العائلة والسياسيين والاستخبارات، فإن الشباب الأفغان سيستمرون في القتال في سوريا، طالما ظلت آمال الحياة الآمنة والمستقبل مظلمة في أفغانستان، بحسب "الجارديان".
وقال خريج أفغاني في كابول، يدعى يونس، إن "الناس الذين يذهبون لا يتركون شيئا وراءهم، فقد فقدوا كل الأمل"، مشيرا إلى أنه يعرف 20 شابا آخر ذهبوا للقتال في سوريا، بينهم ابنا عم له، وعم قتل هناك، جميعهم مدمنون أو لديهم مشاكل عائلية كبيرة.
وأضاف يونس أن البعض الذين يواجهون التهميش والإدمان والعار الذي يرافقه، ينظرون للحرب على أنها فعل شيء خارج إرادتهم، واصفا الذهاب لسوريا بأنه "آخر أشكال اليأس".
وقال إن "هؤلاء يموتون وينظرون على أنهم شهداء، أو يحصلون على حياة أفضل بإقامة وراتب في إيران"، موضحا أنهم "يريدون بداية جديدة".