ما بين عامي 2008 و2010م كتبت حول الآفات الفكرية والتربوية التى تواجه الحركة الإسلامية وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين، أحاول إعادة نشر أهمها بتصرف لواقع لا أعتقد أنه تغير كثيرا! لعل وعسى أن نفهم جذور ما تعاني منه الحركة الإسلامية والتعرف على الداء بشكل مباشر ليسهل علينا استشعار الطريق الواجب للحلول
من أدبيات الحركة الإسلامية أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية وهي تكاد تكون من البديهيات على المستوى النظري يتكلم بها الكثيرون لكن لا يعمل بها إلا القلة التي تعي قيمة هذا السلوك الذي يجعل التحيز للحق أولى وإقرار العدل أسمى من كل شيء ! أحبك نعم ولكن حبي للحق أشد، أتفهمك نعم لكن السعي وراء الحقائق أولى! ومن هنا تنشأ كثير من المشاكل عندما يخشى الرجل من قولة حق أمام مسؤوله أو كبيره فتترسخ معاني التفرد والإحساس بالصواب والتميز وامتلاك الحكمة وعدم القدرة على قبول الرأي الآخر في نفوس المسؤولين كما تتوطن معاني الإحساس بالضمور العقلي والتبعية النفسية ورهبة المواجهة حتى ولو في الحق في نفوس الجنود الذين خافوا أن يفسد رأيهم أو موقفهم للود قضية ! ومن هنا صارت بعض المسلمات داخل الحركة الإسلامية لا تتعدى كونها إطارا نظريا وقيما معرفية لا علاقة لها بالواقع رغم أن القرآن والسنة النبوية المشرفة تمتلآن بالنمازج والمواقف، فغياب الود قد يعني غياب المواجهة أو الصمت أو الخصومة لا قدر الله وقد يمتلك الشيطان ناصية الموقف فنقع تحت ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إذا خاصم فجر" وهنا تختفي ظلال "رحماء بينهم" وتتبدل مواقف العزة والذلة فى "أذلة على المؤمنين" وقد تنتهى الى قطيعة لا تتحملها النفس السوية ولا يقبلها التنظيم الذي يعمل في خدمة الإسلام على قاعدة الحب في الله التي تجمع بين أفراده هنا نتساءل أين مصلحة الدعوة فى هذا الخلاف ؟ بل أين الأخلاق الأساسية التي تضبط حركة المسلم في حياته وعلاقاته وهو صاحب الرسالة والمبشر بها وسط أهله وإخوانه عسى أن يستيقظوا على حقائق عظمة هذا الدين!! وأين الفضيلة في حديث الرســول صلى الله عليه وآله وسلم
(أفضل الفضائل: أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك). قد يغيب عن البعض أن الخلاف الحادث إنما في الفروع لا في الأصول وهنا تتسع مساحة الاجتهاد وتتعدد الرؤى ولامانع من الاستماع والبحث والتنقيب عن الحقيقة والأصوب أعترافا با أقره الإمام أبو حنيفة من "أن رأيي صواب يحتمل الخطأ وإن رأى غيري خطأ يحتمل الصواب". وهنا قد نحتاج إلى معرفة كيفية تسوية مثل هذه الخلافات بعد أن نقر أن وجودها علامة صحة و أن منعها أو تحويلها إلى خصومة نذير شؤم على الجميع ! ومن أهل العلم – أنقل عنهم- من وضع استراتيجيات لمواجهة هذا الخلاف و في ما يلي نوضح لك هذه
الاستراتيجيات
أولاً- استراتيجية الانسحاب: وهي أن الشخص عندما يشعر أن هناك بداية لخلاف لانفع من وراءه يبدأ بتغيير موضوع الحديث بسرعة ويغض الطرف عن النقد.وقد يستسلم للطرف الآخر دونما حل للخلاف القائم
ثانياً- استراتيجية الإكراه: وه تجعل من يتبع هذه السياسة يحرص في أي خلاف على أن يخرج منه منتصراً مهما كلفه الأمر من تدميرعلاقات أو إساءة في الألفاظ أو التصرفات.
ثالثاً- استراتيجية التهدئة: هذه السياسة من ينتهجها يحاول أن يجعل كل أطراف الخلاف راضية وسعيدة، فهو يهتم بالعلاقة مع الناس إلى درجة كبيرة حتى لو تصادمت مع مصالحه، ومن وجهة نظره يرى أن التحدي والمجابهة مدمرة، لذلك عند بدء الخلاف يعمد إلى كسر حاجز التوتر.
رابعاً- استراتيجية التسوية: وهي سياسة مسك العصا من المنتصف وهي تشعر الأطراف في أي نزاع أنهم رابحون لأول وهلة مع أنهم في حقيقة الأمر خاسرون لأن هذه السياسة تعطي بعض الكسب لكلا الطرفين بدلاً من الانتصار للحق واعطاء الكسب للمصلحة العامة والمرجوه من حل ذلك الخلاف.
خامساً- استراتيجية التكامل: تمثل قمة النجاح لحل الخلاف لأنها تتطلب مهارات إدارية واتصالية عالية المستوى وهي طريقة مشتركة لحل المشاكل، ويلزم على جميع الأطراف افتراض وجود حل ما وبالتالي هم يجتهدون لهزمية المشكلة لا لهزيمة أنفسهم.
هنا يتضح أن الخلاف المقبول والذى ينظر الى المصالح العليا هو علامة صحة كما أن محاولات استثماره لا كبته هي علامة نضج يجب أن تحرص عليها الحركات الإسلامية التي تقدم نفسها للشعوب كقاطرة من أجل الحق والعدل والحرية.