قضايا وآراء

قيادة التغيير(3)

حمزة زوبع
1300x600
1300x600
كما اتفنقا في المقالين السابقين فإن علمية التغيير ليست فجائية بل تتويجا لعمل منظم على مدار سنوات وثقافة تترسخ شيئا فشيئا في عقل وقلب العاملين في المؤسسة أو المنظمة، ثم تأتي بعد ذلك اللحظة الحاسمة التي تظهر فيها نتائج التغيير وهي لحظة يتصور البعض خطأ أنها جاءت بالقدر أو بالصدفة أو بالحظ By Luck.

ثقافة التغيير هي العنصر الأساسي في إحداث تغيير داخل أي مؤسسة، وأسوأ ما يواجه أي عملية تغيير في أي مؤسسة هو تقلس ثقافتها أو جمودها عند كلمة "الاستقرار" ومعظم المؤسسات التي تنجح في التغيير والتطوير هي تلك التي غرست في عقول منتسبيها منذ اليوم الأول أنها مؤسسة ليست فقط رائدة بل "ولودا"، بمعنى أنها تخرج من بين منتسبيها قادة في مجال آخر بل وقادة لمؤسسات أخرى.

وعلى عكس المؤسسات التي تراها اليوم فالمؤسسات الولود لا تحتفظ بقياداتها لتصبح قيادات تاريخية مدى العمر بل "تفرخ" قيادات مع مرور الوقت وتبقى المؤسسة قائمة ومتنامية رغم أن البعض قد يتساءل لماذا فرطت هذه المؤسسات في كوادرها؟

ونعود إلى قيادة التغيير ونحن هنا نتحدث عن القيادة ليس بمعنى القائد بل عملية القيادة برمتها، وهنا يتجلى لنا أهمية العمل الجماعي للتغيير أي إن علمية التغيير لا يقودها فرد واحد بل ربما تكون هناك مجموعة تبدأ العملية وتنشر الثقافة ثم يتم تعميم تلك الثقافة ليتولى بقية العاملين في المؤسسة تبني وتطبيق ثقافة التغيير.

أعطيك نموذجا لمؤسسة ربحية تترك لكل موظف من موظفيها ساعة من ساعات العمل اليومية لكي يفكر الموظف في مشروع ثم يقوم بعرضه على المؤسسة في نطاق اهتمامها بالطبع، تخيل ساعة واحدة يوميا يترك للموظف أو العامل بالمؤسسة حرية الإبداع والتفكير وتطوير الذات، إن مجرد طرح مثل هذه الفكرة يجعل التغيير دأب ومنهج حياة لكافة العاملين في المؤسسة. ثم ماذا لو كانت فكرة الموظف عملية وقابلة للتطبيق، تقوم الشركة على الفور بالتعاون مع الموظف وتبني فكرة من خلال طريقتين الأولى أن تكلفه بإدارة المشروع من داخل المؤسسة أو تستثمر معه من أجل إنشاء شركة للمشروع الجديد ويكون لصاحب الفكرة نسبة في الشركة الجديدة ويكلف بإدارة المشروع. هذا يسمى أحيانا بالتفريخ Spin Off.

خذ هذا النموذج واذهب به إلى أي مؤسسة من مؤسساتنا العملاقة وخصوصا المؤسسات المدنية أو ما يعرف بجمعيات النفع العام أو الجماعات الإسلامية واسألهم كم مرة جاءكم فلان بمشروع؟ أو بفكرة جديدة؟ وماذا كان الرد؟ 

تخيل مؤسسة بحجم الإخوان المسلمين استطاع مؤسسها الإمام البنا أن يغير كل شيء في مجتمعه في زمانه واستطاع أن يستثمر معظم مبدعي ومفكري الجماعة من أجل تعزيز فكرته، هذه المؤسسة اليوم تعاني وتعاني منذ عقود لأن فكرة التغيير أصبحت مخيفة وأصبح قادة الإخوان أو معظمهم يفكرون في التحصن داخل التنظيم الضيق Encapsulation وهو تنظيم داخل الجماعة لا يؤمن بفكرة التغيير ولا بالشراكة بل ويعتقد بعض قادته أن التغيير مؤامرة كبرى، وبالتالي لدى هذه الجماعة ملايين التابعين والمحبين والمتعاطفين ولم تنجح في استنفارهم أو استفزاز أفكارهم للخروج بأفكار من أجل الخروج من المأزق الراهن.

 كما لم تنجح في استثمار كل تلك الملايين لتطوير أدائها وهي في الحكم، ولم تستطع أن تجعلهم حتى حائط صد في وجه خصومها. 

تتعجب حين ترى أن الجميع ينتظر استراتيجية للخروج من المأزق ولكن لا مجيب، فلا هذه القيادات سمحت أو تسمح لغيرها أن يتقدم بأفكار ولا هي قدمت أفكارا تستحق المناقشة، المطلوب هو الجمود والتوقف والاستمتاع بالتنظيم وقياداته التاريخية.

القيادة الحقيقية تنتصر للتغيير ولا تخشاه، تتحدى الأعضاء أن ينتجوا أفضل ما عندهم، لا تقتل أفكارهم بزعم أنها تعرف كل شيء. 

القيادة الحقيقية تأخذ بأيدي الناس ليتغيروا ويغيروا، ولا أن تتهمهم تارة بالتآمر وتارة بالتراجع وتارة بالعمالة، كل هذه مبررات فارغة لن تغير في الواقع شيئا بل على العكس تزيده سوءا.

من أهم أدوار القيادة في التغيير أنها تدفع الجميع للتفكير في التغيير لا أن تجرمه، تستفزهم ليخرجوا أفضل ما عندهم لا أن يردوا على قرارت القيادات وتصريحاتهم الفارغة. 

قيادة التغيير تحلل الواقع لا تغطي عليه، تعترف بنقاط الضعف ولا تنفيها، تقر بالقصور لا أن تزعم الكمال، تدعم كل فكرة ورأي، تضع استراتيجيات التغيير مع الآخرين وتعتمد الخطط وتشارك مع الناس، لا أن تلقي إليهم بالتعليمات وعلى الجميع السمع والطاعة "وإن كان مطلوبا" ولكن ليس قبل أن يتفق الجميع على خطة الخروج من المأزق.
 
قادة التغيير لا يتشبثون بمواقعهم بل كل ما يهمهم تحقيق النتائج ولو على يد غيرهم. 

نكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله 
1
التعليقات (1)
د.يسري
الجمعة، 01-07-2016 11:08 ص
وجئت على قدر يا موسى