ملفات وتقارير

الانتخابات الأردنية القادمة.. ورحلة البحث عن الديمقراطية

هل تفرز الانتخابات القادمة برلمانا مختلفا؟ - أرشيفية
هل تفرز الانتخابات القادمة برلمانا مختلفا؟ - أرشيفية
منذ عام 1989، والأردنيون يمارسون الانتخابات النيابية، بحثا عن الشعور بأنهم في دولة ديمقراطية حقيقية، ترعى حقوقهم الانتخابية، وتؤمن لهم هامشا واسعا من حرية الاختيار والتمثيل.

اليوم يقف الأردنيون على مسافة قريبة من موعد الاستحقاق الانتخابي للمجلس النيابي الثامن عشر، في 20 أيلول/ سبتمبر القادم، وسط آراء متباينة حول مستوى الديمقراطية الذي وصله الأردن.

أمراض مشتركة

من جانبه، ألمح الوزير والناطق السابق باسم الحكومة والانتخابات النيابية السابقة، سميح المعايطة، إلى أن القانون الجديد يحتاج إلى فهم عميق، ونظامه الانتخابي يفرض نوعا من ضرورات التوعية.

وقال في حديث لـ"عربي21" إنه لكون قانون الانتخاب قانونا سياسيا، فإن النقاط الخلافية فيه تبقى مفتوحة، مضيفا: "بالتأكيد هناك قوانين أفضل منه، لكن الإيجابي في الأردن أن هذا القانون يبقى يخضع لتحسينات متواصلة"، ووصف القانون بأنه "قانون متحرك".

ورأى أن القانون لا يمكن أن يخلق حالة ديمقراطية متقدمة، بمعزل عن الحياة السياسية العامة في الدولة، مؤكدا أن أحد العوامل الحاسمة في صناعة الديمقراطية وتتويج رحلة المواطن الأردني في بحثه عنها؛ هي الحياة الحزبية بموازاة رحلة البحث عن قانون انتخابي مر بمراحل متعددة، من الصوت الواحد عام 2007 إلى القائمة النسبية في 2016.

وأوضح المعايطة أن فكرة الانتخابات جوهرية، لكنها ليست كل الديمقراطية. وقال: "ليس لدينا ديمقراطية كاملة، ما لدينا هو مسار نحو حياة ديمقراطية"، معتبرا أن أمراض الأنظمة عموما في سياق خلق الديمقراطية موجودة أيضا في المؤسسات والمجتمع عموما، ففي الوقت الذي وُجدت لدينا أحزاب قائمة، غابت عنا الحياة الحزبية، بفعل مشترك بين القوانين والأنظمة والمجتمع.

وأشار إلى أن "رواسب تاريخنا الحزبي" ما زالت ماثلة أمام أعين الناس، بالإضافة إلى أن الأحزاب ذاتها ليست لديها الجرأة المناسبة لعمل ربيع حزبي داخلها، وقال: "كل الأحزاب نائمة على مشكلاتها".

وخلص المعايطة إلى أن الحياة الحزبية غائبة، وأن "هذا الغياب غير ملاحظ"، في إشارة إلى عدم نضوج اهتمام المجتمع ووعيه بالأحزاب.

شهوة الديمقراطية

ومن وجهة نظر علم الاجتماع، يرى أستاذ علم الاجتماع، الدكتور حسين المحادين، أن قيم الديمقراطية والتعددية تُزرع أولا في الأسرة من خلال نوعية أنماط التنشئة، ومن جهة ثانية نوعية الثقافة المجتمعية التي نعيش وأسرنا في كنفها، وهل هي حوارية تعددية أم أنها ثقافة مغالبة لا تؤمن بالآخر وتعمل على إقصائه.

ولفت محادين، في حديثه لـ"عربي12"، إلى أن واقعنا و"بنيتنا الذهنية والسلوكية المعبرة عن صحراويتنا الفكرية القاسية" يجعل تحولاتنا البطيئة والهشة من البداوة إلى حواف الديمقراطية؛ أقرب إلى المحاكاة منها إلى التمثُّل الغني لمعطياتها، ما يعني بقاء الوعي والقرار السياسي المهادن للواقع القبلي أو الجهوي أقل من مفهوم المواطنة.

وأضاف المحادين أن "نسيجنا الاجتماعي واهن، وأن شهوة الديمقراطية وحدها لا تكفي لإنجاب ديمقراطية في مجتمعات متحولة من قيم البداوة والريف إلى التمثيل بالمعنى المؤسسي"، موضحا أن "ديمقراطيتنا لم تحقق بعد هويتها المؤسسية المدنية".

وقال "أنا مؤمن بأن القيادة الهاشمية في الأردن تزاوج بين مضامين الديمقراطية وبين طبيعة التحولات المجتمعية"، مشددا في ذات الوقت على أن المجتمع الأردني العربي "لم يتخلص بعد من اعتقاده بالقائد الملهم" أو "معك إلى الأبد"، رغم ارتفاع نسبة التعليم، كما اعتبر أن جماعات ما قبل الدولة والقبيلة أو الولاءات الإثنية تبقى أقل من مفاهيم وممارسات المواطنة بالمعنى الدستوري.

وأشار إلى أن الأردنيين يؤمنون بأن هناك وعدا منتظرا في مراحل مقبلة من شأنه أن يعمق ديمقراطيتهم الواعدة، خصوصا وأن المجتمع جراء انفتاحه يرتبط بحبل فكري وحياتي بليغ مع المجتمعات الغربية المعولمة التي تمثل نموذجا آسرا لمعظم الأردنيين.

أحجية القائمة النسبية

من جهته، قال الباحث والمحلل السياسي، حسين الرواشدة، إن مثل هذه المرحلة، وفي هذا الظروف المحلية والإقليمية، "نخشى أن تتحول إلى ساحة للتصنيفات السياسية والاجتماعية، وأن ننظر في مرآة الشهور الثلاثة القادمة فنرى صورة مجتمعنا مهشمة، لدرجة نتمنى عندها لو أن الانتخابات لم تجر، أو لو أن ساعتنا السياسية ظلت واقفة دون دوران".

وأوضح في حديث لـ"عربي21" أن قانون الانتخاب ما زال مجهولا بالنسبة لكثير من المواطنين الناخبين، وأن القائمة النسبية هي بمثابة أحجية.

ورأى أن الأخطر من ذلك أن المال "الحرام" بدأ يتحرك. وفي غياب "الضابط" التشريعي، فإن نواب "البزنس" بفعل القائمة سيكونون محظوظين، كما يقول.

ولفت إلى أن المجتمع الذي "عزف" بشكل واضح عن الذهاب للصناديق قبل أربع سنوات، وفي أوج احتجاجات الشارع، ما زال يعاني من إصابات بالغة أهمها عدم الثقة بالنواب، ما قد يولد حالة من "الصمت" السياسي.

وقال الرواشدة: "لعل الصراع في هذه الانتخابات يمكن له أن يتجاوز اللاعبين في الداخل إلى لاعبين من الخارج، لهم مصلحة في معرفة أوزانهم السياسية هنا"، مضيفا: "أعتقد أن هؤلاء بدأوا فعلا في اقتحام انتخاباتنا".
التعليقات (0)

خبر عاجل