ملفات وتقارير

بعد تعيين ضابط سابق بمناصب قيادية.. لماذا قبل مثقفو مصر بعسكرة وزارة الثقافة؟

طوال العقد الماضي قام النظام المصري بعسكرية الوزارات الحكومية كافة - فيسبوك
طوال العقد الماضي قام النظام المصري بعسكرية الوزارات الحكومية كافة - فيسبوك
في آب/ أغسطس 2013، وعقب إطاحته بحكم الرئيس الراحل محمد مرسي، وخلال لقاء له مع قيادات الجيش والشرطة، نفى وزير الدفاع المصري حينها، الفريق أول عبدالفتاح السيسي، ترشحه لحكم مصر، قائلا: "لا والله مش حكم عسكر".

مقولة السيسي، الذي جرى ترقيته لرتبة المشير في العام التالي، سريعا ما تغيرت بتوليه حكم مصر لـ 3 ولايات متصلة من منتصف 2014 وحتى 2030، في الوقت الذي تتهمه المعارضة بـ"عسكرة الدولة" طيلة 11 عاما، بتعيين عسكريين سابقين بوزارات وهيئات الدولة ومرافقها ومؤسساتها المدنية وإداراتها المحلية.

الجديد في الأمر، جاء عبر خبر مقتضب من 3 فقرات متطابقة، وبعنوان متماثل، نقلت فيه أغلب الصحف والمواقع الإخبارية المصرية، قرار وزير الثقافة المصري أحمد فؤاد هنو، بتكليف اللواء خالد محمد عوض اللبان بمنصب مساعد وزير الثقافة، ورئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة، أيضا.

الخبر نُشر الأربعاء الماضي، بجميع الصحف ما عدا موقع "أخبار اليوم" الحكومي، دون لقب لواء قبل اسم الرئيس الجديد للهيئة، التي من المفترض أن تقوم على نشر الثقافة في ربوع المدن والقرى المصرية ورعاية النشء.

وفق نص الخبر، فإن الوزير، هنو، الذي تولى المنصب 3 تموز/ يوليو 2024، أعرب عن ثقته في قدرة اللبان على تطوير أداء الهيئة العامة لقصور الثقافة وتعزيز دورها في نشر الثقافة والفنون، بما يحقق رؤية الدولة بجعل الثقافة عنصرا أساسيا ببناء المجتمع، ويسهم في تحقيق استراتيجية بناء المصري.

إظهار أخبار متعلقة


اللواء اللبان، الذي كان يدير هيئة الرقابة الإدارية بالأقصر، من جانبه، أكد عزمه على بذل كل الجهد للنهوض بالهيئة، وتوسيع نطاق خدماتها الثقافية والفنية بالمحافظات.

وانتقد كتاب ومثقفون حديث الوزير عن قدرات لواء الجيش السابق، وعلى الفور قرأ بعضهم وبينهم الصحفي سليم عزوز، في القرار "عسكرة لوزارة الثقافة"، مشيرين إلى أن العسكريين أبعد ما يكونوا عن مجال الفكر والثقافة، فما بالك بالنهوض بها.



وبحسب موقع وزارة الثقافة عبر الإنترنت، فإن "الهيئة العامة لقصور الثقافة" أنشئت تحت مسمى "الجامعة الشعبية" عام 1945، ليتغير اسمها عام 1965 إلى "الثقافة الجماهيرية"، ثم تحولت إلى "هيئة" عام 1989، بهدف رفع المستوى الثقافي وتوجيه الوعي القومي للجماهير بمجالات السينما والمسرح والموسيقى والآداب والفنون الشعبية والتشكيلية، ونشاط الطفل والمرأة والشباب والمكتبات.

إظهار أخبار متعلقة


وفي السياق، تناولت الصحافة المصرية الأربعاء الماضي، أيضا، خبرا مشابها، يقول؛ إن وزير الأوقاف أسامة الأزهري الذي تولى المنصب 3 تموز/ يوليو 2024، قام باستقبال الوكيل الدائم الجديد لوزارة الأوقاف اللواء أحمد سمير، ووداع الوكيل السابق للوزارة اللواء عمرو شكري.

ما أثار ذات الجدل، السابق، واستدعى انتقادات المصريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مفجرا الحديث مجددا عن ملف عسكرة الوزارات المدنية، وتعيين قادة سابقين من الجيش والشرطة على رأس قيادات الوزارة التنفيذيين.

وجاء في نص الخبر: "أعرب الوزير عن كامل دعمه لجهود الوكيل الدائم الجديد، مثنيا على مسيرته العامرة بالمهنية والتميز، وراجيا له التوفيق والنجاح في مقتبل عمله، خصوصا في ظل اتجاه الدولة إلى تفعيل العمل المؤسسي بكامل طاقته، وتوجيهات رئيس الجمهورية بحسن استغلال الموارد وكفاءة توظيفها خدمة للوطن والمواطنين".


"فاقد للاتيكيت السياسي"
وحول دلالات تعيين لواء سابق لتطوير أهم هيئة ثقافية في مصر، ودلالات صمت المثقفين على القرار، تحدث الأديب والكاتب المصري والباحث الإعلامي خالد الأصور، إلى "عربي21".

وقال؛ إن "الأمر ليس مستغربا، الجديد فيه فقط هو أن صاحب القرار التنفيذي الحقيقي فضّل أن يغادر منطقة الظل، ليكون في الواجهة، فمنذ 10 سنوات، وكل مؤسسات الدولة، صغيرها وكبيرها، وحصريا، يديرها ضباط، بشكل مباشر أو من وراء ستار".

وأضاف: "وكل مؤسسات الدولة يتولى ضابط سابق أهم منصب فيها يتحكم من خلاله في كل شؤونها المالية والإدارية".

وأكد أن "المؤسسات الثقافية لم تكن بعيدة عن هذا، فإذا كانت الصحف التي نشرت هذا الخبر بصيغة واحدة، في دلالة على أن الجهة المرسلة واحدة من موبايل سامسونج، وهي مؤسسات صحفية وإعلامية وثقافية أيضا، ليس من الغريب أن يتولى الضابط الذي يرسل الرسائل المنصب مباشرة كي لا يتحمل عنت الإرسال، فلن يرسل لنفسه، لأنه يعرف اتجاه البوصلة".

ويرى الأصور أن هذه الحالة موروث من موروثات فترة ستينيات القرن الماضي، لافتا إلى أنه "من المعروف سلفا فيما يتعلق بهيئة قصور الثقافة، أن أنشطتها وفعالياتها كافة، يجب أن تمر أولا على ضابط ما ليعتمدها".

إظهار أخبار متعلقة


وأكد أنه "للأمانة، ليس هذا قاصرا على عهد السيسي، بل هو موروث استبدادي من عهد جمال عبدالناصر، مرورا بأنور السادات، وصولا لعهد حسني مبارك، بيد أن العهد الحالي لم يعد يراعي ما يمكن تسميته بـ(الإتيكيت السياسي) الذي كان مرعيا في العهود السابقة".

"موقف المثقفين"
وينتقد مصريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي صمت المثقفين على عسكرة وزارة الثقافة، خاصة مع ما اتخذوه من خطوات تصعيدية من 5 حزيران/ يونيو 2013، حين نظم مثقفون وفنانون اعتصاما مفتوحا أمام وزارة الثقافة المصرية؛ احتجاجا على ما سمّوه "سياسة أخونة الوزارة".

جاءت اعتراضات المثقفين حينها ضد تعيين الرئيس الراحل محمد مرسي، لوزير الثقافة الأسبق علاء عبدالعزيز، الحاصل على الدكتوراة في فنون السينما عام 2008، وعضو هيئة تدريس المعهد العالي للسينما، بحجة أنه غير معروف بأوساطهم، وبدعوى انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين.

"جزء من سياق عام"
وحول دلالات صمت المثقفين على القرار، بعكس ما قاموا به سابقا عام 2013، قال الكاتب الصحفي والإعلامي قطب العربي: "بداية، فإن تعيين هذا اللواء مساعدا للوزير ورئيسا لهيئة قصور الثقافة هو جزء من سياق عام؛ فجميع الوزارات الآن لديها وكيل أول عسكري أو شخص ثان عسكري موجود بكل الوزارات، وفي الحقيقة يكون هو الشخص الأول".

وأكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "ذلك العسكري يأتي ضمن ما جرى من عسكرة للحياة المدنية بشكل عام في مصر، وأن يكون هناك شخص عسكري يدير ويقود ويتحكم في الإدارة الفعلية داخل الوزارات والهيئات الحكومية المختلفة".

إظهار أخبار متعلقة


وأشار إلى أن "الأمر الثاني الخاص بموقف المثقفين، يغلب عليه بالفعل حالة من الخنوع والقبول بأمر وقرارات العسكرة، رغم أنهم كانوا ينتفضون لأمور أقل من ذلك بكثير من قبل، وهذا يؤخذ عليهم وينبغي أن يدافعوا عن مدنية الثقافة".

ولفت إلى أنه "يمكن أن يكون للمؤسسة العسكرية دور في مجال الثقافة فيما يخص الجيش نفسه والمؤسسة العسكرية، وهذا دور تقوم به إدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة، ويمكن أن يؤسسوا قسما ثقافيا خاصا بهم في إطار القوات المسلحة، لكن لا علاقة لهم بالقطاع المدني الثقافي".

وأوضح أنه "في ستينيات القرن الماضي، كان هناك وزراء ثقافة من العسكريين، بينهم ثروت عكاشة الذي كان عسكريا ومن الضباط الأحرار، وتولى حقيبة وزارة الثقافة بين (1958 و1962)، وبين (1966 و1970)".

وأضاف: "كانت هناك شخصيات عسكرية أخرى تتولى مواقع  قيادية بوزارة الثقافة، وبينهم الوزير محمد عبدالقادر حاتم، الذي تخرج في الكلية الحربية عام 1939، وتولى وزارات الإعلام والثقافة والسياحة مدة 10 سنوات، بينها وزارة الثقافة عام 1962".

وتابع سرده قائلا: "كما أن سعد الدين وهبة الذي تخرج في كلية الشرطة عام 1949، كان أول رئيس للثقافة الجماهيرية في مصر عام 1969، كما رأس مهرجان القاهرة السينمائي منذ عام 1985، ولمدة 12 عاما متصلة".

إظهار أخبار متعلقة


وخلص للقول: "واضح أن العسكر مهتمون منذ ستينيات القرن الماضي وحتى والآن بأن يضعوا أيديهم على المجال الثقافي؛ لأنهم يعرفون أنه يوجه الرأي العام، والحالة القائمة الآن لا شك أنها امتداد لفترة الستينيات، وتخضع لرؤية الستينيات ورؤية العسكر في التعامل مع الثقافة، باعتبار أنها وسيلة لتوجيه الرأي العام".

"عسكرة تقابلها إهانة"
ووجه السيسي، في أكثر من مناسبة، انتقادات لموظفين مدنيين، أشهرها قوله في نيسان/ إبريل 2020، خلال زيارته لموقع إنشائي في القاهرة: "فين (أين) المدني إللي (الموجود) هنا؟"، وذلك بهدف توجيه اللوم له.

وأكد متحدثون سابقون لـ"عربي21"، أن سياسات السيسي بدعم حكومته وإداراتها بعسكريين سابقين، تأتي مكافأة للقادة بعد إحالتهم للاستيداع، ولمنحهم رواتب من الموازنة العامة للدولة، وخلق ظهير داعم له داخل الوزارات والهيئات العامة والقطاعات الحكومية.

وفي آب/ أغسطس 2019، وفي قرار وصفه متابعون بأنه بداية لـ"عسكرة التعليم"، قررت السلطات المصرية تحويل المدارس الفنية الصناعية لمدارس عسكرية، وتطبيق النظام الجديد على 27 مدرسة في 2020.

إظهار أخبار متعلقة


وفي عام 2020، أجرى السيسي تعديلا قانونيا تم بموجبه تعيين مستشار عسكري لكل محافظة، من مهامه المتابعة الميدانية للخدمات والمشروعات، والأمور الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ما رأى فيه مراقبون تحويلا للمحافظات المدنية إلى ثكنة عسكرية.

ومنتصف العام 2021، طلب السيسي من الجيش تعيين ضابط جيش لكل قرية يشرف على "مبادرة حياة كريمة"، المعنية بتطوير الريف المصري.

وهو الأمر الذي رصدته عشرات الأبحاث والدراسات والتقارير الصحفية، وحتى الكتب، التي من بينها كتاب: "عسكرة الأمة: الجيش والأعمال التجارية والثورة في مصر"، عام 2017 في نيويورك، للمؤلفة زينب أبو المجد.

وكشفت دراسة للباحث أمجد حمدي، تشرين الأول/ أكتوبر 2019، عن "عسكرة إدارة وزارة النقل"، أكد خلالها أن الوزارة والهيئات التابعة لها تتحول لمؤسسة عسكرية بها عاملون مدنيون، مشيرا لتعيين أكثر من 100 قيادة عسكرية.

وفي دراسة ثانية لحمدي، رصد "عسكرة وزارة الصحة"، مؤكدا تزايد ظاهرة العسكرة بإعادة تعيين المسؤولين العسكريين المتقاعدين في القطاع الصحي، وإفساح المجال للعسكريين للعمل كمدراء مستشفيات، وهيمنة العسكريين الكبار على القطاعات الرئيسية بالوزارة والمرتبطة بالميزانية والإدارة والأمن.

كما كشفت دراسة للباحثة المختصة بالتعليم إيزيس الكاشف، في آب/ أغسطس 2022، عن عسكرة وزارة التربية والتعليم، والمناصب القيادية بندب لواءات من الجيش، في رئاسة قطاع شؤون مكتب الوزير، ورئاسة إدارة الأمن، ومستشار الوزير لتنمية الموارد، ورئاسة هيئة الأبنية التعليمية، ورئاسة قطاع الكتب، ورئاسة قطاع الأمانة العامة وتضم الشؤون المالية والإدارية.

"قوانين للإدانة وأخرى للحماية"
وخلال عهد السيسي، صدرت العديد من القوانين التي تضع المدنيين وفق مراقبين، تحت سيطرة العسكريين، إذ أصبحت محاسبتهم على أي جريمة أو خطأ تتم وفقا للقانون العسكري، وفي أفضل الحالات تحت قانون الطوارئ وقانون الكيانات الإرهابية.

وبحسب نص المادة (204) من (دستور 2014)، فإنه تجري محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، لكن تلك الصلاحية جرى في عهد السيسي توسيعها، لتضم محاكمة المدنيين عسكريا في أي واقعة تمس المنشآت المدنية التي تحميها القوات المسلحة، وفقا للقانون رقم (136 لسنة 2014).

وفي المقابل، صدرت قوانين لحماية العسكريين وبعض كبار قادة القوات المسلحة، ومنحهم حصانة قانونية تمنع محاكمتهم أو محاسبتهم إزاء ما ارتكبوه من جرائم بحق المدنيين، وهو ما نص عليه القانون رقم (161 لسنة 2018).

وفي 6 تموز/ يوليو 2023، قرر منح درجات الليسانس والبكالوريوس التي تمنحها الجامعات المصرية لخريجي كليات الأكاديمية العسكرية المصرية، ليحصل خريج "الكلية الحربية" على بكالوريوس العلوم السياسية والاقتصاد والإحصاء، وينال خريج "الكلية البحرية" بكالوريوس العلوم السياسية، وخريج "الكلية الجوية" بكالوريوس التجارة وإدارة الأعمال.

وفي 2 تموز/ يوليو 2022، تم منح ضباط الجيش والمحالين على المعاش من العسكريين وعائلاتهم حصانة وامتيازات، منها منع أي مؤسسة رقابية أو شرطة مدنية أو أي قضاء مدني التعارض مع الضباط والأفراد، ولا يخول لأي جهة مُخالفة ذلك.

وأيضا: "لا يحق لأي مؤسسة رقابية أو شرطة مدنية أو أي قضاء مدني تفتيش ممتلكات السادة الضباط والأفراد، ولا يخول لأي جهة التصديق لهم بفعل السالف ذكره.".
التعليقات (0)

خبر عاجل