كان لافتا في محاججة إمام وخطيب مسجد قباء في المدينة المنورة، صالح المغامسي، سلوكه مسلك "
القرآنيين" في دفاعه عن فتواه المحللة للموسيقى، عبر مشاركته مؤخرا في برنامج "بالمختصر" على فضائية الـ"mbc"، الجمعة قبل الماضي.
فما قاله الداعية السعودي، المعروف بوعظه الرقيق، الذي قدم نفسه بأنه من دعاة تجديد الدين، يتوافق في ظاهره مع "مذهب القرآنيين" الذي يقوم في فكرته المركزية على أن الحجة في الدين إنما تقوم بما ورد في القرآن الكريم فقط، ما يعني إسقاطهم للسنة النبوية مصدرا ثانيا من مصادر التشريع، بحسب المقرر في المنظومة الأصولية عند أهل السنة، وغيرهم من الطوائف الإسلامية الأخرى.
ودافع المغامسي عن فتواه بقوله: "فالله بعث كتابا فيه 114 سورة، لما أراد ربنا أن يحرم الربا قال (لا تأكلوا الربا)، ولما أراد ربنا أن يحرم الزنا قل (ولا يزنون..)، (ولا تقربوا الزنا..)، ولما أراد ربنا أن يحرم الميتة قال (حرمت عليكم الميتة)".
وتابع المغامسي قائلا: "ربنا عزيز حكيم لا ملزم عليه، لو أراد الله -أتكلم هنا عن
الموسيقى على العموم- لجاءت آية وقضى الأمر (ولا تقربوا المعازف)، لكن لم يأت هذا، لكن هذه الآية (من يشتري لهو الحديث..) تحتمل؟ نعم تحتمل لكن ليس عليها إجماع".
وأثار رأي المغامسي ردود فعل ناقدة وساخطة، وتعرض لهجوم شديد وقاس على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصفه بعض من رد عليه وناقشه بأنه وافق "القرآنيين" في طريقة استدلاله، حينما ذكر أن الله لو أراد تحريم المعازف لنص على ذلك صراحة في القرآن.
القرآنيون يمتدحون رأي المغامسي
كيف ينظر "القرآنيون" إلى ما قاله الداعية السعودي المغامسي؟
أجاب الباحث الأردني "القرآني"، أيمن اللمع، بأن طريقة استدلال الشيخ المغامسي تتوافق تماما مع رؤية القرآنيين، فما حرمه الله علينا فصله في القرآن كما في قوله تعالى (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ)، متسائلا: "فهل نحتاج بعد هذا التفصيل إلى تفصيل آخر؟".
وامتدح اللمع طريقة المغامسي في الاستدلال لأنها تتوافق مع مدرسة الدكتور أحمد صبحي منصور (شيخ القرآنيين في مصر ومقيم حاليا في أمريكا)، التي وضع أصولها وقواعدها في كتابه "القرآن وكفى"، فالقرآن جاء تبيانا لكل شيء (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ)، وتفصيلا لكل شيء (وَكُلَّ شَيْء فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا)، فما الحاجة إلى مصدر إضافي معه؟ على حد تساؤل اللمع.
ووافق اللمع في حديثه لـ"
عربي 21" المغامسي في كلامه، مقررا أن الله لو أراد تحريم الموسيقى والمعازف، لنص على ذلك في القرآن، ولجاءت آية واضحة وصريحة في تحريمها، تماما كما جاءت آيات التحريم الأخرى في الربا والزنا وسائر المحرمات الأخرى.
ورأى اللمع أن أفكار "القرآنيين" باتت تنتشر في أوساط إسلامية متعددة، لافتا إلى أن الشيخ المغامسي له رأي آخر يقارب فيه رأي القرآنيين، بخصوص حديث منسوب للنبي عليه السلام يقول فيه، "إن أبي وأباك في النار"، لأنه رد الرواية لمعارضتها للقرآن ولم يصنع كمن جمع بينهما بطرق متكلفة وفيها قدر كبير من التعسف.
هل أخطأ المغامسي في فتواه؟
من جانبه، أوضح أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله في الجامعة الأردنية، عبد الله الكيلاني، أن ثمة خلافا فقهيا في حكم الموسيقى بين المدرسة الفقهية التي تنظر إلى الحديث وتفهمه على ضوء منهج فقهي، وبين المدرسة الحديثية التي تتوقف عند ظاهر الحديث.
فالمدرسة الحديثية تأخذ بالحديث على ظاهره، وترى تحريم الموسيقى على إطلاقه، أما المدرسة الأخرى فلا ترى تحريم الموسيقى كما في دراسة فقهية للدكتور يوسف القرضاوي، ورأي فقهي للشيخ علي الطنطاوي، الذي اعتبر أن الموسيقى أمواجا صوتية، وليست محصورة بالأصوات المنبعثة من الآلات الوترية، فهناك موسيقى إلكترونية لا تصدر عن الآلات الوترية، فهل ينطبق عليها الحكم ذاته؟
وجوابا عن سؤال "
عربي21" حول تعاطيهم مع الحديث المروي في استحلال المعازف، وهل يردونه ويتجاوزونه في طريقة استدلالهم على ضوء منهجهم الفقهي، قال الكيلاني: "هم ينظرون إلى معنى الحديث ويفهمونه في ظل القواعد الفقهية المعتبرة، فيقولون إن الرواية قرنت استخدام الموسيقى بالمعاصي (يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)، ما يعني أن استخدام الموسيقى في موضوعات جادة (مثل الموسيقى العسكرية والتصويرية وما شابه) مباح وجائز".
أما بخصوص
فتوى المغامسي فعلّق عليها الكيلاني بقوله: "لا أراه وفق في طريقة استدلاله، لأن ظاهر استدلاله يتوافق مع القرآنيين، ويوهم السامع أنه لا يحتج بالسنة النبوية، التي جاء فيها الحديث المشهور في تحريم الموسيقى، فلو أنه ناقش المسألة من جهة فقه الحديث، وطريقة الاستدلال به، لوقى نفسه شبهة موافقة القرآنيين في طريقتهم.
وفي السياق ذاته، استبعد الأكاديمي الشرعي السعودي، أستاذ الحديث النبوي وعلومه في جامعة أم القرى، الشريف حاتم بن عارف العوني أن يكون المغامسي ممن يتبنون منهجية القرآنيين في قصر الاستدلال على القرآن فقط، واعتبر أن ما قاله لا يعدو أن يكون زلة لسان، ولو أنه روجع في ذلك لربما تنبه إلى خطئه وتراجع عنه.
وأضاف العوني لـ"
عربي21" أنه سبق للشيخ المغامسي الجنوح إلى مثل هذا المسلك حينما تناول بالمناقشة حديث "إن أبي وأباك في النار" الذي رده لأنه معارض للقرآن، ولا يمكن الجمع بينه وبين القرآن، وهو ما انفرد به، ورد عليه علماء وفقهاء في التوفيق بين الحديث والآيات التي قال إنها تعارض الحديث.
وللوقوف على رأي الداعية صالح المغامسي في ما إذا كان يوافق القرآنيين في دفاعه عن رأيه في الموسيقى، ويتبنى فكرتهم بالاقتصار على القرآن في الاستدلال فقط، فقد اتصلت "
عربي21" به، إلا إنه تعذر التواصل معه بعدم رده على الاتصالات المتكررة.
من جانبه، رأى الأكاديمي الشرعي السعودي، سعيد بن ناصر الغامدي، أن المغامسي لا يوافق القرآنيين في أصولهم، لافتا إلى أنه لا يجيز الموسيقى على إطلاقها، بل يجيز بعضها كالموسيقى العسكرية وما شابه.
وردا على سؤال "
عربي21" عن رأيه في ما قاله المغامسي، فقد تحاشى الغامدي التعليق على ذلك، لأنها بنظره "مسألة فرعية يخشى أن يكون لإثارتها مآرب أخرى تتخفى خلف المضارب والتلال"، مشيرا إلى أن حال الأمة أعظم وأشد خطرا من جزئيات تستغرق أوقات أبنائها وجهودهم، وتقحمهم في جدل ومراء مذمومين.