تشكل إيران جزءا مهما من منظومة الإشكاليات التي يواجهها العالم العربي، وخاصة دول المشرق العربي، حيث تعتبر النشاطات التي تقوم بها طهران في المنطقة تثقيلا إضافيا لمجموعة المشاكل التي ترزح تحت عبئها هذه المنطقة وتزخيما لدائرة الأزمات الباحثة دائما عن محركات تشغيلية لتفعيل دينامياتها.
تتعاطى الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع جوارها العربي من منطلقات أزموية وهو ما يجعل عملية بناء سياساتها في هذا الاتجاه تأخذ طابعا تخريبيا، ذلك أن منطلقات هذه السياسة بالدرجة الأولى ترتكز على رؤية وتقدير النظام الإيراني على حماية نفسه من المتغيرات الداخلية بالدرجة الأولى، حيث يتوقع صانع القرار أن الدور الخارجي المبالغ فيه يشكل تحديثا مقبولا لشرعيته التي تآكلت بسبب انكشاف عدم فعاليته في القضايا الاقتصادية والسياسية التي تشكل المعيار والركيزة الأساسية للأنظمة السياسية الحديثة، وينطوي عنصر الدور الخارجي في حالة إيران على ضمانة لتماسك المجتمع المتعدد الأعراق في ظل حالة ضعف في ديناميات الاندماج الداخلية التي يوفرها النظام السياسي المغلق والمؤدلج بدرجة كبيرة.
كما يمنح عنصر الدور الخارجي بالنسبة لإيران في الفضاء العربي سمة اللاعب الإقليمي الفاعل والذي يملك أوراق قوة يستطيع من خلالها تحقيق درجة عالية من التفاعل مع البيئة الدولية والانخراط في النظام الدولي بقوة بما يحقق مصالح طهران، مقابل ثمن تعتبره مقبولا إذا ما تم قياسه ف التداعيات المترتبة عن احتمال حصول أزمات في الداخل الإيراني أو صراعات مباشرة مع قوى خارجية.
وتتبع إيران في تصريف سياساتها وإدارة دورها في العالم العربي على نوعين من السياسات: السياسة الخشنة عبر دعمها للكثير من الميليشيات المنتشرة في العراق ولبنان وسوريا واليمن والتي ميليشيات ذات طبيعة طائفية وأهداف فوق وطنية ساهمت بدرجة كبيرة في تعقيد المشاكل التي تعاني منها هذه البلدان، والسياسات الناعمة التي تقوم على نشر التشيّع واختراق المجتمعات العربية بالإضافة إلى استخدام الأموال في تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو الأمر الذي شكل إضافة للحساسيات التي تعيشها المنطقة وعاملا مساعدا في إظهار الخلافات وتسريع وتيرة ردات الفعل تجاهها على قاعدة إيقاظ الفتنة النائمة والتعجيل في بلورة الأزمات.
المشكلة التقنية الأبرز في هذا النمط من التفاعل تتجسّد بحقيقة أن إيران طرف متخلف على كل الصعد، كما أن رؤيتها لدورها رؤية ضيقة تكاد تنحصر ضمن مجالات محدّدة وهو ما يجعل من تكتيكاتها في ترسيخ دورها تتخذ طابعا عدوانيا خشنا، ذلك أن إيران لا تشكل نموذجا قابلا للتصدير ولا تحمل الثقافة ونمط العيش الإيراني أي مميزات تجعله يحمل جاذبية خاصة لدى شعوب الجوار، حتى شعارات المقاومة التي حاولت طهران أن تجعلها سلعتها الأكثر فعالية لاختراق الشعوب العربية وإرباك الأنظمة السياسية في المنطقة سقطت بفعل تناقض سلوك ايران وتضارب سياساتها تجاه الثورات العربية وخاصة في سورية واليمن.
على ذلك فإن مشكلة الدور الإيراني هي مشكلة بنيوية تتعلق بضيق القاعدة الحضارية التي تمكنها من نشر نفوذها وهو ما يدفعها إلى اعتماد بدائل صلبة ذات طبيعة تخريبية، كأن تدعم أنظمة تسلطية أو تذهب إلى تشجيع أذرعها على تفتيت البلاد التي تنشط فيها، وبما أن إيران دولة ذات إمكانيات محدودة فإنها غالبا ما تفضل العمل تحت سقف تلك الإمكانيات وبما يتوافق معها، كأن تركّز نشاطها ضمن مكونات اجتماعية معينة، شيعة المنطقة العربية، أو في إطار مساحات جغرافية محدّدة، جنوب العراق أو غرب سوريا "سوريا المفيدة" أو شمال اليمن، دون أي اعتبار لبقاء ومستقبل الكيانات الدولتية لهذه الدول.
والحال، فإن إيران، وانطلاقا من طبيعة توجهاتها وسياساتها المتبعة تعتبر واحدة من أكبر الإشكاليات التي يواجهها العالم العربي، بالإضافة إلى المشكلات السياسية والاقتصادية، واستمرار التحدي الذي تمثّله إسرائيل، وتكمن الإشكالية مع إيران في قدرتها على العمل من داخل المجتمعات العربية وإضعافها للنظام العربي في ظل ظروف معقدة يعيشها هذا النظام، واستمرار التحدي الإيراني يعني رفع منسوب التهديدات التي تواجهها الدول العربية وإلغاء أي فرصة وإمكانية لإصلاح النظام العربي وتفعيله، ويقدّر استمرار هذا التحدي لعقود قادمة طالما ظلّت موازين القوى مختّلة في المنطقة بفعل التدخل الإيراني والتدخلات الخارجية، الأمريكية والروسية، وبحث الأنظمة السياسية العربية عن فرص للخلاص الفردي.