يتم التعبير عن مخاوف بشأن تفتيت الوطن العربي جغرافيا، ويقول بعض الإعلاميين والمثقفين والسياسيين إن سايكس بيكو يطل برأسه من جديد ليعمل على إعادة صياغة الجغرافيا السياسية العربية من جديد، وبدل أن تكون هناك اثنتان وعشرون دولة عربية، سيتطور العدد إلى حوالي أربعين. الحديث حول تفتيت المفتت يتكثف والمخاوف تتصاعد من نشوء إقطاعيات عربية جديدة على حساب منطق الوحدة العربية جغرافيا وسكانيا.
المخاوف حقيقية لأننا نرى بعض التفتيت على أرض الواقع على الأقل في ثلاث دول عربية وهي العراق واليمن وليبيا. كانت العراق ضمن مخطط سايكس بيكو، وهي تعود الآن من جديد ليتم تقسيمها على أساس عرقي. الأكراد في شمال العراق يمارسون حياة سياسية واقتصادية شبه مستقلة عن الحكومة المركزية في بغداد، أما اليمن الجنوبي فيتململ من أجل الانفصال عن الحكم المركزي في صنعاء، وهناك من يدعو إلى هذا الانفصال ويصر عليه، وفي ليبيا لم تختف النعرة بين الشرق والغرب، والاحتكاك الدموي بين منطقتي طرابلس وبنغازي ما زال يحصد النفوس الليبية ويخرب المؤسسات العامة.
الدول الغربية هي أول المتهمين في السعي لتقسيم الوطن العربي بالمزيد، والسهام موجهة أولا إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي ما زالت تحلم هي وإسرائيل بإقامة ما سمي بالشرق الأوسط الجديد. وما أراه أن المزيد من التقسيم الجغرافي للوطن العربي قد لا يخدم المصالح الغربية بسبب احتمال قيام دويلات جديدة قد تتحالف مع مناوئي الدول الغربية في المنطقة. فمثلا لا مصلحة لأمريكا والغرب في إقامة دويلة علوية في غرب سوريا الصغرى، أو إقامة دويلة شيعية شرقي الجزيرة العربية أو في البحرين، أو إقطاعية حوثية شمال اليمن.
قد تتحالف هذه الدويلات إن أقيمت مع حزب الله وإيران، وفي هذا ما يجلب المزيد من المتاعب للدول الغربية والكيان الصهيوني. الكيان الصهيوني والدول الغربية معنية بإضعاف معسكر إيران وحزب الله وليس بإضعاف الدولة القطرية العربية القائمة حاليا إلا إذا كانت تغرد خارج السرب مثل سوريا. الدول الغربية والكيان معنيون بالمحافظة على الدولة العربية القطرية لأنه ثبت عبر الزمن أن هذه الدولة مطيعة للدول الغربية، ولا تشكل خطرا على الكيان الصهيوني، وثبت أبضا أن بعض الدول القطرية تتعاون مع الكيان الصهيوني ضد جهات معينة في المنطقة مثل حزب الله وحماس.
وهناك مشكلة أخرى بهذا الصدد تتمثل في الحجاز. الحجاز هي مركز مقدس لكل المسلمين وإذا سعى أهل الغرب إلى إقامة دولة حجازية فإنه من المحتمل أن تصبح هذه الدولة مركز استقطاب رئيسي لأهل السنة الذين يمكن أن يغيروا مسارهم السياسي من خدمة الدول الغربية إلى مناهضة العنصرية والاحتلال ودول الاستغلال الرأسمالي. أي أن المسألة تنطوي على مغامرة تلحق الضرر الكبير في المصالح الغربية والصهيونية. بقاء النظام السعودي متماسكا أفضل لأهل الغرب والصهاينة من قيام دولة إسلامية في الحجاز.
ما نلاحظه في الوطن العربي أن الدول الغربية لا تتجه بالقطع نحو التقسيم الجغرافي للدول العربية وإنما تتجه نحو تدمير هذه الدول حتى لا تعود إلى الحياة الاعتيادية قبل خمسين عاما، وهذا أفضل ضمان لاستمرار نفوذ هذه الدول ولأمن الكيان الصهيوني. الدمار الهائل لحق بسوريا وليبيا واليمن، وتحتاج هذه الدول إلى سنوات طويلة لتقف على أقدامها من جديد.
وما يؤيد هذا أن الدول الغربية لم تكن جادة بداية في احتواء الأزمات الداخلية في البلدان العربية، وعززت التوجهات الإرهابية فيها بالتعاون مع دول عربية لإعمال المزيد من الدمار والخراب في البلدان العربية التي شهدت حراكا ضد نظام الحكم. وربما كان في بعض العقول الغربية إعمال القتل والخراب عند العرب حتى لا يطالبوا مستقبلا بإقامة أنظمة حكم ديمقراطية لأن الديمقراطية إن أقيمت عند العرب تشكل خطرا على المصالح الغربية. من المتوقع أن تأتي الديمقراطية بأنظمة حكم غير مطيعة للدول الغربية والكيان الصهيوني، ومن الأنسب الإبقاء على أنظمة الحكم القائمة وتدمير الدول التي يُشتم منها رائحة التمرد على الغرب.
التقسيم الموجود فعلا على نطاق عربي واسع ويشمل الدول التي شهدت حراكا والتي لم تشهد هو التقسيم السكاني. سكان الوطن العربي تفتتوا على أسس طائفية ودينية ومذهبية وعرقية. على مدى سنوات طويلة صنعت الأنظمة العربية الأحقاد والبغضاء والكراهية بين الناس، وهكذا فعلت التربية الدينية والعرقية التي تعرض لها الإنسان العربي ومن يشاركه الجغرافية، وبمساعدة مباشرة مالية وعسكرية من دول عربية وغربية، نشطت مشاعر البغضاء وأوصلتنا إلى هذا الدم النازف والخراب الهائل. نحن العرب تعرضنا عبر سنوات إلى ظلم قاتل وسامّ من قبل الأنظمة العربية، وإلى تربية دينية وعرقية عنصرية وتعصبية ومنغلقة وظلامية وإقصائية وإلغائية نمّت في نفوس الرغبة في الانتقام والثأر وإلغاء الآخر، وتم التعبير عنها ببساطة أثناء الفلتان العربي فتعمقت الكراهية بالدماء وتهديم البيوت وتخريب المزارع والممتلكات.
نحن ننتقم من أنفسنا فمزقنا أنفسنا إلى طوائف ومذاهب وأعراق متناحرة هدمت الطريق نحو إقامة سلام فيما بيننا. أي أن عنصر التقسيم السكاني مؤسس في نفوسنا، وكل ما عمله أهل الغرب وأنظمة عربية هو تنميته وتنشيطه وتحفيزه ليصبح هوية جديدة على حساب الهويتين القومية والوطنية. وهذا تفتيت مريح للغرب أكثر من التفتيت الجغرافي لأنه يضمن استمرار المشادات العربية الداخلية على مدى طويل من الزمن دون أن يكون الصهاينة والمصالح الغربية موضوعا ثقيلا تجب إزاحته.
1
شارك
التعليقات (1)
أيمن عصمان ليبيا
الخميس، 26-05-201603:38 م
سيدي الكاتب هل تعتقد حقا أن نظام بشار الأسد الذي ذبح الفلسطينيين في الماضي والحاضر وباع الجولان و فتح سوريا لإحتلال الروسي الذي يفتح خطا مباشرا من حميميم مع تل أبيب ويعمل على تدمير سوريا بشرا وحجرا خدمة للصهاينة أنه يغرد خارج السرب؟!!!!