تظل مدينة (الفلوجة) العراقية رمزا شاخصا للمقاومة الوطنية العراقية، التي أدمت أنوف الاحتلال وأهله، وتظل المجازر البشعة المقترفة بحق أهلها وحولها ملحمة تاريخية يسطرها التاريخ ضمن صفحات الوحشية المفرطة في قلب القرن الحادي والعشرين!
وأمام عدسات العالم أجمع، اليوم أضحت الفلوجة إحدى أكبر المحطات الساخنة في العراق الملتهب بالكوارث والحروب والحرائق. والوصول لها واحتواؤها والسيطرة عليها يظل هدفا مشتركا لأطراف عديدة مختلفة النوايا والأهداف، فالحرب في الفلوجة ليست متعلقة فقط بوجود ومصير تنظيم الدولة الذي سيطر في لحظات الغفلة والفساد السلطوي وقلة الكفاءة الحكومية في العراق على مساحات لم يحلم بها، بل إن الفلوجة تظل رمزا لصيحات ثأر عديدة تسمع أصداؤها الكريهة من هنا أو هناك، ولكن تظل صيغة الانتقام حاضرة ومباشرة وجاهزة ومشهرة سيوفها!!
ففي حالة الاحتقان الطائفي العراقي المؤسف، تبرز أمور خارجة عن المنطق وعن السياقات العامة لملفات إدارة الصراع الوطني في العراق، فمنذ شهور طويلة والميليشيات الطائفية العراقية والتابعة لفيلق القدس للحرس الثوري الإيراني تطلق التهديدات العدوانية ضد الفلوجة وأهلها، متوعدة إياهم بمصير أسود، بل إن مواقف كل من هادي العامري، وهو قيادي في الحرس الثوري، ووزير عراقي وقائد الحشد الشعبي ونائبه أبو مهدي المهندس ( جمال جعفر إبراهيمي )، وهو إرهابي قديم ومحكوم بالإعدام غيابيا في الكويت، ومن الرفاق المقربين للإرهابي الصريع ( مصطفى بدر الدين )، كانت واضحة وعدائية ومباشرة في اعتبار الفلوجة ( رأس الأفعى )! وبالتالي فإن تدميرها على رؤوس أهلها يعد واجبا شرعيا!! وهو ما أعاد ذكره الإرهابي المليشياوي العراقي أوس الخفاجي، وهو أيضا أحد قادة الحشد الطائفي الذي طالب علنا باستئصال الفلوجة عن بكرة أبيها و(تطهير) العراق منها!!
وهو خطاب خطير ومجرم وإرهابي محض لم يحاسبه أحد عليه، ولن تتم محاسبته أبدا! في معركة الفلوجة الدائرة حاليا، والتي تم ولضغوط أمريكية إبعاد الحشد عن الاقتحام المباشر لها، منعطفات وزوايا خطرة ستحدث في اليوم التالي لما بعد دخول الجيش العراقي للفلوجة، وتتمثل في حملات تصفية طائفية مرعبة ستنفذها المليشيات التي ستتصرف خارج نطاق أي اتفاقيات سابقة مع السلطة، فالقائد العام حيدر العبادي ضعيف جدا أمام تلكم المليشيات، وهو بالتالي لا يستطيع أبدا التحكم بتصرفاتها أو ضبط إيقاعاتها؛ لأن الأوامر الصادرة لها تأتي من طهران، وعبر السفارة الإيرانية في بغداد، ومن خلال مستشاري فيلق القدس للحرس الثوري الإيراني، وأولئك لهم حسابات قديمة مع الفلوجة، وأهلها لم ينسوها، ولن تمر مرور الكرام.
ما سيحدث باختصار خلال الأيام القادمة سيكون موجعا ومؤلما على صعيد إدارة الحرب الطائفية في العراق، فثمة شواهد لا تخطئها العين الخبيرة، ومن خلال المعرفة المباشرة بعقلية أهل المليشيات وخلفيات فكرهم الطائفي المريض، ومن خلال رصد وقائع الأحداث الماضية في جرف الصخر وتكريت وبيجي وغيرها من المواقع، فإن حملات انتقام دموية ستتم لا محالة، ومالم تتدخل الولايات المتحدة بثقلها العسكري لمنع المأساة، فإن كارثة دموية كبرى ستجري في العراق بعد الاجتياح المليشياوي القادم للفلوجة، الذي يتم الإعداد له وفق برنامج ومنهج طائفي واضح الدلالة والأبعاد ومخطط له منذ فترة طويلة، معركة الفلوجة لن تكون من المعارك السهلة أبدا، لكونها معركة كسر عظم وفرض إرادات، وهي منعطف حاسم جدا في حالة وملف إدارة الصراع المحتدم في العراق؟
من المؤكد أن توقيت المعركة يأتي ليتزامن مع حالة الشقاق الداخلي بين صفوف التحالف الطائفي الحاكم، الذي أدى لصراع ضد نوعي كبير وصل لحد إراقة الدماء بين عناصر ومؤيدي التيار الطائفي الحاكم، والذي يهدد أيضا بسقوط معبد السلطة على رؤوس الجميع!
معركة الفلوجة توحد ذلك التيار، ولكنها بالمقابل خلقت حيزا واسعا لتشابكات دموية مروعة سيعانيها العراق مالم يتكفل المجتمع الدولي بالقيام بمسؤولياته ومنع الكارثة التي لن تقتصر آثارها المباشرة على وحدة العراق، بل ستحرق المنطقة بأسرها... الاجتياح المليشياوي المخطط له للفلوجة حريق كبير سيشعل المنطقة، ولا بد من منعه قبل أن يلوت وقت مندم.