مع بدء العد التنازلي لمعركة إعادة السيطرة الحكومية على مدينة الموصل العراقية، بعد ثلاثة أعوام على ضياعها بسبب الإدارة الفاسدة لرئيس الحكومة السابق نوري المالكي، الذي تسبب بسياساته القاصرة وأسلوبه السلطوي الفاشل والرث في نكبات دموية مروعة، عانى منها العراقيون ولا زالوا يدفعون فواتيرها الثقيلة، تجري في الكواليس معركة صامتة ولكنها ضخمة للغاية، لتقرير مسارات المستقبل العراقي، ولإدارة عملية صراع داخلي معقدة وصعبة، مع تصاعد الصراع الداخلي بين أطراف التحالف الوطني الشيعي الحاكم، وبروز الخلافات البينية وقبول استقالات الوزراء السياديين، والفشل في تشكيل حكومة منسجمة تستطيع أداء المهام المنوطة بها.
ولعل أبشع صور الصراع تتمثل في محاولة التيارات الطائفية المتطرفة المرتبطة بالمشروع الإيراني بشكل علني، السيطرة على الحكومة وعلى قراراتها العسكرية الاستراتيجية، وتوجيه الأمور طبقا لإرادتها وأجنداتها الخاصة ذات الصلة بالمصلحة الاستراتيجية الإيرانية المحضة.
لقد أنتجت المعارك العسكرية الأخيرة في صلاح الدين ومدن العراق الغربية والفلوجة على وجه التحديد، فرزا طائفيا حادا بعد الممارسات الطائفية البشعة لعناصر الحشد التي شاركت في المعارك، تحت حماية طائرات التحالف، وارتكبت جرائم إنسانية كبرى أدانها العالم وهي موثقة بالصوت والصورة.
وقد وعد رئيس الحكومة والقائد العام حيدر العبادي بمحاسبة مرتكبيها، إلا أن وعود العبادي لا يمكن أن تجد طريقها للتنفيذ بسبب قوة قادة الحشد لدى أطراف التحالف، وضعف العبادي أمامهم وأمام سطوة الأمين العام لحزب الدعوة نوري المالكي، الذي يمسك ببعض خيوط اللعبة من خلف الستار! وفي الطريق لمعركة الموصل، يبدو التنافر واضحا بين الحشد وقوات التحالف الدولي، وهو ما يعيق أي عملية تقدم عسكرية على الأرض.
ورغم أن الجانب الأمريكي يتحسس كثيرا من مشاركة قوات الحشد في معارك الموصل القادمة، إلا أن القرار الغربي بانطلاقتها قد فتح على الضوء الأخضر، فيما يبدو، وإن المسألة مسألة وقت وترتيبات معينة، خصوصا أن الحشد الطائفي يضغط بقوة على العبادي باتجاه المشاركة في المعارك، وهو الأمر الذي استدعى العبادي لأن يعلن في خطوة غريبة، ولكنها مفهومة بالكامل وباعتباره القائد العام للقوات المسلحة، عن إدماج قوات الحشد الشعبي الطائفي ضمن القوات العراقية المسلحة، باعتبارها قوة لمحاربة الإرهاب!! وهو إجراء مثير للغاية ولا يعبر أبدا عن حقيقة ودور ومنهج قوات الحشد، الذي هو في البداية والنهاية منهج طائفي لا يمكن أن يكون بديلا عن قوات الجيش الوطني العابر للطائفية الرثة!..
فضلا عن أن اعتبار الحشد كقوات لمكافحة الإرهاب وهو المتهم عبر قياداته وعناصره بممارسة أعتى أنواع الإرهاب، بمنزلة مغالطة كبرى وصب للزيت على نار التوتر الطائفي التي أكلت الأخضر واليابس.
قادة الحشد لا يخفون مطامحهم المعلنة من أن الهدف الأساسي لأيديولوجية الحشد الطائفي، هو إشهار مؤسسة (الحرس الثوري العراقي)! ويبدو أن حيدر العبادي بات عاجزا عن مقاومة الضغوط فلجأ لأسلوب الإدماج! فهل سيأكل المندمجون الجو وينجحون في جعل الحرس الثوري العراقي واقعا ميدانيا؟
ذلك ما ستجيب عليه تطورات المرحلة الساخنة المقبلة التي ستحدد شكل الخارطة العراقية؟