هاجم زياد بهاء الدين نائب رئيس وزراء حكومة الانقلاب، والمحامي والخبير القانوني، "استمرار العمل بقانون تقييد حق التظاهر السلمي"، معتبرا أن استمراره "يعني أن الدولة ماضية في المسار ذاته الذي يأخذنا نحو المزيد من الاحتقان في الشارع، والانقسام في المجتمع، وحذر من "الدفع بالشباب نحو انتهاج وسائل أكثر حدة للتعبير عن يأسهم من أن يكون لهم صوت مسموع".
وقال زياد بهاء الدين، الذي شغل سابقا منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري، في مقال نشرته "الشروق اليومي"، الثلاثاء: "بعيدا عن التعليق على الأحكام القضائية، فإن استمرار العمل بقانون تقييد حق التظاهر السلمي يعني أن الدولة ماضية في المسار ذاته الذي يأخذنا نحو المزيد من الاحتقان في الشارع، والانقسام في المجتمع، والدفع بالشباب نحو انتهاج وسائل أكثر حدة للتعبير".
وتابع
زياد بهاد الدين: "كلما بدا أن هناك احتمالا لانفراج سياسي ولو محدود، أو ارتفعت أصوات عاقلة تدعو الدولة لمراجعة موقفها من قضية الحريات بشكل عام، عدنا مرة أخرى إلى نقطة البداية أو ما دونها لأن أصواتا أكثر حدة وأعظم تأثيرا تنجح في إقناع صانعي القرار وجانب لا يستهان به من الرأي العام بأن التراجع عن هذا القانون وإطلاق سراح المسجونين بسبب التعبير عن آرائهم يعرضان البلد للفوضى والعنف ويعرقلان التنمية الاقتصادية والتصدي للإرهاب. ولكن الحقيقة أن هذا المنهج في التفكير، والذي التزمت به الدولة خلال العامين الماضيين، لا أساس له من الصحة، وقد ثبت عدم جدواه".
وأضاف الوزير السابق أن "تقييد حق التظاهر السلمي لا يحمي المجتمع من العنف والفوضى ولا يحقق الأمن والاستقرار لأن من ينوي ارتكاب العنف ورفع السلاح في وجه الوطن والمواطنين لن يردعه قانون يقيد حرية التظاهر والاحتجاج، خصوصا أن السلطات لديها من النصوص الجنائية الأخرى ما يكفي دون تقييد هذا الحق الدستوري".
وتابع: "ولا أظن أن منع التظاهر السلمي قد أثر في المعركة ضد الإرهاب، بل كل ما حققه هو شق الصف وإقصاء شباب مخلص ومتحمس خارج الساحة السياسية في وقت يحتاج فيه البلد إلى ضم الصفوف وحشد الطاقات واستعادة ثقة الأجيال الشابة في جدوى المشاركة والتغيير".
وأوضح: "أما القول بأن التحديات الجسيمة التي يواجهها الوطن، الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، لا تسمح بترف الاختلاف في الرأي والتشكيك في أداء الحكومة، فهو قول مغلوط لأن الحقيقة أن ما يحقق الاصطفاف الحقيقي في مواجهة تلك التحديات هو تعدد الآراء ومساءلة الحكومة والمشاركة في صنع القرار لأن الشعب يكون عندئذ صاحب مصلحة، ورقيبا على أجهزة الدولة، وشريكا في تحمل النتائج. وترديد مقولة (اسكتوا ودعوا الحكومة تعمل) يعني في الواقع إلغاء كل رقابة وحساب، خاصة في ظل برلمان مفكك وقليل الحيلة، ومجتمع مدني تحت الحصار، وإعلام يدافع عن استقلاله".
وتساءل: "من أين إذن تأتي الرقابة الشعبية الضرورية لتصحيح الانحراف وكشف الفساد والرجوع عن القرارات والسياسات الخاطئة؟".
وسجل: "ثم نأتي للادعاء بأن التنمية الاقتصادية وتشجيع الاستثمار يحتاجان إلى استمرار العمل بالقوانين المقيدة للحريات. وهنا يكفي تأمل أسباب الأزمة الاقتصادية للتيقن من أن تقييد حق الشباب في الاحتجاج لم يسهم في حلها، بل أدى إلى تفاقمها لأن حالة الاحتقان السياسي لا تشجع الاستثمار ولا تعيد السياحة، بل تحد من قدرة المجتمع على الابتكار والإبداع، وترفع تكلفة الإنتاج، وتضعف ثقة المستثمرين في استقرار البلد وأمنه الاجتماعي وعدالة نظامه القانوني".
وشدد على أن "القانون يفقد مصداقيته ومعها شرعيته حينما يفضي تطبيقه إلى نتائج تخالف المنطق والفطرة والعدالة، وقانون التظاهر فقد شرعيته من فترة طويلة، حينما بات واضحا ومعروفا أنه لا يهدف إلى حماية المجتمع من العنف والبلطجة وإنما إلى منع الشباب من التعبير عن آرائهم بحرية. وفي كل مرة اقتيد فيها شاب أو فتاة إلى السجن تطبيقا لأحكامه، فقد المزيد من شرعيته أمام ابتسامة وشجاعة المحكوم عليهم. فما بالنا بشباب يحكم عليهم بالسجن لسنوات طويلة لأنهم رفعوا أعلام بلدهم ونزلوا إلى الشارع ليحتجوا سلميا على اتفاق غامض أبرمته الدولة دون مقدمات أو تشاور. هنا لم نعد أمام قانون فقد مصداقيته فحسب، بل سقط سقوطا مدويا وصار رمزا للابتعاد عن المنطق والعدالة".
ومضى يقول: "الواقع أن الخلاف المستمر في المجتمع لم يعد بشأن
قانون التظاهر في حد ذاته بحيث يمكن حسمه بعدة تعديلات في الصياغة أو العفو عن بعض المسجونين، بل أصبح يتعلق بفجوة شاسعة تفصل بين رؤيتين متناقضتين للتنمية والإصلاح. واحدة تفترض أن الدولة لن تتقدم ومؤسساتها لن يعاد بناؤها والتنمية الاقتصادية لن تتحقق إلا إذا سكتت كل الأصوات المعارضة والتزم الجميع الصمت حتى تؤدي الحكومة عملها في هدوء. أما الأخرى فترى أن حيوية المجتمع وتعدد الآراء ومشاركة الشباب ــ مهما كانت تعبيراته لاذعة ــ ضرورة لكي تصحح الدولة مسارها وتطلق طاقاتها الإبداعية وتعيد للبلد وحدته".
وختم مقاله متسائلا: "وبما أن الرؤية الأولى لم تحقق الأهداف المنشودة منها، ألم يحن الوقت للعدول عنها والاقتناع بأن بلدا مثل مصر، بحجمها وتنوعها وثراء مجتمعها لن تنمو وتتقدم في ظل مناخ مقيد للحريات ودون مشاركة الشباب في تحديد مستقبله؟".