تشهد المنطقة العربية منذ عدة سنوات حالة من فوضى الدماء والقتل بالتزامن مع حالة الاستبداد والقمع التي تعيش فيها المنطقة منذ عقود.
فمنذ انطلاق مظاهرات
الربيع العربي في عدد من دول المنطقة، كانت الشبكات الاجتماعية أداة مهمة في المساهمة بالحشد الجماهيري والشعبي، مما ساهم في وصول الأخبار والأحداث والدعوات لشرائح مختلفة من المجتمعات العربية، وساعد ذلك في إعادة صياغة الأدوات النضالية بعض الشيء...
في بداية الأمر؛ كان النضال يبدأ على الشبكات الاجتماعية ويستمر في الميادين وينتهي بالميادين وكانت هذه الشبكات مجرد أداة تدعو ثم تنقل وتوثق الحدث!
بعد عدة سنوات شهدت المنطقة العربية تحولات إقليمية ضخمة وحقق الثوار إنجازات ضخمة وأخرى صغيرة مع بعض الإخفاقات التي ترافق أي مسيرة تحول سياسي وحضاري، وسرعان ما تحولت وظيفة هذه الشبكات بعد ما يقارب الخمس سنوات على أول استعمال ضخم لها... تحولت من أداة للحشد والتوثيق إلى أداة نضال وجهاد!
لم تعد الدعوات التي ينضم إليها عبر "
فيسبوك" مئات الآلاف تؤثر كما كانت، ويكتفي الكثير من المشاركين بالتضامن الإلكتروني بعيدا عن التضامن الفعلي في الميادين...
أصبحت كل السيناريوهات معروفة؛ مجزرة في حلب.. استنكارات رسمية وغضب إلكتروني عارم... تغيير للصور الشخصية وتناقل لصور الحدث.. انتهت المجزرة.. أسبوع بعدها.. الجميع نسي ما حدث!
ليست حلب فقط، كل الأحداث في عالمنا على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي بتنا نتعامل معها بهذه الطريقة...
السؤال هنا، لماذا تحول مشروع التغيير الذي انطلق منذ خمس سنوات في ميادين الشرق وارتوت شوارع هذا الشرق بدماء مئات الآلاف من خيرة أبنائه إلى مشروع إلكتروني فقط؟!
هل هو الملل من اللا نتيجة؟ أم من الدماء والقتل والدمار؟
لماذا هناك قسم كبير من أبناء المنطقة ما زال ثابتا على عهد الثورة التي انطلق في أول يوم؟
لا أعتقد أن أحدا في المنطقة ملّ من مقاومة الاستبداد، وإن حصل ذلك ومل أحدهم فسرعان ما سيتوب عن فعلته، مقاومة المستبدين وأعوانهم والثأر لدماء أبناء المنطقة من هؤلاء المستبدين بإعادة إعمار المنطقة هو خيار كل من خرج قبل 5 سنوات!
أيضا من يريد السكوت عمّا يحصل في المنطقة، يمكنه ذلك بسهولة، أي أن الملايين من المتضامنين الإلكترونيين ما زالت فيهم روح الثورة وروح الشعلة الأولى التي انطلقت منذ سنوات.. لم ينس أحد المنطقة وأبناءها ومجازرها ودماء الأحرار التي سقت الشجر والحجر وغسلت الميادين من ذنوب التسبيح بحمد الطغيان لسنوات طويلة!
إذا أين المشكلة؟!
في تصوري مشكلتنا جميعا أننا نظن أن التفاعل الإلكتروني مع الأحداث والاستنكار وكتابة المنشورات والمقالات سيحدث التغيير، وكي أُذفهم بطريقة صحيحة، كل هذا التفاعل الذي يتطور يومًا بعد يوم هو في خدمة قضايانا ومشاريعنا لكن هو جزء من هذا التغيير العظيم والتحول الجذري في المنطقة وليس كل التغيير..
هو أداة وليس حل إذا!
التفاعل الميداني مع القضايا اليومية على الصعيد المحلي أو الإقليمي والدولي يجب أن يكون بالتزامن مع التفاعل الإلكتروني دون أن يطغى شيء على الآخر، تجديد الأدوات النضالية أمر مطلوب ومفروغ منه لكن لا يمكن أن يكون هذا التجديد على حساب أهم أداة على مر التاريخ؛ الإنسان!