اقتصاد عربي

رفع أسعار الفائدة.. هل هو السلاح الأخير لمواجهة التضخم بمصر؟

أبقى المركزي المصري أسعار الفائدة دون تغيير- أرشيفية
أبقى المركزي المصري أسعار الفائدة دون تغيير- أرشيفية
رغم قرار البنك المصري الخميس الماضي، بالإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، فإن مصادر رسمية مطلعة قالت إن الحكومة سوف تتجه قريبا إلى رفع أسعار الفائدة في إطار مواجهتها لأزمة التضخم التي تشهدها البلاد وتتفاقم كل يوم.

وقالت المصادر في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، إن لجنة إدارة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري تضم أعضاء يرون أن رفع أسعار الفائدة يشكل خطورة كبيرة على الاقتصاد الكلي لمصر، لكن لن يمثل رأيهم عائقا أمام قرار البنك المركزي الأخير الذي يشارك الحكومة في مواجهة التضخم.

أزمة الدولار والتضخم

وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد استقر معدل التضخم في آذار/ مارس الماضي عند مستويات 9%، لكن في الحقيقة، فإن معدلات التضخم ارتفعت بنسب كبيرة بسبب أزمة سوق الصرف واستمرار انهيار الجنيه المصري مقابل الدولار الذي سجل مستويات تاريخية خلال الأيام الماضية بعد بيعه بنحو 12 جنيها في السوق السوداء.

وأبقى البنك المركزي المصري الخميس الماضي، على أسعار الفائدة للعمليات الرئيسة للبنك عند مستوى 10.75%.

"المركزي المصري" يترقب

وقال تقرير صادر عن "كابيتال إيكونومكيس لندن"، أمس الجمعة، إن البنك المركزي المصري ما زال ينتظر علامات على آثار التضخم نتيجة ضعف العملة المحلية، قبل أن يعاود الكرة مرة أخرى ويرفع أسعار الفائدة.

وأضاف التقرير: "ينتظر البنك المركزي دليلا على الأثر المتوقع لخفض قيمة الجنيه على التضخم، ومع توقعات بموجة أخرى لتخفيض الجنيه ومعدلات التضخم التي سترتفع جراء تلك الخطوة، فإن البنك المركزي يتجه لتشديد سياسته النقدية خلال الفترة المقبلة".

وتابع : "ستعطي معدلات التضخم لشهر نيسان/ إبريل الجاري المزيد من وضوح الرؤية للوقوف على أثر تخفيض العملة المحلية أمام الدولار، وحينها قد يتجه البنك المركزي لرفع الفائدة مرة أخرى ما زادت معدلات التضخم في خانة العشرات".

ورفع البنك أسعار الفائدة في اجتماع آذار/ مارس الماضي 150 نقطة أساس في محاولة للسيطرة على معدلات التضخم.

آثار سلبية

وقال الخبير الاقتصادي، محمد رضا، إن قرار رفع أسعار الفائدة سيكون له مجموعة كبيرة من الآثار السلبية المتمثلة في الاتجاه إلى السياسة الانكماشية في ظل اقتصاد يعاني من ركود تضخمي، وارتفاع تكلفة الدين العام وزيادة عجز الموازنة، وارتفاع تكلفة الإنتاج وزيادة الأسعار على المستهلك النهائي.

وأضاف في حديثه لـ"عربي21" أنه يضاف إلى ذلك تراجع الاستثمارات الأجنبية والمحلية لارتفاع تكلفة الاستثمار، وسحب السيولة من الأسواق والبورصة المصرية والاستثمارات الأخرى دون استثمارها والتأثير السلبي على أداء البورصة المصرية، وإحجام البنوك عن تمويل المشروعات الاستثمارية والتوجه لإقراض الحكومة لتتفاقم معدلات الدين المحلي، وتراجع معدلات النمو وزيادة معدلات البطالة.

ركود تضخمي

ونجد آثار رفع أسعار الفائدة بهذه النسبة الكبيرة على دفع الاقتصاد المصري لحالة من الركود التضخمي بسياسة انكماشية واضحة من البنك المركزي في الوقت الذي تنتهج فيه الحكومة سياسة توسعية تقوم على أساس زيادة الإنفاق الاستثماري وجذب الاستثمارات لرفع معدلات النمو الاقتصادي، لنجد حالة تضاد واضحة بين الحكومة والبنك المركزي لعدم الاتساق بين قرارات السياسة النقدية والسياسة المالية بما لا يصب في صالح الاقتصاد المصري.

وستنعكس الآثار السلبية لرفع أسعار الفائدة على زيادة تكلفة الدين في الموازنة العامة للدولة والتي تمثل بالفعل أكثر من ثلث الموازنة المصرية، وبالتالي أتوقع ارتفاع عجز الموازنة بنسب تتراوح بين 0.1% و0.2% من الناتج المحلي الإجمالي على الأقل، حيث من المرشح أن ترتفع أكثر من ذلك. وبالفعل كان العائد على السندات التي طرحتها الحكومة خلال الفترة الماضية قد تخطى نسبة الـ15% للمرة الأولى منذ فترة طويلة.

عجز الموازنة

وفي ظل أن الحكومة لا تمتلك خطة حقيقية للتعامل مع ارتفاع العجز في الموازنة المتوقع بعد رفع الفائدة على الكوريدور ما سيدفع الحكومة للاقتراض من البنوك لتمويل عجز الموازنة لتدفع مستويات الدين المحلي إلي مستويات مرتفعة والتي تتخطى بالفعل الآن المستويات الآمنة.

وسوف تنعكس الآثار السلبية لرفع أسعار الفائدة على زيادة تكلفة الإنتاج ما سيدفع الشركات إلى رفع أسعار البيع للمنتج النهائي بنسبة لا تقل عن 15% على المستهلكين في الفترة المقبلة، ما يجعل المستهلك هو المتحمل الرئيس لها وبالتالي ارتفاع نسبة الركود في الأسواق نتيجة تدنى المستوى الاجتماعي والاقتصادي.

تراجع الاستثمارات

وسيؤدي فيه رفع أسعار الفائدة إلي تراجع حجم الاستثمارات المباشرة سواء الأجنبية أو المحلية نتيجة لارتفاع تكلفة الاستثمار نظرا لارتفاع تكلفة التمويل من البنوك لإنشاء وتشغيل استثمارات جديدة، هذا بجانب أثر رفع أسعار الفائدة على سحب السيولة من السوق ومن قطاعات الاستثمارات الأخرى والبورصة المصرية وتحويلها للبنوك وحجزها بها دون استثمارها.

وستكون تكلفة استثمار هذه الأمواا مرتفعة جدا على المستثمرين ما سيدفع البنوك للإحجام عن تمويل المشروعات والاتجاه إلى الاستثمار في إقراض الحكومة، وهو ما سيدفع إلى اعتماد الحكومة على تمويل عجز الموازنة المتفاقم من خلال البنوك، ما سيؤدي إلى تفاقم الدين المحلي وتكلفة الدين لمستويات غير مسبوقة، ومع ارتفاع تكلفة الاستثمار وارتفاع تكلفة الإنتاج وزيادة أسعار السلع في ظل انخفاض القدرة الشرائية سيؤدي لمزيد من الركود في النشاط الاقتصادي مهددا بتراجع معدلات النمو وزيادة معدلات البطالة.

فروق بين النظرية والتطبيق

وردا على بعض الآراء التي تدافع عن قرار المركزي برفع أسعار الفائدة على أساس أن هذا القرار سيسيطر على ارتفاع معدلات التضخم وعمل توازن بعد تخفيض الجنيه مقابل الدولار بنسبة 14.5%، مع اعتبار أن هذا الرأي صحيح من الناحية النظرية، فإنه من الناحية العملية والتطبيقية بجانب الآثار السلبية السابقة، من خلال قراءة وتحليل للنتائج التاريخية في الحالات التي قام فيها البنك المركزي برفع أسعار الفائدة خلال السنوات الماضية لمجابهة التضخم نجد أنها لم تؤت ثمارها بل بالعكس أدخلت الاقتصاد المصري في حالة من الركود التضخمي.

أسعار السلع وأسعار الفائدة

يتضح للجميع أن المستوى العام للأسعار للسلع والخدمات في مصر لا تؤثر فيها بشكل مباشر ومؤثر أسعار الفائدة المعلنة من البنك المركزي بل يتحكم به الأسواق، وأن السبب الرئيس وراء الارتفاعات القياسية في المستوى العام للأسعار هو غياب الرقابة على الأسواق وجشع التجار الذي أصبح من الواجب على الحكومة مواجهته من خلال تشريعات وضوابط رقابية تنفيذية فعالة.

وحتى إذا رجعنا من الناحية النظرية فقط فإن تحديد مستوى أسعار الفائدة لا يتحدد فقط وفقا لمعدلات التضخم وإنما هناك ثلاثة عوامل تحدد أسعار الفائدة متمثلة في معدلات التضخم والنمو في الناتج المحلى الإجمالي ومعدل البطالة وبقراءة لمعدلات النمو والبطالة الحالية للاقتصاد المصري، فإن قرار المركزي برفع أسعار الفائدة 150 نقطة أساس هو قرار لا يتناسب مطلقا مع وضع الاقتصاد المصري.
التعليقات (0)