المسلمون (سُنةً وشيعة) فقط يعانون

المسلمون فقط يعانون... قالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في افتتاح قمة دول منظمة التعاون الإسلامي التي استضافت إسطنبول دورتها الثالثة عشرة، في عنوان متمّم لآخَر أطلقه أردوغان، الماهر في تثبيت سلوغونات سياسية آسِرة وجَزِلة، الأسبوع الماضي، عندما قال: "العالم أكبر من خمس دول دائمة العضوية بمجلس الأمن ليس منها دولة مسلمة"...

وكي لا يعتقد أحد أنه يقصد السُنة دون غيرهم في كلامه على المعاناة، قال أردوغان: "ديانتي ليست السنة والشيعة، ديانتي هي الإسلام". واعتبر أن أكبر تحد يتعين تجاوزه هو المذهبية بين المسلمين، داعيا إلى وجوب الوحدة في مواجهة الطغيان، فالمسلمون فقط يعانون، ويُمكن للقمة أن تكون "نقطة تحول لكافة العالم الإسلامي". 

يدرك الرئيس التركي أكثر من غيره صعوبة تحقيق ما يدعو إليه، لكنه أصر على إعادة تثبيت موقفه الرافض للفتنة المذهبية في قمة يشارك فيها العاهل السعودي والرئيس الإيراني وزعماء دول باتت معنية بالصراع السني الشيعي بعدة أشكال. كما أراد أردوغان أن يذكّر باستبداد مجلس الأمن الدولي، الذي يكفيه ظلما وتجاوزا أن ليس بين أعضائه الدائمين دولة مسلمة واحدة، رغم أن المسلمين يشكلون الطائفة الثانية في العالم من حيث العدد بعد المسيحيين، وسيتساوون معهم عدديا بحلول عام 2050، وفق دراسة لمركز "بيو" الأمريكي نُشرت العام الماضي.

كما أن المسلمين وأوطانهم يشكلون ما يقارب المئة بالمئة من النطاق الجغرافي والديمغرافي لغزوات مجلس الأمن العسكرية وقراراته المانعة أو المائعة، من فلسطين إلى العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان وإيران والبوسنة والشيشان والسودان وليبيا واليمن وغيرها. 

قد يقرأ البعض في خطاب أردوغان في افتتاح القمة نزعة عثمانية وتَوقا إلى قيادة الأمة الإسلامية جمعاء، إلا أن الواقع هو بخلاف ذلك تماما، فبرنامج حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا داخلي بحت يسعى بهَوَس دائم إلى كسب تأييد الناخبين من خلال تكريس نفسه كعنوان للإصلاح والتنمية في البلاد، ولا يقارب المواضيع الدينية إلا من خلال حرصه على صيانة حرية الإيمان والعبادة بموازاة حرية الإلحاد واللادينية التي كفلها الدستور التركي. 

كما أن تركيا بأزماتها الراهنة السياسية الداخلية والعسكرية الحدودية ليست مؤهلة ولا بِوارد استعادة زِمام الخِلافة بقالب عصري (كما يحلم بعض الإسلاميين العرب المعتدلين)، لكن التزاماتها القومية والأخلاقية تجاه الأمة الإسلامية تحتّم عليها هذا الخطاب.

بعبارات مختصَرة، نبّه أردوغان الجميع إلى أن الانتصارات داخل جدران الأمة وهمية، خصوصا أن الأمة في أضعف أزمانها، ويكفيها ذُلا أن قرارات غزوها، واحتلالها، وضربها، تُتخذ على طاولة يتحلق حولها خمسة أشخاص، ليس فيهم من يوحّد الله.