مقالات مختارة

القواعد تغيّرت!

محمد أبو رمان
1300x600
1300x600
كتب محمد أبو رمان: إغلاق مقر جماعة الإخوان المسلمين بالشمع الأحمر، ينهي مرحلة، ويفتح صفحة جديدة..

فشلت محاولات "ترميم" العلاقة بين الطرفين؛ الجماعة والدولة، بالرغم من قيام الجماعة بإنهاء علاقتها بمكتب الإرشاد العالمي، رسميا، عبر تعديلات النظام الأساسي، وبالرغم من موافقتها على تقديم خطاب حسن نوايا في علاقتها مع الدولة. إلاّ أنّ قيادة الجماعة لم تستطع القبول بالشرط الثالث والأخير، وهو إعادة تصويب الأوضاع القانونية عبر التفاهم مع الجمعية المرخّصة الجديدة باسم الجماعة، بقيادة المراقب العام الأسبق عبدالمجيد ذنيبات.

هل هي خطوة للأمام أم الخلف؟! سؤال جدلي مطروح؛ فالبعض يراهن على أن تكون نتيجة القرار الحكومي الحالي هي إضعاف التيار الإسلامي الوسطي، والدفع بنسبة كبيرة من شباب الإخوان المسلمين وقاعدتهم الشعبية إلى "نفض اليدين من العملية الانتخابية"، وربما يعزز من نزعة التشدد في أوساط الإسلاميين.

على النقيض من ذلك، ثمّة رهان على أن يكون ذلك المنع للإخوان دافعا لتعزيز الخيار البراغماتي، والاتجاه نحو الحزب السياسي؛ جبهة العمل الإسلامي، والمشاركة في الانتخابات النيابية، وإنهاء مشكلة التداخل بين الدعوي والسياسي، والسري والعلني في عمل الجماعة.

"على ماذا تراهن الدولة؟" هو السؤال الأكثر أهمية، في ظنيّ؛ أي فيما إذا كانت تريد دفع "الإخوان" إلى التبخّر والتلاشي من المشهد السياسي والنيابي، عبر هذه الرسالة السياسية القاسية غير المسبوقة، أم أنّها تريد جرّهم إلى المشاركة السياسية لكن ضمن قواعد لعبة سياسية جديدة، بعد أن كسرت لحظة "الربيع العربي" ما بقي من "إرث" العلاقة السابقة بين الجماعة والدولة.

لا يقل في أهميته عن السؤال السابق سؤال للإخوان أنفسهم: هل سيحسمون الجدل الداخلي والنقاش الحاد، ويدركون تماما سذاجة وسطحية المقاربات التي حكمت رؤيتهم لموقف الدولة منهم سابقا؟ إذ استمرّ البعض يقرأ من كتاب قديم وينخدع برسائل غير دقيقة. وأنا أعرف أنّ هناك من قيادات "الإخوان" من يلتقط تماما ما أقصده، عندما كان بعضهم يعلق الآمال على دعوة المسؤول الفلاني لهم، ولقائهم بمسؤول آخر، ولقاء يسمعون كلاما عسليا فيه، بينما كنت أؤكّد لهم دائما أنّ "ذلك تغميس خارج الصحن"!

على أيّ حال، أثبتت القيادة الحالية للجماعة عجزها عن رؤية المشهد. وهي أصلا اليوم خارج المعادلة تماما، حتى في أوساط الجماعة نفسها. ومن الضروري أن يدرك زكي بني ارشيد وفريقه، وهو المهندس الحقيقي للجماعة الأم -بعدما تمّ تهميش وإقصاء التيارات العقلانية الواقعية وتيار الحكماء في الجماعة- ضرورة المضي إلى الأمام، والتفكير في تطوير حزب جبهة العمل الإسلامي، والتعامل مع الجماعة بوصفها مدرسة فكرية روحية وأخلاقية ودعوية.

ما تزال جماعة الإخوان المسلمين تملك حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي يمكن أن يستوعب العمل السياسي والتنظيمي كاملا لها، مثلما هي الحال في حزب النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية في المغرب، فـ"السهولة الشديدة" التي تمّ بها إغلاق مقرّ الجماعة يثبت أنّ خيارها الوحيد هو الواقعية السياسية فقط!

قواعد اللعبة تغيّرت؟! نعم. لكن من المهم أن تدرك الدولة، على الطرف المقابل، أنّ وجود تيار إسلامي معتدل، ذي شعبية جماهيرية، ليس ضد الأمن الوطني ومصالح الدولة، بل هو أحد "المصدّات الأساسية" ضد تمدد الفكر المتطرف الذي يقتات على انسداد الأفق السياسي، وعلى الشعور بالتهميش الاقتصادي والسياسي.

الدولة، أكثر من غيرها، تعرف تماما أنّ الجماعات البديلة لن تملأ الفراغ الكبير للإخوان؛ فترسيم القواعد الجديدة من الضروري أن يتضمن جبهة العمل الإسلامي، وألا يكون ما حدث محاولة لإلغاء "المعادلة" بصورة كاملة، وإلا كان ذلك يعني أنّك تدفع الناس دفعا إلى الراديكالية!

(عن الغد الأردنية)
التعليقات (0)