أكدت "مؤسسة إنسانية" (جهة حقوقية مستقلة) أن السلطات
المصرية الحالية لازالت تُمعن في التنكيل بالمعارضين لها، من خلال اعتقال الآلاف تعسفيا في ظروف غير إنسانية، وإهمالهم طبيا، والتعنت في تقديم الرعاية الطبية اللازمة للمرضى وللحالات الحرجة منهم، مؤكدة أن
الإهمال الطبي يهدد حياة آلاف
المعتقلين في
السجون المصرية ويحصد أرواحهم، في حين قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا إن السلطات المصرية مستمرة في نهج القتل البطيء للمحتجزين لديها خاصة المحتجزون على خلفية قضايا معارضة، مطالبة بتدخل عاجل للأمم المتحدة لتحسين أوضاع المعتقلين في السجون المصرية.
وقالت مؤسسة إنسانية في بيان لها السبت، إن السلطات المصرية تمارس سياسة القتل البطيء بحق المعتقلين في أماكن الاحتجاز، من خلال إهمالهم طبيا وعدم تقديم الرعاية الطبية اللازمة لأصحاب الأمراض المزمنة (الذين يعانون من أمراض قبل اعتقالهم، ومع الإهمال الطبي تدهورت حالتهم الصحية)، ورفض نقلهم إلى مستشفيات مجهزة طبيا تناسب تلك الحالات، لاسيما أن مستشفيات السجون تفتقر إلى التجهيزات الطبية اللازمة والأدوية الملائمة لتلك الحالات.
وأضافت: "مع وصول عدد المعتقلين في السجون المصرية إلى أكثر من 45 ألف معتقل، وكون نسبة كبيرة منهم من كبار السن الذين تجاوزت أعمارهم الخمسين عاما، ويعانون من أمراض مزمنة تنتشر بين المصريين، بشكل عام، في تلك المرحلة العمرية كالضغط والسكري والقلب، إلا أنه ومع إهمالهم طبيا ومنع الأدوية والكشف الطبي عنهم زادت تلك الحالات تدهورا".
ووفق ما رصدته مؤسسة إنسانية فإن 60% من المعتقلين في أعمار سنية متفاوتة يعانون من الأمراض والإهمال الطبي، بمقرات الاحتجاز المصرية، كما أُصيب مئات المعتقلين داخل مقرات الاحتجاز نتيجة تلوث الزنازين وتكدسها بالمعتقلين الأمر الذي يؤدي إلى انتشار الأمراض والعدوى.
وتابعت: "يلقى المعتقلون داخل مقرات احتجازهم ألوانا من العذاب، الأمر الذي يؤدي إلى إصابتهم بأمراض وجروح، وتمنعهم قوات الأمن من تلقي الرعاية الطبية اللازمة وتمنع دخول الأدوية لهم،ما يؤدي إلى تفاقم حالتهم الصحية وقد يؤدي إلى موت العديد منهم".
ونوهت إلى أن لائحة السجون المصرية تجعل إدارة السجن بيدها القرار بشأن ما يجب أن يلقاه المريض من رعاية صحية داخل مقر احتجازه بالرغم من توصيات الأطباء، وكذلك يتحكم في مأمور السجن في إمكانية ذهاب السجين، رغم تدهور حالته الصحية، إلى مستشفى السجن أو مستشفى خارجي ليتلقى الرعاية الصحية اللازمة له.
وتنص المادة (33) من لائحة السجون على أنه "يجب على مدير السجن أو مأموره تنفيذ ما يشير به طبيب السجن فيما يختص بتعديل معاملة أو غذاء مسجون وفق ما تستدعيه حالته الصحية، وإذا لم يرَ مدير السجن أو مأموره الموافقة على التوصيات التي يشير بها الطبيب يخطر مصلحة السجون بذلك في الحال ويرسل لها صورة من هذه التوصيات وملاحظاته عليه".
وحسب لائحة السجون، يتوجب على وزارة الداخلية أن توفر جميع الأدوية المطلوبة للسجناء، ويُسمح لهم بتلقي الرعاية الصحية اللازمة لحالته بمقر احتجازه، إلا أن السجون المصرية دائما ما تتعلل بعدم وجود أنواع كثيرة من الأدوية لديها، كما ترفض دخول الأدوية الخاصة بالسجين في الزيارة.
واستطرد البيان: "كما تفتقر المستشفيات الخاصة بالسجون إلى التجهيزات الطبية، ولا يوجد بها طواقم طبية من شأنها أن تتابع الحالة الصحية للمعتقلين باستمرار، ومع تكدس السجون بالمعتقلين وازدياد أعدادهم تفاقمت تلك الأزمة وبات من الصعب على طبيب واحد استيعاب تلك الأعداد الكبيرة، ونظرا لعدم وجود عدد كاف من الأطباء ينتظر السجناء، أصحاب الأمراض، وقتا طويلا ليأخذوا دورهم في الكشف أمام الطبيب ما يؤدي لتفاقم حالتهم الصحية وقد يؤدي إلى وفاة عدد منهم".
ورصدت مؤسسة إنسانية خلال الثلاثة أشهر الأولى من عام 2016 (من كانون الثاني/ يناير إلى آذار/ مارس) وقوع أكثر من 140 حالة إهمال طبي، داخل مقرات الاحتجاز بينهم شيوخ وشباب ومعتقلون قاصرون، وكذلك السيدات المعتقلات.
وأكدت أنها رصدت - خلال تلك الفترة- أكثر من 300 حالة قتل منهم 15 حالة وفاة داخل مقرات الاحتجاز، نتيجة التعذيب الذي أفضى إلى الموت، والإهمال الطبي المتعمد الذي أدى إلى وفاة سبعة معتقلين منهم.
وأشارت إلى أن "نار الإهمال الطبي يكتوي بها كل من الكهول والشباب والقاصرين وكذلك النساء، حيث يعاني المعتقلون القاصرون (دون سن 18 عاما) من انتهاكات صحية وظروف احتجاز سيئة تهدد حياة العشرات منهم، فضلا عن منع الدواء والرعاية الصحية للمرضى منهم، كما عانت بعض المعتقلات من الإهمال الطبي الأمر الذي هدد حياتهن".
وقالت: "تحول الموت في السجون المصرية إلى "عقوبة" تواجه المحتجزين، فالإهمال الطبي والتعنت في تقديم الرعاية الصحية اللازمة للمعتقلين تسببت في وفاة العشرات منهم إما داخل مقرات الاحتجاز والزنازين التي يقبعون بها أو داخل مستشفيات السجون بعد تدهور حالتهم الصحية".
وذكرت أن الانتهاكات الطبية التي يتعرض لها المعتقلون في السجون تتزامن مع دخول عدد منهم في إضراب عن الطعام لتحسين أوضاع اعتقالهم، وأنه يتوجب مع إعلان المعتقلين الدخول في إضراب عن الطعام، باعتباره حقا شرعيا في الحصول على حقوقه، أن يتم الكشف الدوري عليه بصفة مستمرة حتى لا تتفاقم حالته الصحية.
وأضافت: "إلا أن السجون تواجه إعلان المعتقلين الإضراب عن الطعام بتصريحات وسياسات تؤدي إلى تفاقم المشكلة، فيكون المعتقل المُضرب عن الطعام أمام مصير من ثلاثة إما تتركه إدارة السجن يُضرب عن الطعام دون النظر إلى مطالبه أو محاولة تنفيذها، أو تقوم إدارة السجن بترويعه وتعذيبه لإجباره على فك إضرابه، كما يرفض السجن تقديم الرعاية الصحية اللازمة للمضربين عن الطعام حتى لا تسوء حالتهم الصحية".
وكانت تصريحات لمسؤولين في سجن العقرب صدرت مؤخرا عقب إعلان عدد من المعتقلين الدخول في إضراب عن الطعام بسبب سوء أوضاعهم، حيث تم تهديد المعتقلين بإهمالهم طبيا حتى يموتون، ونقلهم إلى سجن الوادي الجديد كي يموتوا في الطريق.
وأوضحت أن وزارة الداخلية المصرية وإدارة السجون يتعنتان في استخدام حق "الإفراج الصحي" عن المعتقلين الذين يعانون من حالة صحية متدهورة، حيث يتم نقل المريض وهو في حالة صحية متدهورة من مستشفى السجن إلى زنزانته ومقر احتجازه ليواجه الموت البطيء بسبب الإهمال الطبي وعدم توفر الرعاية اللازمة، مع رفض استخدام حق "الإفراج الصحي" في مثل تلك الحالات.
وتخالف مصر بتلك الممارسات المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء، إذ تنص المادة (36) من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة كانون الأول/ ديسمبر 1990 على أن "كل محكوم عليه يتبين لطبيب أنه مصاب بمرض يهدد حياته بالحظر أو يعجزه عجزا كليا يعرض أمره على مدير القسم الطبي للسجون لفحصه بالاشتراك مع الطبيب الشرعي للنظر في الإفراج عنه. وينفذ قرار الإفراج بعد اعتماده من مدير عام السجون وموافقة النائب العام، وتخطر بذلك جهة الإدارة والنيابة المختصة" .
وشدّدت مؤسسة إنسانية على ضرورة توقيع الكشف الدوري على المعتقلين والسجناء بمقرات الاحتجاز، والعمل على تطوير المستشفيات التابعة لمصلحة السجون، وكذلك إنشاء ملف طبي لكل معتقل ومتابعته بشكل دوري.
كما طالبت "إنسانية" بتوفير خدمات الرعاية الطبية والأدوية الكافية للمرضى، وتمكينهم من الحصول على أعلى مستوى من الرعاية الصحية، مؤكدة على ضرورة توفير أماكن احتجاز آدمية للمعتقلين.
ولفتت إلى ضرورة القيام بحملات تفتيش مفاجئة وبشكل مستمر على المعتقلين وأماكن الاحتجاز المصرية من قبل الصليب الأحمر الدولي، ونقابة الأطباء المصرية، والهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، مطالبة بمحاسبة المتورطين في تلك الانتهاكات وتقديمهم لمحاكمة عادلة.
في السياق نفسه، قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، في بيان السبت، إن السلطات المصرية مستمرة في نهج القتل البطيء للمحتجزين لديها خاصة المحتجزون على خلفية قضايا معارضة بسجن وادي النطرون.
وكانت المنظمة قد تلقت شكاوى من أسر عشرات المحتجزين على خلفية قضايا معارضة بسجن وادي النطرون وخاصة المحتجزون داخل ليمان 430، ذكروا فيها شدة معاناة ذويهم داخل السجن بسبب سوء المعاملة وسوء أوضاع الاحتجاز، ما نتج عنه تدهور الحالة الصحية لمعظمهم، مما أدى إلى إعلان المحتجزين دخولهم في إضراب كلي عن الطعام للضغط على إدارة السجن للاستجابة لمطالبهم، إلا أن إدارة السجن رفضت الاستجابة لهم وقابلت إضرابهم عن الطعام بمزيد من التنكيل.
وأشار البيان إلى أن أسر المعتقلين قالوا إن ذويهم محتجزون داخل زنازين ضيقة جدا، ويعانون بداخلها من التكدس، مشيرين إلى أن "الزنزانة الواحدة فيها أكثر من 30 فردا بغرض التنكيل، بالإضافة إلى رداءة الإضاءة والتهوية في الزنازين وانعدام النظافة مما أدى إلى انتشار الأمراض الجلدية وضيق التنفس بين المحتجزين، مع رفض تام من إدارة السجن لتوفير أي رعاية صحية لهم، بالإضافة إلى الحرمان من التريض معظم الوقت".
وكشف البيان أن إدارة سجن ملحق وادي النطرون تتعمد ترك أسر المعتقلين لساعات طويلة أمام بوابات السجن قبل الزيارة، "ثم تعرضهم لتفتيش ذاتي مهين بالإضافة إلى المعاملة المهينة من قبل أفراد الأمن، ثم إن مدة زيارة قصيرة لا تتجاوز عشر دقائق على الرغم من وجود السجن في مكان ناء ويتطلب ساعات طويلة من السفر ذهابا وإيابا".
وأوضحت المنظمة العربية لحقوق الإنسان أن المعتقلين في سجن ملحق وادي النطرون يتعرضون لظروف احتجاز غير آدمية تسببت في إصابة بعض المعتقلين بأمراض مزمنة، من بينهم المعتقل أسامة محمود محمد جويدة (1993)، والمهدد بفقدان الرؤية بعينه اليمنى نهائيا نتيجة رفض إدارة السجن السماح له بإجراء عملية جراحية في عينه، كما ترفض إدارة السجن توفير أي رعاية طبية له.
وطالبت المنظمة أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون "بالقيام بما يلزم من أجل إنقاذ حياة آلاف من المعتقلين في مصر فلم يعد خافيا على أحد الظروف المعيشية والصحية الخطرة التي يعيشها هؤلاء المعتقلون".