كتاب عربي 21

هل كان الانقلاب قدرا مقدورا؟!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
ورد في الأمثال أن "المكتوب على الجبين ستراه العين"، فهل كان الانقلاب الذي وقع في مصر على السلطة المنتخبة مكتوبا على جبين الثورة لا فكاك منه، سواء حكم الدكتور محمد مرسي، أو الدكتور محمد البرادعي، أو غيرهما؟!

اللافت أن هناك أمورا يجري التعامل معها على أنها من المسلمات، وكما تحولت مقولة "الجيش الذي حمى الثورة"، إلى حكمة يجري ترديدها دون نقاش، فإن مثلها القول بأن الانقلاب العسكري كان مخططا له سلفا، منذ بداية الثورة، وهناك من يتمادون إلى حد القول أن ثورة يناير كانت انقلابا عسكريا على حكم مبارك، وإذا كانت قد تجاوزت حدودها بانخراط الجماهير فيها، فقد كان لازما أن يعاد ضبط الإيقاع بما جرى في (3 يوليو)، لنقف على ما جناه الجدل السياسي على الحقيقة، وما أوتي قوم الجدل إلا ضلوا!

ففي السجال التلفزيوني، بين من أيدوا الانقلاب ومن رفضوه، كان كل طرف في مهمة حسم النقاش لصالحه، لا يلتزم كثيرا بقواعد الموضوعية، وإذا كنت أشهد أن الجناح الرافض للانقلاب كان هو الأقل من حيث الخروج على هذه القواعد، فإني لا أبرئ هذا الفريق من الترويج لمقولة أن الانقلاب كان مخططا له، سواء نجح الرئيس المنتخب أو فشل، ليتلقف هذه المقولة من يبحثون عن ما يدرؤون به شبهة فشل الرئيس، كمبرر للانقلاب عليه، فهذا الانقلاب كان مخططا له في وزارة الدفاع مبكرا، وإذا كان القادة العسكريون انصاعوا لعملية تسليم السلطة للرئيس محمد مرسي، لأنه لم يكن أمامهم غير هذا الانصياع، فقد وضعوا منذ هذا اليوم سيناريو الانقلاب، وظلوا يمهدون له وينتظرون الفرصة!

كنت أناقش أحد الأصدقاء الذين ينحازون لشرعية الرئيس، عندما فاجأني بقوله إن المؤامرة كانت كبيرة، وبدا مستسلما لفكرة أن الإعلام أدخل الغش والتدليس على الإخوان، عندما روج لأكذوبة أن وزير الدفاع "عبد الفتاح السيسي" إخواني وأن زوجته لفرط تدينها ترتدي النقاب، وكأن القوم كانوا يشاهدون الإعلامي الهزلي "توفيق عكاشة"، ويصدقون دعايته؛ فهو من روج لذلك وتبناه. في وقت لاحق قال "عكاشة" إن ما قاله كان جزءا من "الخطة الموضوعة" لكي يبتلع الإخوان الطعم، ويصدقوا أن "السيسي" من الإخوان، وأن زوجته منتقبة!

كلام كثير عن نفاق "السيسي" لرجال الدين الذين كانوا يأتون للقصر الرئاسي، لإثبات تدينه وورعه، لكن هذا الكلام، إذا انطلى على "الدراويش"، فإن انطلاءه على رئيس الدولة، يفقده مقومات شغل هذا المنصب السياسي الرفيع؛ ذلك بأن "السيسي" ترقى عسكريا إلى درجة "اللواء"، وفق المعايير الدقيقة التي كان يضعها جهاز مباحث أمن الدولة للترقي في المؤسسة العسكرية، إذ كانت تقارير الجهاز هي المعتمدة عند "حسني مبارك"، وهو جهاز يرى "التدين" صفة لا يرتاح لها في من يعملون بالقرب من مؤسسة الرئاسة، هذا فضلا عن أن "مبارك" اصطفى السيسي وصنعه على عينه، والمخلوع كان يحمل عداوة لمظاهر التدين لا حدود لها، يكفي انزعاجه وانزعاج زوجته، من ارتداء زوجة ابنه "علاء" للحجاب. ومبارك هو الذي عين "السيسي" مديرا للمخابرات الحربية، جلبا من سلاح المشاة، ومن "المقولات" التي تتردد على أنها بديهية أو مسلمة، مقولة أن "السيسي" رجل مخابرات، والبعض يقول هذا للتدليل على ذكائه، والبعض الآخر يردده لتأكيد أن خطأ الرئيس أنه اختار "ضابط مخابرات" لمنصب وزير الدفاع، وإن كان من الفطنة ألا يتولى هذا المنصب، لأنه قادم من جهاز يعرف تفاصيل الأشخاص داخل المؤسسة العسكرية، ليس لكونه رجل مخابرات كما يقول كثيرون، ولكن بحكم موقعه الذي عينه فيه مبارك! 

وإذا كان من الجائز لمجموعة "الدراويش" أن يصدقوا أن السيسي من الإخوان، وأن زوجته منتقبة، وربما يرضي هذا غرور الرئيس لأنه أحسن الاختيار، فاختار "عبد الله الصالح" وزيرا للدفاع، فإن الرئيس يعلم كما تعلم جماعة الإخوان، أن دعاية "السيسي إخوان" هذه أكذوبة، فالعضوية في الجماعة منضبطة، فضلا عن أنهم يعرفون أن ما تردد من أن زوجته منتقبة أكذوبة أيضا، وهي التي كانت تشارك بالحضور في دروس المساجد التي كانت تلقيها "حرم الرئيس"!

إن شئت فقل إن الرئيس ومن معه لم يقعوا ضحية للدعاية التي تقول إن وزير دفاعه من الإخوان وأن زوجته ترتدي النقاب، وعلى قاعدة "من خدعنا بالله خدعنا به"، فما أعجبهم في "السيسي" أنه موظف يلتزم بقواعد الانضباط الوظيفي عند تعامله مع من فوقه، وهذا الخضوع المبالغ فيه عند تعامله مع الرئيس، هو ما جعله يطمئن له، ويأمن بوائقه، ولا يصدق أي كلام نقل عنه، أو أي تفسير لبعض تصرفاته ومنها دعوة القوى السياسية للقاء به بعد أن رفضت مقابلة رئيس الدولة، وهناك من طالبوه بألا يتعامل مع هذه الدعوة بحسن نية وسلامة طوية، ودفعوا ثمن هذا بعد الانقلاب!

أعلم أن كثيرين يمكن أن يستريحوا لفكرة أن الانقلاب تم التخطيط له منذ بداية الثورة، أو منذ إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، فيقوموا بإعفاء الرئيس وجماعته من أي مسؤولية باعتبار أن الانقلاب العسكري قدرا مقدورا، ويؤسفني أن أزعزع "يقين العوام"، و"إيمان العجائز"!

فالتسليم بفكرة الانقلاب المخطط له سلفا، تستدعي الإقرار بأن المؤسسة العسكرية ممثلة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة هي التي وضعت خطة الانقلاب وسهرت على تنفيذها، فهل حدث هذا فعلا؟!

هذا الكلام يدفعنا للوقوف على تشكيل المجلس العسكري، الذي كان تشكيله غير مكتمل عندما تنحى مبارك، فاستكمل وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي تشكيله، ليس إعمالا للقانون، وإنما لأن غالبيته كانت منحازة لرئيس الأركان الفريق سامي عنان، الذي وإن كان يبدو في وجود "طنطاوي" بعد الثورة مثالا للعسكري المطيع لقيادته، فقد كان معروفا أنه قبل رحيل مبارك ليس على وفاق مع وزير الدفاع، وهذه قواعد الاختيار المعتمدة لدى مبارك، إذ كان يطربه الصراع بين أركان حكمه، ويتلذذ بسماع تفاصيل المشاحنات بينهم!

لقد استدعى "طنطاوي" عددا من العسكريين المتقاعدين، ليرتفع عدد أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى (22) ضابطا برتبة لواء هم قادة الجيش وأولى الأمر منه، وإذا كانت هناك خطة للانقلاب، فهم من يضعونها ويقومون بتنفيذها.

حسنا، بل ليس حسنا على الإطلاق، فالمشير "طنطاوي" أخرج من المجلس العسكري ثلاثة، أحدهم أحاله للتقاعد لبلوغه السن القانوني وهو "إسماعيل عتمان" والثاني تمت إقالته وهو "نبيل فهمي" والثالث انطلق للعمل في السلطة التنفيذية وتنقل في وظيفة "المحافظ" من محافظة إلى أخرى وهو "طارق المهداوي"!

وقد يفاجأ المستسلم لفكرة المخطط العسكري المعد سلفا إذا علم أن من أطيح بهم من المجلس العسكري في عهد الرئيس محمد مرسي، سواء لحساباته هو، أو لحسابات صفيه "السيسي"، بلغ اثنا عشر عضوا من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، على رأسه وزير الدفاع ورئيس الأركان، وذلك في الشهور الثلاثة الأولى لتوليه الحكم، وما تبقى من المجلس الذي حكم مصر هم سبعة فقط، كان بإمكان الرئيس أن يطيح بهم، فمن وضع الخطة إذن، ومتى وضعها؟!

كان يمكن النظر بعين التقدير لإخراج هذا العدد من أعضاء المجلس العسكري الذي حكموا مصر بعد الثورة فأوردوا البلاد مورد التهلكة، لكن لأن "الحلو لا يكتمل" كما يقال، فإن الرئيس لم يختر من يحل محلهم، وإنما "السيسي" هو من اختار، تماما كما تركه يختار وزير الداخلية، وقائد الحرس الجمهوري الذي يرأس جيشا الأصل في ولائه أنه ليس لوزير الدفاع ولكن لرئيس الدولة. واختيار السيسي له سهل من عملية اختطاف الرئيس في وقت لاحق، وهو تصرف أنتجه "طيبة قلب" إن كانت أمرا محمودا في إدارة أعمال البر والتقوى، فإنها "الطيبة" لا تخرج إلا نكدا عندما يكون الأمر متعلقا بإدارة الدول.

أعلم أن المستسلمين لفكرة الانقلاب "المكتوب على الجبين"، قد يرضيهم تقديم الرئيس محمد مرسي على أنه كان مسلوب الإرادة ولا حيلة له، على أن يكون مسؤولا بدرجة أو بأخرى عن وقوع الانقلاب، لكن هذا التقديم يسيء للرئيس إساءة بالغة، ويدفع لسؤال آخر حول قبوله لهذا الوضع؟
إن الانقلاب العسكري، فكرة استدعى لها السيسي ولم تكن وليدة تخطيط، وقد راقت له، لتحقيق "مناماته" في حكم مصر، وقد وجد المؤسسة العسكرية معه لأن الرئيس محمد مرسي من مكنه من اختيار من لهم فيها "عقدة الأمر" بطيبة قلب هذه المرة!

فالانقلاب ليس قدرا.
التعليقات (6)
نور انور
الإثنين، 18-04-2016 05:23 م
تعليق رائع ،،،نعم هناك اخطاء ،،،وايا كان د مرسي او البرادعي او ايمن تور او اي شخص ،،،فكانوا سينقلبون عليه عاجلا او اجلا شكرا لتوضيحات سيادتك الرائعة
هاني
الإثنين، 11-04-2016 01:28 ص
لم يكن الانقلاب صدفه بل كان مخطط له مدروس التفاصيل منذ الثوره لانالربيعكان للوصول للفوضى الخلاقه التي ااعلنتها ككونليزا رايس ولزوم الفوضى استباق حصول ثوره ناضجه تسير على هدى تخطيط واجماع فكري ونتيجه لازدياد الوعي بضرورة التغيير . الفوضى خطف لتطلعات البشر ليتم من خلالها دفن الوعي وهي تماثل ماجرى لمصدق تماما لا سيما بمصر . اما ماحدث في باقي الوطن العربي فكان لكل بلد طريق ومسار مخختلف فمنها فوضى عارمه للقتل والذبح مثل سوريا بيد نظام طاغيه واليمن وباسلوب اخر في تونسس . المتتبع يجد ان الثورات للتحريك تمهيدا لارجاع الاوطان للقرون الوسطى .
BAYAAN
السبت، 09-04-2016 08:54 ص
أستاذ سليم ،اولا ،لو افترضنا صحة نظرية ان الانقلاب لم يكن مخطط له لكان انقلابا داخليا فقط اي لم تكن له تلك التبعات الشنيعة من قتل وتدمير البلد ،والا فكيف قامت كل هذه الدول بمساعدة الانقلاب ودعمه بالمليارات ،ثم ان الاخوان لم تكن من خطتهم فعلا دخول الرئاسة فكيف تم الزج بهم وتفريق كل القوى الثورية من حولهم ،ثم هل مرسي هو من اختار السيسي ام وضع في طريق مرسي ،الأمر الادهى والأمر ان الإخوان لم يكونوا معدين ومجهزين كفصيل سياسي انه يستلم رئاسة البلد سواء علي المستوى الخاص من حيث اعداد قيادة واعية ومحنكة سياسية وذات خبرة وايضا من حيث علمهم المسبق بشؤن الدولة وكيف تدار فهم كل خبراتهم كانت من خلال بعض الكراسي في مجلس الشعب ،اما جهلهم ببعمل المؤسسات الحساسة في الدولة كالمخابرات والجيش والداخلية والتي تم استبعادهم منها علي مدار سنوات ،أدى هذا الي القيعة بهم والالتفات عليهم ، ما كان على الاخوان بعد تجارب مؤلمة ان يخوضوا في هذا الامر دون دراسة متأنية ،فالجهل بعلوم سياسة الدول والجهل بجغرافية البلد وكيف تدار ومن يديرها كل هذا للاسف ،ادى الي ما نحن فيه ،واعتقد كفرد تربيت في هذه الجماعة لسنوات ،فان الجماعة تجاوزت مراحل العمل الخاصة فاستعجلت قطف ثمار سنوات طوال ، تحياتي لحضرتك
أبوعزيزة
السبت، 09-04-2016 06:50 ص
صدقت يا أستاذ سلبم... فالانقلاب لم يكن قدرا وانما نتيجة أخطاء فادحة ارتكبها الدكتور مرسى بداية باختيار رجل مخابرات لا يحسن الا أعمال التآمر ونهاية بعدم اقالته فورا بعد أن استخف به بدعوة القوى السباسية للتشاور وكأن البلد ليس فيها رئيس حاء بارادة الشعب .
صالح
السبت، 09-04-2016 01:13 ص
دعونا لا ننسى امريكا من هذا الموضوع بنفس الوقت بعض التكتيكات الوارده في المقال يدفعنا ايضا الى التساؤل ان اسرائيل ليست بغيده عن هذا الموضوع فهي لن تقبل باستمرار حكم اسلامي يستهدفها ويؤذيها لان مصر في الاساس هي مركز الاسلام السني وحاميه له تمكن الغرب من افساد الكثير بمصر ليس بتحييده بل بجرها ليلتصق بها ويناكف جميع المسلمين . فشبابيك ونوافذ الفضائيات 98% تناكف الاسلاميين بدوافع اقتصاديه . اذن نعود للتقيم فنجد ان كل ما جرى له اساس وهو كامب ديفد يضاف له مؤامرة 67 وما تلاها التي كانت ضروريه لاستكمال مؤامرة ضياع فلسطين عام 48 وهذا التلسل يجيب على مدى اهمية استقطاب مصر واجهاض اي تفكير يخرب ما صنع منذ مائتين من السنين . والان الانقلاب لم يكتفي بالاستيلاء على الحكم بل جرف بطريقه التيار الاسلامي السياسي كاملا ويشتت الكثيرين من احرار البلد وجلب لها صهيوني اكثر من الصهاينه منبطح امام كل الجرذان مما سهل على اعداء الامه ليجلبوه فهو لا يكاد يعي نفسه همه اعلان ولاؤه لهؤلاء وهم يعيشون سكرة يترفون بلا عقول ايضا . ناسين توصيات من خطط لهم من الماضي البعيد . ليس ماجرى قدر مقور فقط سطحيتنا تجعله قدر مقدور ومن انفسنا كان مدخلهم للعبور .