لم تكن التصريحات التي تفوه بها أحمد
الزند، وزير العدل المُقال، في مقام النبوة، والتي اُعتبرت تطاولا على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وازدراء لمكانته، حيث هدد الزند بحبس أي شخص يتهمه أو يهاجمه حتى لو كان "النبي"، هي الأولى، فقد اشتهر الرجل بزلات لسانه الكثيرة، التي كانت عبر حوارات تلفزيونية مذاعة، وهو على رأس أعلى سلطة قضائية، وممثل للعدالة، ما أحرج نظامه الذي اضطر إلى إقالته مُؤخرا بعدما أغضبت تصريحاته مشاعر المسلمين، ليس فقط
المصريين ولكن في العالم الإسلامي، وإثر حملة الدفاع عن النبي صلي الله عليه وسلم الواسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وينطبق على الزند المثل المشهور "لسان الأحمق أمام عقله". فكثيرا ما هرطق وزير العدل المُقال بعبارات وألفاظ لم يحسب لها حسابا، حيث قال في حوار مطول أجرته معه فضائية "صدى البلد" إنه لن يكفيه ولن يشفي غليله إلا قتل أربعمئة ألف من جماعة الإخوان ومن يحبهم ويعاونهم، مقابل من سقطوا من قوات الجيش والشرطة، وأقسم أنه سيستقيل لو لم يُعدم الرئيس محمد مرسي.
كما اشتهرت تصريحاته بالعنصرية، وازدراء طبقة الكادحين الذين يراهم عبيدا مسخرين لخدمته ومن على شاكلته، ففي نادي قضاة المنوفية في آذار/ مارس 2012؛ شن هجوما على العاملين بالمحاكم، بعد إضراب أعلنوه، قائلا: "من يُهاجم أبناء القضاة هم الحاقدون والكارهون ممن يُرفض تعيينهم، وسيخيب آمالهم، وسيظل تعيين أبناء القضاة سنة بسنة، ولن تكون قوة في مصر تستطيع أن توقف هذا الزحف المقدس إلى قضائها".
وصرح في مداخلة هاتفية مع توفيق عكاشة على قناة الفراعين: "نحن هنا على أرض هذا الوطن أسياد وغيرنا هم العبيد". ثم هدد وتوعد قائلا: "اللي هيحرق صورة قاضي هيتحرق قلبه وذاكرته وخياله من على أرض مصر".
ونسي الزند، وهو في حالة الهيجان والخصومة والغضب وغياب العقل، أن "اللسان سبع عقور، ولسانك سبع، إن أطلقته أكلك". كما أن "كلم – جرح – اللسان أنكأ من كلم الحسام"، وأن لكل كسر ما يجبره إلا اللسان فـ"عثرة الرجل عظم يُجبر، وعثرة اللسان لا تبقي ولا تذر".
واللسان أشد جُرحا من السنان، "وجرح السيف تَدمله فيبرأ.. وجرج الدهر ما جرح اللسان". وقيل: "اللسان أجرح جوارح الإنسان".
وتمادى الزند لسنوات يزمجر ويصيح، ولا يترك فرصة إلا ويُدلي بتصريحات شنعاء، حتى كانت القشة التي قسمت ظهر البعير، وكانت نهايته بيده لا بيد عمرو، وبلسانه هو أُدين وأقيل، وصدق فيه القائل: "مقتل الرجل بين فكيه (يعني لسانه). ونظم عبد الله بن المعتز شعرا وكأنه يخاطبه:
يا رُبَ ألسنة كالسيوف تقطع أعناق أصحابها... وكم دُهي المرء من نفسه فلا تُؤكلن بأنيابها.
ولم تنته قصة الزند عند لسانه فحسب، بل قد أُدين من قبل بقضايا فساد مالي، حيث نشرت تقارير إعلامية رسمية مصرية في أيلول/ سبتمبر 2014؛ ما زعمت أنها مستندات حصلت عليها تفيد بقيام نادي القضاة ببيع قطعة أرض مملوكة لنادي قضاة بورسعيد لابن عم زوجة المستشار أحمد الزند، رئيس مجلس إدارة نادي قضاة مصر حينها، بسعر 18 ألف جنيه للمتر، بإجمالي 9 ملايين و153 ألف جنيه لقطعة الأرض البالغ مساحتها أكثر من 508 أمتار مربعة. ووفقا لتلك المستندات، فإن قطعة الأرض المملوكة لنادي قضاة بورسعيد تقع بمنطقة "أرض جمرك الرحلات القديم"، التي تقع خلف مبنى الغرف التجارية، وهي منطقة حيوية يتجاوز فيها سعر المتر 50 ألف جنيه. كما أاتهم الزند بالاستيلاء على 172 فدانا من أراضي الدولة بمرسى مطروح. وتقدم النائب العام في شباط/ فبراير 2013 بمذكرة لمجلس القضاء الأعلى لرفع الحصانة عنه والتحقيق معه في البلاغات المقدمة ضده، إلا أن مستشاري التحقيق المنتدبين من وزير العدل حينذاك قرروا حفظ التحقيقات إداريا، بدعوى عدم وجود دليل" حسب موقع الجزيرة مباشر.
والزند يُعتبر من تجليات
الاستبداد، وأنموذجا واضحا لنخبته المُنتقاة، ودليلا على كيفية الاختيار والانتقاء. ومن الحكم البالغة "الاستبداد أصل لكل فساد" وهذه النخبة، أو ما يُسميهم الكواكبي في طبائع الاستبداد "المتمجدون"، وصفاتهم " أعداء للعدل أنصار للجور، لا دين ولا وجدان ولا شرف ولا رحمة، وهذا ما يقصده المستبد من إيجادهم والإكثار منهم، ويري النخبة بأنه "لا يكون كل صنف إلا من أسفل أهل طبقته أخلاقا، لأن الأسافل لا يهمهم طبعا الكرامة وحسن السمعة، إنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم أنهم على شاكلته، وأنصار لدولته... وبهذا يأمنهم المستبد ويأمنونه فيشاركهم ويشاركونه. وهذه الفئة المستخدمة يكثر عددها ويقل حسب شدة الاستبداد وخفته، فكلما كان المستبد حريصا على العسف احتاج إلى زيادة جيش المتمجدين العاملين له المحافظين عليه، واحتاج إلى مزيد الدقة في اتخاذهم من أسفل المجرمين الذين لا أثر عندهم لدين أو ذمة.. وأن يكون أسفلهم طباعا وخصالا أعلاهم وظيفة وقربا؛ ولهذا لا بد أن يكون الوزير الأعظم للمستبد هو اللئيم الأعظم في الأمة، ثم من دونه دونه لؤما، وهكذا تكون مراتب الوزراء والأعوان في لؤمهم حسب مراتبهم في التشريفات والقربى منه".
وهل لدى نخبة المستبد شيء من الشرف والتقوى أو العدل؟! يجيب الكواكبي: "كيف يكون عند الوزير شيء من التقوى أو الحياء أو العدل أو الحكمة أو المروءة أو الشفقة على الأمة، وهو العالم بأن الأمة تبغضه وتمقته وتتوقع له كل سوء وتشمت بمصائبه".
والزند ما هو إلا "وزير المستبد، لا وزير الأمة كما في الحكومات الدستورية... يحمل سيف المستبد ليغمده في الرقاب بأمر المستبد لا بأمر الأمة، بل هو يستعيذ من أن تكون الأمة صاحبة أمر، لما يعلم من أن الأمة لا تقلد القيادة لمثله".