تصاعدت حدة التوتر بين
القاهرة وواشنطن على خلفية الانتقادات الحادة التي وجهها وزير الخارجية الأمريكي "
جون كيري" لأوضاع حقوق الإنسان والحريات في مصر، على خلفية إعادة
التحقيقات في قضية تمويل المنظمات الحقوقية.
وكان القضاء المصري قد أعاد مؤخرا، وبشكل مفاجئ، فتح التحقيق مع عدد من
منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني غير الحكومية في اتهامات بتلقيهم تمويلا خارجيا بالمخالفة للقانون، بعد أن أعلنت النيابة تلقيها معلومات جديدة في القضية.
خففوا القيود عن المعارضين
وقال "كيري" إن بلاده تشعر بقلق بالغ جراء التدهور الكبير في أوضاع حقوق الإنسان في مصر، خاصة بعد أن قررت السلطات المصرية إعادة فتح التحقيق في قضية تلقي منظمات حقوق الإنسان تمويلا خارجيا.
وأضاف، في بيان أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية، أمس الجمعة، أن هذا التضييق الحكومي على المنظمات المصرية التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، يأتي في إطار حملة أكبر من الاعتقالات والقمع بحق المعارضة السياسية والصحفيين الأجانب.
وتابع البيان: "نطالب الحكومة المصرية بتخفيف القيود المفروضة على حرية التعبير وحرية إنشاء الجمعيات الأهلية، والسماح لمنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية الأخرى بالعمل دون ضغوط".
ويقول مراقبون ونشطاء في مجال حقوق الإنسان إن النظام المصري أعاد فتح التحقيقات في قضية منظمات المجتمع المدني التي أثيرت عام 2011، بغرض الضغط على تلك المنظمات بعد التوصية التي أصدرها البرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي بحظر المساعدات الأوروبية لمصر عقابا لها على مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني الذي عثر على جثته في القاهرة قبل شهرين.
لا نحتاج لوصاية من أحد
وفي رده على الانتقادات الأمريكية الحادة لبلاده، أكد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أن مصر حريصة على أوضاع حقوق الإنسان فيها، وإعمال نصوص القانون والدستور التي تكمل كرامة المصريين، مشددا على أن القاهرة حريصة على الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان العالمية، ولا تحتاج إلى وصاية أو توجيه من أي أطراف أجنبية.
وأضاف شكري، خلال مؤتمر صحفي، اليوم السبت، مع وزير الخارجية السلوفاكي، ميروسلاف لاجاك، بالقاهرة، أن الشعب المصري هو الوحيد الذي لديه الحق في تقييم أوضاع حقوق الإنسان في البلاد عبر المنظمات الحكومية وغير الحكومية المتخصصة في هذا الشأن مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان.
وأضاف شكري: "مصر أيضا بإمكانها انتقاد أوضاع حقوق الإنسان في العديد من الدول الأخرى الشريكة لنا، بسبب التجاوزات والانتهاكات المستمرة، لكنها لن تفعل هذا الأمر إلا من خلال القنوات المناسبة والأطر الثنائية وليس بإصدار تقارير علنية"، مشيرا إلى وجود "حوار مستمر بين القاهرة وواشنطن والعديد من الدول الأخرى حول قضايا حقوق الإنسان".
وتابع وزير الخارجية المصري: "يوجد في بلادنا أكثر من 40 ألف منظمة تعمل في مجالات حقوق الإنسان، ونحن ملتزمون بمساعدتهم على القيام بدورهم، لكن في كل دول العالم هناك قوانين تحكم أنشطة هذه المنظمات لحماية أمن واستقرار الدول التي تعمل بها، والتأكد من عدم الإضرار بمصالح دولهم، وأن إنفاق هذه الأموال يتم تحت رقابة قضائية".
طلب عاجل في البرلمان
وفي السياق ذاته، أعلن النائب مصطفى بكري، تقدمه ببيان عاجل إلى رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، لعقد جلسة طارئة في البرلمان ومناقشة تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، التي وجه فيها انتقادات حادة لأوضاع حقوق الإنسان في مصر.
وقال "بكري" في بيان صحفي، تلقت "
عربي21" نسخة منه، إن تصريحات كيري تعد تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية لمصر، واعتداء على السيادة الوطنية، مطالبا وزارة الخارجية بالرد على هذه التصريحات "المعادية".
لكن النائب محمد أنور السادات، قال، في مداخلة تلفزيونية مع قناة "أون تي في"، السبت، إن تصريحات كيري يجب أن تدفع السلطات إلى اتخاذ خطوات واقعية للحد من التجاوزات في مجال حقوق الإنسان، "لا أن نضع رأسنا في التراب يراها الجميع، ويجب محاسبة المتورطين فيها".
مصادرة أموال الحقوقيين
وبدأت محكمة جنايات القاهرة، السبت، النظر في طلب مقدم من قاضي التحقيق في قضية التمويل الأجنبي بالتحفظ على أموال بعض منظمات المجتمع المدني، ومنع نشطاء حقوقيون من التصرف في أموالهم، بينهم حسام بهجت، مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمحامي جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان وزوجته وابنته القاصر، على خلفية التحقيقات التي تجري في القضية لاتهامهم بتلقي تمويل أجنبي من الخارج.
وأجلت المحكمة نظر الطلب إلى جلسة 24 آذار/ مارس الجاري لحين حضور المتهمين واطلاع دفاعهم على أوراق القضية.
وتعليقا على هذا الإجراء، قالت منظمة العفو الدولية، في بيان لها السبت، إن السلطات المصرية تستغل القضاء للانتقام من منظمات حقوق الإنسان، في محاولة لشل حركة المجتمع المدني في البلاد، واستئصال شأفة المجتمع المدني، وإسكات الأصوات المعارضة.
وكانت محكمة الجنايات قد أصدرت حكما في حزيران/ يونيو 2013 لإدانة 43 من العاملين بالمنظمات الدولية من جنسيات مختلفة بأحكام حبس تتراوح بين 1 و5 سنوات، لكن المتهمين الأجانب في القضية كانوا قد تمكنوا من الهرب خارج البلاد في آذار/ مارس 2013 في طائرة خاصة، وهو ما أثار غضبا شعبيا في وقتها.