نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا حول الهزيمة التي مني بها المحافظون المتشددون في الانتخابات الإيرانية، واعتبرت أن حلفاء الرئيس حسن
روحاني حققوا مكاسب مفاجئة في البرلمان، وفقا للنتائج النهائية لهذه الانتخابات التي قد تسرع وتيرة خروج إيران من سنوات العزلة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن التيار المحافظ الذي لطالما انتقد مرشحوه سياسات روحاني، خاصة ما يتعلق منها بتوقيع الاتفاق النووي، تعرض لهزيمة نكراء خلال الانتخابات التشريعية، حيث "أذلّ" التيار الإصلاحي
المحافظين المتشدّدين الذي خسر مقاعده في البرلمان.
وذكرت الصحيفة أنه قد أعيد تشكيل المعادلة السياسية الداخلية في إيران، خاصة بعد استبعاد المحافظين من مجلس الخبراء، وهو هيئة مكونة من 88 رجل دين، يقومون بتعيين المرشد الأعلى للبلاد. وهذا يعدّ انتصارا للرئيس حسن روحاني، الذي لطالما أرادا برلمانا أكثر انفتاحا؛ حتى يتمكن من القيام بالإصلاحات التي وعد بها خلال حملته الانتخابية.
وأشارت الصحيفة إلى أن المحافظين المتشددين خسروا جميع المقاعد في البرلمان، وعددها 30 مقعدا، لصالح التيار الإصلاحي، حيث احتلّ المرشح المحافظ البارز الذي لطالما انتقد سياسات روحاني وعارض بشدة الاتفاق النووي، غلام علي حداد عادل، المركز الحادي والثلاثين.
كما كان الوجه المحافظ والمقرّب من المرشد الأعلى والمؤيّد لسياساته، آية الله محمد تقي مصباح يزدي، من أكبر الخاسرين في الانتخابات التشريعية، وهو عضو في مجلس الخبراء الحالي، ولطالما عارض بشدّة أي إجراءات إصلاحية من شأنها أن تحدث في إيران.
وقال الصحيفة إن التيار الإصلاحي نجح في حشد الليبراليين واستبعاد الشخصيات المحافظة والمتشددة من السباق الانتخابي، وقد أبعد أيضا الرئيس الحالي لمجلس صيانة الدستور، آية الله أحمد جنتي، الذي أشرف على عملية اختيار المرشحين، وأقصى عددا كبيرا منهم، أغلبهم ينتمون إلى التيار الإصلاحي، وبالتالي فإن هذا الانتصار مثّل "صفعة" للتيار المحافظ وانتصارا كبيرا للإصلاحيين والمعتدلين، كما تقول الصحيفة.
ونقلت الصحيفة أنه على الصعيد الوطني بلغت نسبة مشاركة الإيرانيين في الانتخابات حوالي 60 في المئة، كما أن التصويت الذي جاء لصالح شركاء الرئيس روحاني يعد انتصارا غير مسبوق للتيار الإصلاحي في إيران، وقد توجه هذا الأخير بكلمة للشعب شكره فيها على "منح حكومته المنتخبة مزيدا من الشرعية والقوة".
وأضافت أن الرئيس روحاني بحاجة الآن إلى برلمان "إصلاحي"، حتى يتمكّن من تطبيق سلسلة من الإصلاحات في إيران، لعلّ أبرزها جذب حوالي 46 مليار من رأس المال الأجنبي سنويا، وتنمية الاستثمار في قطاعي النفط والغاز، بالإضافة إلى رفع العقوبات المفروضة على البلاد، وقد تحقق جزء كبير منه منذ كانون الثاني/ يناير.
وذكرت الصحيفة أن حكومة روحاني كانت قد قدمت في نهاية سنة 2015 نماذج جديدة من عقود النفط، وهو ما أثار حفيظة المحافظين المتشددين قبل الانتخابات، حيث إنهم لطالما اعتبروا أن الإصلاحات "المفرطة" ستصب في مصلحة كل من الدول الغربية والمستثمرين الأجانب.
وبيّنت الصحيفة أن
الإصلاحيين الذين تم إقصاؤهم من البرلمان، والذين لم يفوزوا قطّ بأغلبية مقاعده، وعددها 290، عادوا ليتصدروا المشهد السياسي في إيران، بعد فوزهم بثلث المقاعد إبان الانتخابات التشريعية، ممثلين بحوالي 95 نائبا. وستعقد الجولة الثانية من الانتخابات في شهر نيسان/ أبريل المقبل، حيث ستحدد مصير المرشحين بصفة نهائية.
واعتبرت الصحيفة أن روحاني ما زال يشعر بالحرج إزاء المطالبة بمزيد من الإصلاحات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية والحريات المدنية، التي من شأنها أن تخلق قطيعة مع المحافظين المتشددين داخل البرلمان، وبالتالي سيكون لها انعكاسات سلبية، خاصة على الإصلاحات الاقتصادية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الإيرانيين لطالما اعتبروا أن عليهم الاختيار بين "السيئ والأسوأ"، خلال أي انتخابات تجرى في البلاد، وقد اعتبرت بعض الوجوه السياسية أن قائمة "الأمل" هي الخيار السياسي الوحيد أمام الشعب، على الرغم من تشدّد بعض الإصلاحيين مثل رئيس القائمة، محمد رضا عارف، حول ما يتعلّق بالقضايا الأخلاقية والمساواة بين الجنسين.
وتحدّثت الصحيفة عن تأييد رئيس البرلمان الحالي، علي لاريجاني، للإصلاحيين، حيث إنها ليست المرة الأولى التي يدعم فيها لاريجاني هذا التيار، فقد أشاد بالخطوة التي قام بها روحاني إثر توقيع الاتفاق حول المشروع النووي.
كما لاقى توقيع هذا الاتفاق تأييدا واسعا بين النخب الإيرانية، ومن بينهم القائد العسكري للحرس الثوري، قاسم سليماني، بالإضافة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي على الرغم من إشادته بهذا الاتفاق، لم يتغاض عن تحذير السياسيين في إيران من "التقدم الذي لا يكون مبنيا على الاستقلال والوحدة الوطنية".
وفي الختام، بيّنت الصحيفة أن الفوز الساحق للإصلاحيين لم ينته، بعد حيث فاز الرئيس الأسبق لإيران، والخصم اللدود للمرشد الأعلى، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، في انتخابات مجلس الخبراء بأغلبية الأصوات؛ ليعود بذلك إلى الساحة السياسية، بعد أن توارى عن الأنظار منذ سنة 2005 إثر الهزيمة التي لحقته في الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس السابق محمد أحمدي نجاد.