صحافة دولية

وزير الدفاع الأمريكي السابق يفتح ملفات إدارة أوباما

فورين بوليسي: هيغل واجه نهاية مؤلمة لرجل امتلأ سجله بالنجاحات - أ ف ب
فورين بوليسي: هيغل واجه نهاية مؤلمة لرجل امتلأ سجله بالنجاحات - أ ف ب
في مقابلة حصرية أجرتها مجلة "فورين بوليسي" مع وزير الدفاع الأمريكي السابق تشاك هيغل، اتهم فيها الإدارة الأمريكية لباراك أوباما بمحاولة تدميره، وبأنها قامت بتوجيه طعنة له في الظهر، وقال إن الادارة الحالية ليست لديها خطة واضحة نحو سوريا.

وتشير المجلة إلى أن هيغل تحدث كيف اتصل به مكتب الرئيس ليخبره أن الخطة العسكرية لضرب النظام السوري قد توقفت. وكان الرئيس قد هدد بعقاب بشار الأسد، الذي تجاوز "الخط الأحمر" واستخدام السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية في21 آب/ أغسطس 2013، ولكن هيغل، الذي قضى يومه وهو يضع الترتيبات النهائية، تلقى الأمر بوقف العملية العسكرية، وهو قرار ترك آثاره على سمعة الولايات المتحدة ومصداقيتها "سواء كان قرارا صحيحا أم خطأ، فالحكم عليه متروك للتاريخ"، ولكنه أضاف "لا شك عندي أن (القرار) أضر بمصداقية كلام الرئيس عندما حدث".

ويشير التقرير إلى أنه في لقاءاته المتلاحقة مع وزراء دول أخرى، في الأيام التي تبعت قرار أوباما، قالوا له فيها إن ثقتهم بواشنطن قد اهتزت بسبب قرار أوباما المفاجئ. ويقول وزير الدفاع السابق إنه لا يزال يتلقى شكاوى حتى اليوم من مسؤولين أجانب؛ لأن "كلمة الرئيس هي أمر كبير، وعندما يقول الرئيس شيئا فهذا أمر مهم".

مراجعة

وتنقل المجلة عن هيغل قوله إن الوقت مضى على تركه البنتاغون، وإنه مستعد لمناقشة فترة عمله، وقدم التحضير لضرب سوريا مثالا على علاقته مع البيت الأبيض، وقد كافح لتشكيل استراتيجية متماسكة تجاه هذا البلد، وقام بعقد اجتماعات طويلة، غالبا ما انتهت دون قرارات، رغم تدهور الأوضاع على الأرض وزيادة عدد القتلى.

ويلفت التقرير إلى أن السيناتور السابق البالغ من العمر 69 عاما عن ولاية نبراسكا، والمحارب السابق في فيتنام، يتحدث لأول مرة عن المعاملة التي تلقاها من إدارة أوباما. وقال إن وزارة الدفاع تمت إدارتها بطريقة مصغرة من البيت الأبيض. وفي هذا يذكر بالشكاوى التي رددها وزراء دفاع سابقون من قبله، مثل روبرت غيتس وليون بانيتا. 

وتذكر المجلة أن هيغل يعود للوراء، حيث لا يزال مندهشا من محاولة بعض مسؤولي الإدارة تدميره، من خلال نشر أخبار من مصادر مجهولة في الصحف، رغم أنه قدم استقالته.

ويبين التقرير أن هيغل مع أنه لم يذكرها بالاسم، إلا أن نقده تركز على مستشارة الرئيس باراك أوباما للأمن القومي سوزان رايس،  وعدد من مساعديها السابقين، ومساعدين سابقين له، ومسؤولين في البيت الأبيض. يقول هيغل إنه عادة ما واجه رايس في أكثر من مناسبة، فيما يتعلق بالسياسة تجاه سوريا والسجن العسكري الأمريكي في غوانتانامو.

رؤية من الداخل

وتورد المجلة أن وزير الدفاع السابق يقدم رؤية من داخل الإدارة، التي لقيت نفسها غير جاهزة لنزاعات متعددة في سوريا، والهجوم الذي قام به تنظيم الدولة في العراق والشام، مشيرة إلى أن روايته تقدم صورة عن إدارة لم تكن لديها استراتيجية واضحة حول سوريا أثناء الفترة التي قضاها في المكتب، وأشار إلى أنه قد لا تكون لديها خطة في أي وقت قريب، رغم زيادة القتل وموجات الهجرة.

وبحسب التقرير، فإن البيت الأبيض رفض التعليق على حديث هيغل، بعدما نقلت إليه المجلة ما قاله عن تراجع الإدارة عن ضرب سوريا، وغياب السياسة الواضحة والطريقة التي عومل فيها.

وتستدرك المجلة بأن مسؤولا بارزا، طلب عدم ذكر اسمه، قال إن الرئيس أوباما لم يكن جاهزا للتقدم في العملية العسكرية عام 2013، دون استشارة الكونغرس. وأضاف أن القرار الأخير فتح للرئيس أوباما الباب أمام تخلي نظام الأسد عن أسلحته الكيماوية. وقال المسؤول: "النتيجة النهائية لهذا كله هي سوريا خالية من السلاح الكيماوي". وأكد المسؤول البارز أن أوباما لديه خطة واضحة ضد تنظيم الدولة، تعتمد على الغارات الجوية وتدريب وتسليح القوات المحلية من جهة، والدفع بالعملية الدبلوماسية لإنهاء الحرب الأهلية والتفاوض على خروج الأسد من السلطة من جهة أخرى.

وينوه التقرير إلى أن هيغل قد عين من اجل إعادة تشكيل وزارة الدفاع كي تكون جاهزة لوقت السلام، وللإشراف على تخفيض ميزانيات الدفاع، فانتهى به الأمر للتعامل مع تدخل روسيا في أوكرانيا، والحرب الجديدة في الشرق الأوسط، بعد دخوله البنتاغون في شباط/ فبراير 2013.

 رجلنا في القاهرة

وتذكر المجلة أن هيغل واجه داخل وزارة الدفاع سلسلة من الأزمات، مثل خفض الميزانية، وعملية القتل في منشأة تابعة للبحرية في واشنطن، أدت إلى مقتل 12 شخصا، وعدد من التحرشات الجنسية داخل الجيش، وفضيحة غش قام بها فريق يعمل في مجال الصواريخ النووية.

ويجد التقرير أن هيغل كونه وزير دفاع، فقد أدى واجباته لتنفيذ سياسات الإدارة دون تعثر، مستدركا بأن التعليقات التي نشرها البعض يبدو أنها جاءت في وقت الاضطرابات، فإذا لم يرتكب هيغل أخطاء، فإنه ليست لديه إنجازات، ففي ذروة عملية القمع التي قام بها وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي ضد الإخوان المسلمين، تفاخر مساعدوه بالمرات التي تحدث فيها هيغل مع السيسي، وقدموا هيغل على أنه نقطة اتصال الإدارة مع القاهرة، وما لم يقله أحد هو أن السيسي تجاهل توسلات هيغل كلها، وواصل حملته القمعية لاضطهاد الجماعة.

وترى المجلة أن مشكلة هيغل هي أن الدائرة المقربة لدى أوباما لم تؤمن أو ترحب به "فحتى قبل أن يتسلم وظيفته، شعر هيغل بالشلل، وأصيب بكدمات أثناء جلسة الموافقة عليه في الكونغرس، حيث شجبه عدد من زملائه الجمهوريين السابقين، واعتبروه غير صالح لتسلم السلطة، وصوروه على أنه معاد لإسرائيل، وضعيف في مواجهة إيران".

ويورد التقرير أن هيغل قال إن عددا منهم حذروه مقدما أنهم سيهاجمونه في جلسة الإستماع؛ لأنهم غير راضين عن الرئيس. فيما صورته المواقع المحافظة بأنه معاد للسامية، وحتى قبل أن تبدأ جلسة الاستماع.

وتستدرك المجلة بأن مستوى النقد اللاذع في جلسة الاستماع من النواب، الذي عمل معهم هيغل، وقام بحملات جمع أموال، أصابه بالصدمة، فقد أخرج عدد من النواب ما قاله هيغل عن السياق، أو لم يستشهد بكلامه بشكل صحيح.

ويوضح التقرير أنه أثناء حرب لبنان عام 2006، دعا هيغل إلى وقف "الذبح المثير للقرف"، الذي مارسه الطرفان، ولكن النواب الجمهوريين اتهموه خطأ باستهداف إسرائيل. وأشار السيناتور تيد كروز (تكساس)، وهو أحد المرشحين المحتملين عن الجمهوريين للرئاسة الأمريكية، إلى أن هيغل يتلقى "رسوما" من جماعة متطرفة، ولكنه لم يقدم أدلة. وقال كروز: "من الجيد أن تعرف أنه وضع 200 ألف دولار في حسابه، جاء مباشرة من السعودية. جاء من كوريا الشمالية". وقارن عدد من المراقبين أداء  كروز بأداء جوي ماكارثي أثناء الحملة ضد الشيوعيين. وبدا هيغل مندهشا، ولكنه لم يرد على الحملة عليه، ويقول: "شعرت بالدهشة من ما حدث كله".

وتبين المجلة أنه في مرحلة ما لم يقدم هيغل رؤية الرئيس حول إيران بطريقة صحيحة، حيث قال إن الهدف هو "احتواء" طهران. وفي وجه المعارضة الشديدة من الجمهوريين أخبر السيناتور السابق البيت الأبيض أنه مستعد لسحب ترشيحه؛ "لانني قلت لا أريد أخذ الرئيس أو البلد خلال هذا". واتصل به أوباما ونائبه جوي بايدن، وهو صديق قديم من أيام الكونغرس، وكذلك رئيس طاقم  البيت الأبيض دينس ماكدنو، ودعوه للثبات. ولكن بعض المسؤولين لم يأتوا لدعمه، ويعلق قائلا: "أعرف أن الجميع لم يكونوا داعمين". وبعد الهجوم الشديد تمت الموافقة على تعيينه بنسبة 58 مقابل 41 صوتا، ولم يصوت لصالحه سوى أربعة من النواب الجمهوريين.  

تغير الحزب الجمهوري

ويجد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، أنه مع أن بعض النواب اعتذروا له بعد تعيينه، إلا أن ما جرى من نقاشات وتحيز حزبي، كان إشارة إلى الحزبية التي سيطرت على واشنطن، وكان تذكيرا بأن المعسكر المعتدل، الذي كان يمثله قد انتهى. وينظر هيغل إلى نفسه كونه جمهوريا ضمن التقاليد التي يمثلها جورج هيربرت بوش، والمستشار السابق للأمن القومي برينت سكوكروفت. ويقول هيغل: "لا أعرف إن سألت الناس: ما هو الحزب الجمهوري؟ وإن كان بإمكانهم تقديم جواب". 

وتفيد المجلة بأنه عندما تم عرض وظيفة وزير الدفاع عليه بعد انتخاب أوباما عام 2012، وهو منصب لم يسع له أو ضغط من أجل الحصول عليه، كان شرطه الأول هو أن يستطيع الوصول إلى الرئيس. وعندما وصل إلى المنصب كانت طلبات هيغل للحديث مع الرئيس تتم الاستجابة لها، ولكن لم تكن تعني أنها كانت وجها لوجه في المكتب البيضاوي. ويقول "في بعض الأحيان كنت أتصل وأطلب مقابلة خاصة مع الرئيس، وعندما أصل أجد أن هناك البعض معه".

نقاشات طويلة

ويشير التقرير إلى أنه في الوقت الذي كان هيغل يفضل اللقاءات الخاصة أو الاتصالات مع الرئيس، كان البيت الأبيض يدعوه إلى المشاركة في اللقاءات العامة، وعادة في غرفة الأزمة، حيث تتم مناقشة أجندة تم إرسالها في الليل أو صباح اللقاء. وكانت سوزان رايس هي من تدير ومساعدوها النقاشات حول سوريا. ويصف هيغل الوضع قائلا: "كانت هناك لقاءات كثيرة، ولم تكن مثمرة"، ويضيف: "لا أظن أننا وصلنا في الكثير من الأحيان إلى ما نريده. وبقينا نؤجل القرارات الصعبة، وكان هناك دائما الكثير من الأشخاص في الغرفة"، ولهذا السبب كان يفضل عدم الحديث؛ خشية أن يصل ما يقوله للإعلام، وكان يؤجل ما يريده للقاء الأسبوعي الذي كان يعقده رئيس هيئة الأركان الجنرال مارتن ديمبسي مع الرئيس، وكان يتحدث بالهاتف أو يلتقي مع رايس، بايدن أو وزير الخارجية جون كيري. ويقول إن اللقاءات التي كان يعقدها الرئيس لمناقشة موضوعات الأمن القومي كانت فاعلة دون مضيعة للوقت. 

وتستدرك المجلة بأن المسؤول البارز دافع عن طول اللقاءات في مجلس الأمن القومي، حيث قال إن طبيعة الموضوعات المطروحة فيها تحتاج إلى التركيز، وهي "دليل على العملية السياسة الصارمة التي نتبعها". ولكن هيغل يقول إن وقتا طويلا تم تضييعه على أمور تافهة، في الوقت الذي تم فيه تجاهل القضايا الكبيرة، مثل "ما هي استراتيجيتنا تجاه سوريا؟".

الرد على تنظيم الدولة

ويجد التقرير أنه رغم موافقة هيغل مع أوباما على عدم نشر قوات في العراق وسوريا، إلا أنه كان يرغب من الإدارة بتشكيل خطة للحل السياسي في سوريا، وتحديدا مسألة رحيل الأسد، وما هي الظروف التي سيخرج فيها من السلطة. ويصف هيغل التقدم السريع الذي حققه تنظيم الدولة في حزيران/ يونيو 2014 بأنه كان يشبه "الهزة الشديدة" للإدارة.  وعندما سئل في مؤتمر صحافي من ذلك العام عن طبيعة التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة، أجاب إنه "أكبر مما شاهدناه من ذي قبل"، وتحدث عن قدرات التنظيم في المجال العسكري ومصادره العسكرية ومهاراته الدعائية على الإنترنت، وقال إنه متقدم وتفوق على أي حركة إرهابية. 

وتذكر المجلة أن عددا من المسؤولين في الإدارة لم يرضوا عن وصف هيغل للتنظيم، ويقول: "تلقيت نقدا من  البيت الأبيض". مستدركة بأن الأحداث التي تلت أثبتت صحة نظرته، ولكنه لم يكن بعيدا عن الهجوم، ويضيف هيغل: "بعدها اتهمت بأنني أبالغ في الأمر، وأكبر حجمه، وأجعله أكبر من حجمه الحقيقي". ويعلق قائلا: "لم أكن أعرف عنه، ولكنني كنت أعرف أننا ضد شيء لم نره من قبل، ومن عدة طرق لم نكن جاهزين له".

ويلفت التقرير إلى أن تردد الإدارة ظهر واضحا في عام 2014، أثناء جلسة الاستماع التي تمت فيها مساءلته بشده من نواب الكونغرس، حول الخطط لبناء قوة من المقاتلين لقتال تنظيم الدولة.

وتورد المجلة أنه عندما سأل السيناتور جون ماكين، النائب الجمهوري عن ولاية أريزونا، إن كانت الإدارة ستقوم بمساعدة قوات المعارضة السورية التي تدعمها حالة تعرضها لهجوم من تنظيم الدولة، ومع أن الإدارة ناقشت الموضوع ولأسابيع، إلا أنها لم تتوصل إلى قرار. ومن هنا أجبر هيغل على تقديم إجابة، حيث قال بعدما شدد ماكين السؤال، إن الولايات المتحدة ستدعم كل من تقوم بدعمها من القوات حالة تعرضها لهجوم.  

ويعلق وزير الدفاع السابق: "لم نتوصل إلى إجابة أو نتيجة في البيت الأبيض"، ويضيف: "قلت ما شعرت أنني يجب قوله، ولم أكن قادرا على قول (لا)، وبحق المسيح كان حلفاؤنا في الشرق الأوسط كلهم سيتخلون عنا". مشيرا إلى أن السؤال ظل باقيا ومهما: "هل سندعم هؤلاء الرجال، أم لا نريد دعمهم". ورفض مسؤول في وزارة الدفاع تصريحات هيغل واصفا إياها بالمضللة، وقال إن الوزارة بدأت برنامجا لتدريب المعارضة، وكان يمكن أن تدعمهم بأي وسيلة.

مذكرة

ويفيد التقرير بأنه بعد شهر، ونظرا لشعوره بالقلق حول الغياب الكبير للسياسة الواضحة حول سوريا وتنظيم الدولة، كتب هيغل مذكرة من صفحتين إلى رايس وكيري، وأرسل نسخة للرئيس، ودعا فيها الإدارة إلى اتخاذ قرار حول سوريا ومصير الأسد. ويقول هيغل إنه كتب في المذكرة "ليست لدينا سياسة"، و"لأنني أحصل على هذا كله من زملائي حول العالم وفي أثناء لقاءات الناتو". 

وتنوه المجلة إلى أن البيت الأبيض لم يرتح لمذكرة هيغل، مع أنها كانت دعوة إلى التقدم بسياسة أكثر تماسكا، ولم تكن محاولة لفرض سياسة.  ويقول هيغل: "في المذكرة لم أكن ألوم أحدا، فقد كنت عضوا في مجلس الأمن القومي". ورغم هذا كله، ومنذ تركه الوزارة في شباط/ فبراير، لا تزال الإدارة دون استراتيجية واضحة، ويضيف: "لا تزال الإدارة تكافح للتوصل إلى استرايجية سياسية، ولكن وزير الخارجية كيري يحقق نوعا من التقدم نحو استراتيجية صحيحة".

ويجد التقرير أنه مع معارضة هيغل للتصعيد العسكري ضد تنظيم الدولة، إلا أن نقده للإدارة كان يغذي هجمات الجمهوريين بزعامة ماكين، وأن أوباما ضعيف في سياسته تجاه سوريا.

وبحسب المجلة، فقد تحدث هيغل عن الطريقة التي أدار فيها البيت الأبيض البنتاغون، التي سببت لهيغل مشكلة. واشتكى ديمبسي من اتصال موظفين في البيت الأبيض، حيث "وجهوا أسئلة للصف الخامس حول مشاركة البيت الأبيض في الحرب أم لا". 

ويقول التقرير إن مشكلة هيغل مع البيت الأبيض هي ذاتها مشكلة أسلافه من غيتس وبانيتا وميشيل فلورني، التي كانت في المرتبة الثالثة في البنتاغون. وكلهم انتقدوا مركزية القرار في البيت الأبيض، وتدخله في وزارة الدفاع. ويعتقد هيغل أن التدخل في تفاصيل العمل والبيروقراطية الكبيرة في مجلس الأمن القومي يمثلان مخاطر يقوم من خلالها الجهاز التنفيذي بالتأثير على عمل البنتاغون والوزارات الأخرى.

أزمة أوكرانيا

وتذكر المجلة أن تدخل روسيا في أوكرانيا، وضمها للقرم في آذار/ مارس 2014، أديا إلى صدع في العلاقة بين هيغل والبيت الأبيض.  وفي لقاءات مجلس الأمن القومي، حث هيغل الإدارة على الإبقاء على خطوط الاتصال مع الروس، وتجنب المواجهة معهم، وإرسال رسائل لهم، وتسريع الاتصالات مع الحكومة الأوكرانية، التي تقاتل الانفصاليين المدعومين من روسيا، ويقول هيغل: "قلت أيضا إنه على الولايات المتحدة تقديم مساعدات غير فتاكة للأوكرانيين وبسرعة. وقلت إن علينا الأخذ بعين الاعتبار أن المنظور للقيادة العالمية أوسع، فالعالم، بمن فيهم شركاؤنا في الناتو، يراقب طبيعة ردنا"، وردت الولايات المتحدة ببطء على أوكرانيا، مع أنه لم يكن يدعو إلى دعمها بالسلاح، ويعلق هيغل: "أعتقد أنه كان علينا عمل المزيد، وكان بإمكاننا تقديم المزيد".

غوانتانامو

ويبين التقرير أنه بالإضافة إلى مشكلاته مع البيت الأبيض حول سوريا، إلا أن هيغل يقول أن أكبر مواجهاته مع المسؤولين الأمريكيين كان سببها معتقل غوانتانامو. فبحسب القانون الذي تبناه الكونغرس، كانت لوزير الدفاع المسؤولية لنقل المعتقلين منه إلى بلدان أخرى. وبهذه الدرجة سيتحمل المسؤولية إن عاد المعتقل لاحقا وحمل السلاح ضد الولايات المتحدة. ولأن البيت الأبيض كان يحاول الوفاء بوعد أوباما بما يتعلق بإغلاق معتقل غوانتانامو، وتعرض لهجمات منظمات حقوق الإنسان، فقد قام بالضغط على هيغل كي ينقل المعتقلين إلى بلاد أخرى. وعندما كان يعتقد أن هناك مخاطر، كان البيت الأبيض يشعر بالإحباط. 

وتشير المجلة إلى أمن هيفل يصف مواجهته مع البيت الأبيض بأنها "أصبحت سيئة وشرسة". ومع أنه كان يدعم إغلاق المعتقل، لكنه كان يؤكد أهمية عدم التعجل بنقل المعتقلين. وظل البيت الأبيض يضغط مناقشا أهمية موازنة المخاطر الأمنية بالسمعة السيئة التي يسببها استمرار المعتقل للولايات المتحدة وصورتها في العالم، وبشكل يعطي المتطرفين أداة للدعاية.

الاستقالة

ويكشف التقرير عن أن الجدال حول معتقل غوانتانامو كان الشعرة الأخيرة التي أدت إلى استقالة هيغل، بحسب  رواية البيت الأبيض، مع أنه أمر في العامين اللذين قضاهما بنقل 44 معتقلا من غوانتانامو إلى دول أخرى. ولم يمنح خليفة هيغل، أشتون كارتر ضوءا أخصر إلا لـ 15 معتقلا للقيام بنقلهم. وبناء على المعدل الحالي، فسيكون عدد من سينقلون أقل  في الوقت الذي ينهي فيه أوباما ولايته الثانية.

وتورد المجلة أن هيغل توصل إلى نتيجة بعد سلسلة المواجهات مع البيت الأبيض، بأن عليه الرحيل، ولكنه لم يكن جاهزا للطريقة المهينة التي رحل فيها، ويقول: "فقد قام بعض الأشخاص بتشويه صورتي بطريقة جبانة". 

ويوضح التقرير أنه بعد أن وافق هيغل، بناء على طلب البيت الابيض، على البقاء حتى تتم تسمية مسؤول جديد، استمر الكثير من مسؤولي البيت الأبيض بالهجوم الشرس عليه، ومن خلال تعليقات منسوبة لمصادر مجهولة، ودون ذكر مصادرها. ويعلق قائلا: "حصلوا على استقالتي، فما معنى استمرار محاولات تدميري". 

وترى المجلة أنها كانت نهاية مؤلمة لرجل امتلأ سجله بالنجاحات، فبعد مهمة عسكرية عام 1968 في فيتنام، حيث منحه "وسام القلوب القرمزية"، وبعدها خدم في الكونغرس، وعمل نائبا لمدير إدارة مؤسسة المحاربين القدماء أثناء إدارة رونالد ريغان، وبنى ثروته في الأيام الأولى  التي بدأت فيها الهواتف النقالة، وفاز مرتين كونه نائبا عن نبراسكا، ونظر إليه مرة على أنه مرشح محتمل للبيت الأبيض. ويجد هيغل أنه رغم عمله القصير في البيت الأبيض، إلا أنه لا يزال "يكن احتراما عاليا" له. و"حظيت بعلاقة جيدة وإيجابية مع الرئيس".

ويلفت التقرير إلى أن هيغل، الذي يشارك الرئيس تردده في استخدام القوة العسكرية، حصل على علامات عالية في عدم رده المفرط على التهديد الإرهابي، وإعادة التوازن في العلاقات مع دول المحيط الهادئ، وتحقيقه اتفاقا تاريخيا مع إيران. 

وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن هيغل يشعر بالألم من النميمة والقيل والقال، التي شوهت فترته في البنتاغون، ويقول: "لا أعرف السبب وحتى هذا اليوم، لا أزال مندهشا، ولكنني أمضي في حياتي، وفخور بسجلي"، ويستدرك قائلا: "كنت أفضل ألا تنتهي أيامي كوني وزيرا للدفاع بهذه الطريقة".
التعليقات (0)