كتب عثمان ميرغني: أخطر السياسيين هم الغوغائيون، فهؤلاء ليسوا أغبياء بالضرورة، بل كثيرا ما يتحلون بذكاء خبيث، ولا يتورعون عن أي شيء من أجل تحقيق أهدافهم، ويتعمدون إثارة الفوضى واللعب على عواطف الناس أو مخاوفهم من أجل التكسب السياسي.
دونالد ترامب، الملياردير المرشح في السباق التمهيدي لانتخابات الرئاسة الأمريكية، من هذا الصنف في تقديري. فالرجل درج على إطلاق التصريحات الاستفزازية، وتعمَّد إثارة الجدل والانقسام مسجلا مواقف كثيرا ما وصفت بالعنصرية، والحض على الكراهية، واللعب على أوتار التطرف اليميني، وخصوصا في موضوع الهجرة. سبق له أن أثار زوبعة مشككا في شهادة ميلاد باراك أوباما وأهليته للرئاسة، مستخدما تلميحات اعتبرها البعض تخفي موقفا عنصريا، مما أثار عليه غضب الأمريكيين من جذور أفريقية. كذلك هاجم المهاجرين المكسيكيين وقال إنهم يجلبون المخدرات والجرائم ويغتصبون النساء. وسجل أيضا مواقف وتصريحات مثيرة للجدل ضد النساء، مما أثار عليه موجة من الغضب ودفع البعض لاتهامه بالسطحية والتمييز ضد المرأة.
في هجومه الأخير على الإسلام ودعوته إلى فرض حظر شامل على دخول المسلمين إلى أمريكا نزل ترامب إلى درك جديد، في سجل المواقف والتصريحات المخزية. فهو لا يتورع عن دمغ أكثر من مليار ونصف المليار مسلم حول العالم بأنهم متطرفون ويشكّلون خطرا إرهابيا يستدعي منع دخولهم إلى أمريكا "إلى حين أن نفهم ما الذي يحصل"، على حدّ تعبيره. بذلك لا ينظر إلى الإرهاب على أنه فعل من أقلية تتبرأ منها الغالبية العظمى من المسلمين، بل يراه ظاهرة إسلامية محضة، وبالتالي يعتبر كل مسلم خطرا محتملا.
اللافت أن تصريحات ترامب الغوغائية التي وزعها في بيان صحافي وكررها في لقاءات لاحقة، جاءت بعد يوم واحد من خطاب أوباما الذي دعا فيه إلى التصدي للفكر المتطرف، قائلا: "لا يمكننا أن نسمح بأن تصبح هذه حربا بين أمريكا والإسلام، فهذا هو أيضا ما تريده تنظيمات مثل (داعش)". ولو لم يكن الخطاب سابقا لتصريحات ترامب لقال المرء، إن أوباما كان يرد عليه، ويفند منطقه. فمثل الكلام الذي يردده الملياردير الطامع في الرئاسة يطرب في الواقع المتطرفين والإرهابيين ويخدمهم، لأنه يغذي آلتهم الإعلامية ومنطقهم الجامح.
ترامب أشار إلى بعض استطلاعات الرأي التي تقول إن غالبية المسلمين يكرهون أمريكا، لكي يدعم منطقه الداعي إلى اعتبارهم خطرا على الأمن الأمريكي يستدعي حظر دخولهم. أحد الاستطلاعات التي ركز عليها كان الاستطلاع الصادر عن "مركز السياسة الأمنية" الذي يديره فرانك غافني، وهو موظف سابق في إدارة الرئيس الراحل رونالد ريغان، له مواقف متطرفة إزاء المسلمين ويتحدث كثيرا عما يراه خطرا من تمدد الشريعة الإسلامية في تشريعات أمريكا، وتهديدا إسلاميا بتدمير الغرب من الداخل. ووصل هوس غافني إلى حد القول إن أوباما يتلقى استشارات من مسلمين راديكاليين، وإن اثنين من معاوني هيلاري كلينتون السابقين لديهما ارتباطات سرية مع "الإخوان المسلمين". كما أن الرجل طالب برقابة أمنية على المسلمين في أمريكا ويرى أن هناك خطرا من التغلغل والتمدد الإسلامي في الولايات المتحدة.
ترامب استند إلى استطلاع نشره مركز غافني وانتقده كثيرون، مشككين في منهجيته، ليقول إن 25 في المائة من المشاركين في أمريكا يعتبرون العنف مبررا ضد الولايات المتحدة كجزء من "الجهاد العالمي". كما أورد جزئية أخرى من الاستطلاع تقول، إن 51 في المائة من المشاركين رأوا أن مسلمي أمريكا يجب أن يمنحوا الاختيار لكي يحكموا بقوانين الشريعة الإسلامية، وانطلق من ذلك ليشنّ هجوما عنيفا على الشريعة، ويعتبرها خطرا على الأمريكيين.
قد يرى البعض أن ترامب مهرج ويطلق مثل هذه التصريحات المثيرة للجدل لاستقطاب الاهتمام والأضواء في موسم انتخابات الرئاسة الأمريكية، وبالتالي فإنها لا تستحق الاهتمام الذي حظيت به. المشكلة أن الرجل يتصدر قائمة المتنافسين عن الحزب الجمهوري للفوز بفرصة الترشح عن الحزب لانتخابات الرئاسة التي ستجرى العام المقبل، والأدهى من ذلك أن هناك نسبة عالية من مؤيديه الذين يقولون إنهم سيصوتون له حتى لو ترشح كمستقل. من هنا، فإن آراءه مهما كانت سخيفة أو جانحة لا يمكن التقليل من وقعها وأثرها، لأنها تلقى صدى على ما يبدو حتى بين من لا يؤيدونه سياسيا. الأمر الآخر أن التصريحات تأتي في وقت ترتفع فيه المخاوف والشكوك، وتغذي مشاعر العداء إزاء الإسلام والمسلمين بسبب التناول السطحي لظاهرة الإرهاب، وتجنب الغوص في بعض مسبباتها، والتعميم المخل الذي يدمغ المسلمين كلهم بالإرهاب، ويدينهم بتصرفات قلة ضئيلة، يعاني من جرائمها المسلمون بأكثر مما يعاني الآخرون. مثل هذه الأجواء تسهم في تعميق المخاوف ونشر الكراهية، كما توفر الأكسجين الدعائي للمتطرفين من كل نوع وصوب، وتجعل الحربَ على الإرهاب أكثر صعوبة وخطورة.
(عن صحيفة الشرق الأوسط 10 كانون الأول/ ديسمبر 2015)