نشرت مجلة "ذي نيويوركر" تقريرا لإيفان أوسنوس، حول أحداث العنف الأخيرة في الولايات المتحدة، التي كانت أحداث سان بيرناردينو الرقم 13 من سلسلة أحداث العنف المسلحة خلال أسبوع.
ويشير التقرير إلى أن معظم الأحداث الأخرى في بوسطن وهيوستون وسكريمنتو، لم تحظ بالكثير من التغطية الإعلامية؛ لأن الأمريكيين لم يستوعبوا بعد الرعب الذي حصل الأسبوع الماضي، عندما تم اعتقال روبرت لويس دير جونيور، بعد فتحه النار في اليوم التالي لعيد الشكر خارج عيادة تنظيم أسرة في كولارادو سبرنغز، فقتل ثلاثة أشخاص وجرح تسعة آخرين.
ويقول أوسنوس إنه "من المبكر معرفة ما قاد إلى القتل في سان برنارديو، ولكن من الخيال أن نتظاهر بأننا لا نعرف الأسباب التي قادتنا إلى هذه الحال أصلا؛ لأن بعض الأسباب واضحة للعيان، كما كانت طيلة عقود طويلة".
وتقول المجلة إن لويس بيم كان في أوائل ثمانينيات القرن الماضي زعيما محبطا لمجموعة أمريكية يمينية متطرفة، وكان سابقا قد اعتقل في هيوستون، بخصوص تفجير إذاعة باسيفيكا الليبرالية، وفتح نار رشاشه على مكتب للحزب الشيوعي. وتم إسقاط التهم ضده.
وتضيف أنه بدخول عام 1983 أدرك بيم أن لا مستقبل للمنظمات
اليمينية المتطرفة الهرمية، مثل كو كلاكس كلان، وأنها ستهمش وتحل من خلال المحاكم الجنائية والمدنية، واقترح استراتيجية بديلة؛ ففي مقالة له بعنوان "المقاومة دون قيادة"، دعا إلى التحول إلى "خلايا مقاومة صغيرة جدا، أو حتى مؤلفة من شخص واحد". وقد استعار الفكرة من الكولونيل يوليوس لويس آموس، وهو ضابط مخابرات أمريكي اقترح في أوائل الستينيات أن العمليات المدعومة من وكالة الاستخبارات المركزية في أوروبا تكون أقل قابلية للاعتراض، إن كانت تقوم على وحدات صغيرة سماها "خلايا شبحية".
ويفيد التقرير بأن ما قام به بيم هو أنه جعل هذا المفهوم شعبيا، من خلال كتاباته في الثمانينيات والتسعينيات، وتبنت العديد من الحركات المختلفة مفهوم "المقاومة دون قيادة"، وبينهم ناشطو حقوق الحيوان ومحتجو الضرائب والإسلاميون المتطرفون ومعارضو الإجهاض المتطرفون.
ويذكر الكاتب أن مكتب التحقيقات الفيدرالي أطلق على هذه
الهجمات مصطلح "هجمات الذئب الوحيد"، التي يقوم بها شخص أو مجموعة صغيرة بالهجوم، ويعملون دون تنسيق يذكر. فمن تيموثي مكفي في أوكلاهوما إلى دايلان روف، الذي قتل تسعة مصلين في كنيسة أمريكية-إفريقية في تشارلستون جنوب كاليفورنيا.
وتبين المجلة أن استخدام التعبير "الذئب الوحيد" كان دائما مثيرا للجدل، حيث يعتقد البعض أن التعبير يزين عمليات القتل، وبعض المتخصصين الأمنيين يشعرون أن الأمر أخطر من ذلك؛ لأن هذا التعبير يشوش على أهمية فهم الأسباب الخفية التي توصل إلى هذه الحالات.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه بعد اعتقال دير في قضية عيادة تنظيم الأسرة في كولورادو سبرنغز، قال للمحققين: "لا للمزيد من أجزاء الأطفال"، وتبين في الأيام التي تبعت الهجوم أنه تم اعتقال الرجل مرات عديدة على خلفية العنف البيتي واعتداءات جنسية وجرائم أخرى. واستشهدت "التايمز" بأقوال مصدر ذكر أن دير وصف أعضاء جيش الرب، وهو عبارة عن شبكة فضفاضة من المتطرفين المعارضين للإجهاض الذين يمارسون القتل والتفجير، بالأبطال.
ويقول أوسنوس: "بينما كنت أكتب هذا التقرير يوم الأربعاء، واجه الأمريكيون مشهدا رهيبا آخر في سان برنارديو في كاليفورنيا، حيث قام مسلحون باقتحام مركز خدمات للمعوقين، وقتلوا ما لا يقل عن 14 شخصا، وجرحوا 17 آخرين، ويبحث عناصر الشرطة عن ثلاثة مسلحين هربوا في سيارة دفع رباعي. ودون أن يعرف أي شيء سوى الموت أمامه، سمى قائد الشرطة جارود بيرغوان من قسم شرطة سان برنارديو الحادثة بأنها (نوع من الإرهاب المحلي)".
ويضيف الكاتب: "تتزايد أعداد ضحايا هذه المذابح أسبوعا بعد أسبوع، بل ساعة بعد ساعة. وتوصلت دراسة أجراها العلماء في كلية دراسات الصحة العامة في جامعة هارفارد إلى أن حوادث ما أسموه (إطلاق النارعلى الجمهور)، لتمييزها عن عنف العصابات، (ما بين عامي 1982 إلى 2011) حدثت كل 200 يوم. ولكن هذا الرقم تراجع بعد عام 2011 إلى هجوم كل 64 يوما. وإذا ما استخدمنا تعريفا أوسع، وقلنا (إطلاق النار، دون ضحايا)، يكون قد وقع أكثر من (إطلاق نار على الجمهور) يوميا هذا العام، بما في ذلك 12 حالة خلال الأسبوع الماضي".
وتنوه المجلة إلى أنه في الفترة التي أعقبت هجوم باريس، التي قام بها متطرفو تنظيم الدولة في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، تسابق مرشحو الحزب الجمهوري للإعلان بأن على أمريكا الدفاع عن نفسها، خاصة من الإرهابيين الأجانب. ودعا المرشح الجمهوري الأوفر حظا دونالد ترامب إلى "مراقبة بعض المساجد". أما السيناتور ماركو روبيو فقال: "ليس هناك أخطر على أمننا أكثر من الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين".
ويستدرك التقرير بأن إحصائيات الشرطة والخبراء تشي بقصة أخرى. مشيرا إلى أنه منذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، عانت أمريكا من 65 هجوما قام بها متطرفون يمينيون "سوفرين سيتزنز"، وهي جماعة عنصرية بيضاء ومعارضون متطرفون للإجهاض، بالإضافة إلى 24 هجوما قام بها متطرفون مسلمون، بحسب الاتحاد الوطني لدراسة الإرهاب والرد على الإرهاب في جامعة ماريلاند.
ويعلق أوسنوس قائلا: "قد يظن البعض أن هذا الكلام يقلل من شأن الهجمات الإرهابية، التي تتسبب بحصيلة ضحايا عالية، ولكن وكما كتب زميلي جون كسدي بأن المسؤولين الأمنيين، الذين يقومون بحماية المجتمع ضد الإرهاب المحلي والخارجي يرون الخطر الداخلي أعلى. وقام خبيرا الإرهاب تشارلز كرزمان من جامع كارولاينا وديفيد شانزر من جامعة ديوك، باستطلاع 400 مؤسسة شرطة محلية، وتبين لهما أن (الخطر الإرهابي الرئيسي في الولايات المتحدة ليس من المتطرفين الإسلاميين، ولكن من المتطرفين اليمينيين)".
وتجد المجلة أن الأهم من هذا أن الإرهاب المحلي، الذي يقوم به اليمين المتطرف في أمريكا، في حالة تنامٍ. وكتب المتخصص في الإرهاب في أكاديمية الجيش الأمريكي آري بيرلنغر في 2012: "كان هناك تصاعد درامي لعدد الهجمات وخطط الهجمات من أشخاص ومجموعات تعرف نفسها على أنها من اليمين السياسي المتطرف في أمريكا". أما تفسير الهجمات، فإن هناك تفسيرات عدة ومختلفة بطبيعتها وغير واضحة، من شعور باليأس ونموذج من الهجمات الطقوسية والغضب المحدد الذي أثارته بين المتعصبين فترتا حكم لأول رئيس أمريكي أسود.
وبحسب التقرير، فإنه بعد اعتقال دير بسبب هجمات عيادة تنظيم الأسرة، قال أكثر منتقدي العيادة إن ما فعله دير يتعلق بالدعاية ضد العيادة والفيديوهات التي تتهمها ببيع الأجنة، وقالت مرشحة الرئاسة كارلي فيورينا، التي روجت لتلك الفيديوهات، إن ربط الهجمة بالجو السياسي حول موضوع الإجهاض هو"تكتيك يساري معروف".
ويرى الكاتب أن "التوصل إلى الأفكار والجنون الذي أدى إلى تلك الهجمات في كولورادو سبرنغز وفي سان برنارديو، سيأخذ وقتا، ولكن الشكل الآخر من الجنون هو التظاهر بأننا لم نتعلم شيئا عن سبب حدوث تلك الأحداث".
وتختم "نيويوركر" تقريرها بالإشارة إلى أنه في دراسة نشرت هذا العام في مجلة (أمريكان بهيفرويال سينتست)، قام مارك بتكافيج من رابطة مكافحة التشهير بدراسة 35 حالة من هجمات "الذئب الوحيد"، وتوصل إلى أن المعتقدات أدت دورا مهما في معظم أعمال العنف تلك، حيث وجد أن ثلثي المهاجمين كان لديهم حس واضح لما يفعله هؤلاء لمن يعدونه عدوا.