عاد المانشيت الموحد - الذي يكاد يتطابق - في صحف مصر، كافة، اليوم الأحد 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، في تعاملها مع الخطاب الذي ألقاه رئيس الانقلاب عبدالفتاح
السيسي، في الاحتفال بإعطاء إشارة البدء في تنفيذ مشروع تنمية شرق بورسعيد، الذي قيل إنه يُعد باكورة أعمال مشروع تنمية محور
قناة السويس.
"المانشيت الموحد" ظاهرة قلَّما تتواجد في دول العالم الحر، ولا توجد إلا في الدول الشمولية، ولم تعهدها مصر بهذا الشكل، إلا في العهد الناصري، بستينيات القرن الماضي.
ولكن منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، صار "المانشيت الموحد"، لصيقا بحكم السيسي، بعد أن كانت الصحف المصرية قد "تطهرت" منه، طيلة حكم أول رئيس مدني منتخب بعد ثورة 25 يناير 2011، وهو الرئيس الدكتور محمد مرسي، الذي كانت المانشيتات تخرج في حكمه، تهاجمه، وربما سخرت منه، أو وجهت إساءات شخصية إليه، وهي آمنة!
هذا في حين حرصت فيه تلك الصحف – وقتها - على عدم المساس بالجيش، والمجلس العسكري، وأداء السيسي نفسه في وزارة الدفاع، بل حمَّلت مرسي أخطاء وزير دفاعه، الذي كان نجما لديها، من خلال أذرعه الإعلامية، التي تقود الصحف اليوم، وهي تفرد له الصفحات الأولى بالطول والعرض، ثناء على ما يلهج به لسانه، في الخطب والكلمات التي يلقيها، مبرزة اقتباسات تقدمها على أنها الحكمة، محاولة اصطناع صورة "الرئيس الحكيم"، على العكس من الوضع في أيام مرسي!
هكذا جاءت صحف السبت بمانشيت من أقوال السيسي في الاحتفال، بينما خصصت متنها لاجتزاء مقتطفات من خطابه، مع اختلاف بسيط في زوايا التركيز والتناول، ولكن من خلال معالجة قائمة على ممارسة الدعاية له، دون أي تناول نقدي، يفند كلامه، ويضع الحقائق والمعلومات المقابلة، والوضع البائس الذي يعيشه الشعب، بعيدا عن معسول الوعود، والكلمات الجوفاء، والعبارات الإنشائية، والشعارات الرنانة.
أما أبرز عبارة ركزت عليها الصحف من أقوال السيسي فهي إشارته إلى "تحدي التحدي" نفسه، وهي عبارة مبالغة ومضخمة حيث مشكلات الخارج، والداخل، التي تكالبت على نظامه.
ومن عجب أن هذا "التحدي للتحدي" يتم بالمشروع الأهم الذي كان الرئيس محمد مرسي يتبناه بشكل أساسي، سواء وهو مرشح للرئاسة، أو وهو رئيس للبلاد، وبينما هاجمت الصحف نفسها المشروع ذاته في عهد مرسي، ورددت حوله أكاذيب ممنهجة، إلا أن هذه الصحف نفسها ها هي "تطبل" له الآن، محتفية بقول السيسي: "سوف ننجزه في عامين.. بينما لا يستطيع العالم إنجازه في عشر سنين"!
ومن هنا حرصت الصحف على إبراز مقولات محددة للسيسي، باعتبارها الأكثر جذبا وأهمية، في الخطاب، لا سيما قوله: "هذا المشروع من المفترض أن يستغرق 10 أو 15 عاما، لكن سيتم إنجازه في سنتين فقط كي يعلم المصريون أنهم يقومون بعمل عظيم.. أتحدى إن أي حد يقدر يعمل اللي بنعمله ده في 10 سنين".
وأبرزت الصحف تلك المقولات، دون نقد، ولا تحليل، ولا إشارة للوضع البائس الذي يتعمد السيسي تجاهله، والقفز فوقه، ودون أيضا استدعاء لأي خبراء ومصادر كي تعلِّق برؤية موضوعية على هذا الكلام، وبالتالي غربلته قبل ضخه في أسماع الشعب دون فرز!
وعلى سبيل المثال، اعترف السيسي في الخطاب ضمنا بأنه يعد بشيء ثم لا يلتزم بوعوده، فقد وعد من قبل بخفض الأسعار بنهاية الشهر الجاري، فلما لم يتحقق شيء من ذلك ( سعر كيلو الطماطم، وكيلو البطاطس بمصر حاليا بنحو خمسة جنيهات، بينما الدولار بثمانية جنيهات).. حيث عاد السيسي في هذا الخطاب ليعد من جديد للوعد بخفض الأسعار، ولكن بدءا من شهر ديسمبر المقبل!
والآن بداية الجولة من مانشيت جريدة "الأخبار"، التي لجأت إلى نثر العناوين بالصفحة الأولى، من خطاب السيسي، كالتالي: "السيسي: نحن نتحدى التحدي.. إنجاز مشروع شرق بورسعيد في عامين بدلا من ثلاثة.. افتتاح أول أنفاق بعد عام ونصف وننشئ مدينة ساحلية.. لا نبدأ في أي مشروع إلا إذا كان مدروسا جيدا.. نعمل منذ عام في إنشاء أكثر من مطار.. ومشروع الطرق يمتد لأكثر من 5 آلاف كيلو".
وأضافت الأخبار: "الرئيس في تدشين المرحلة الأولى من مشروع تنمية قناة السويس: معا سنبني بلدنا.. ونقهر الإرهاب والفساد.. خفض أسعار السلع الأساسية في ديسمبر ولمدد قادمة.. القوات المسلحة توزع 1.5 مليون كرتونة أغذية على المناطق الأقل دخلا خلال 10 أيام.. أقول لرجال الأعمال: ضعوا أيديكم في أيدينا.. وضعنا خطة مدتها 30 شهرا لإنهاء مشاكل الري والصرف والسيول.. البرلمان القادم سيحاسب الجميع ولا يستطيع جهاز بالدولة تجاوز القانون.. لا مجال لقلق أو خوف أو شكوك.. اشتغلوا وابنوا وعمروا".
وشبيهة بـ"الأخبار"، و(تحدي التحدي)، قالت "المصري اليوم": "المشروعات العملاقة" تدخل مرحلة "تحدي التحدي".. السيسي يطلق إشارة البدء لـ"تنمية شرق بورسعيد": إنجازه في عامين.
وقالت "الوطن": "السيسي": "أنجزنا اللي ما يتعملش في 10 سنين.. وأتحدى.. الرئيس للمستثمرين: لا أحد يجرؤ على فعل شيء في مصر إلا بالقانون.. وتعالوا نشتغل ونبني بلدنا.. البرلمان المقبل هيحاسبنا كلنا.. والدولة ما بتعملش شعب.. الشعب هو اللي بيعمل دولة.. كان من الممكن نمنح كل شاب 10 أو 20 ألف جنيه ونعسل أيدينا منهم.. لكننا اخترنا الطريق الأصعب".
وغير بعيد، قالت صحيفة "الجمهورية": الرئيس يطلق إشارة تنمية شرق بورسعيد والتنفيذ خلال عامين.. السيسي: اخترنا الطريق الصعب.. نواجه 3 تحديات.. الإرهاب والفساد وبناء الدولة.. ضبط الأسعار الآن.. ومستقبلا حماية لمحدودي الدخل.. أهلا وسهلا بكل المستثمرين.. لدينا كل عناصر نجاحكم.
وأضافت الجمهورية: 1.5 مليون كرتونة توزعها القوات المسلحة علي الأسر الأقل دخلا خلال أسبوع.. وفرنا الغاز والكهرباء لكل المصانع.. وجاهزون للمشروعات الجديدة.. لن نبدأ مشروعا إلا بعد دراسات كاملة.. إنهاء مشكلة السيول في الدلتا خلال 30 شهرا.
في السياق نفسه قالت "الأهرام": إطلاق مشروع تنمية شرق بورسعيد.. الرئيس: العالم كله يدفع ثمن عدم المواجهة الحقيقية للإرهاب.. الرئيس يطلب تنفيذ المشروع خلال عامين.
وقالت اليوم السابع: الرئيس يطلق إشارة البدء لمشروع شرق التفريعة.. ويطمئن رجال الأعمال: اشتغلوا.. البرلمان هيحاسبنا كلنا.. أتحدى حد يعمل اللي بنعمله في 10 سنوات.. ديسمبر شهر انخفاض أسعار السلع الأساسية.
وقالت "الشروق": الرئيس: لا يستطيع أي جهاز في الدولة تجاوز القانون.. السيسي لرجال الأعمال في تدشين "تنمية شرق بورسعيد: اشتغلوا.. ابنوا.. عمروا. خايفين من إيه هو مفيش قانون في البلد.. وكان من السهل توفير 10 آلاف جنيه لكل شاب و"نغسل أيدينا منهم".
وقالت البوابة: خطاب الرسائل في احتفالية بدء مشروع تنمية شرق بورسعيد.. السيسي: مش هقدر أبني لوحدي.. أتحدى أي حد يقدر يعمل اللي بنعمله ده في 10 سنين.. البرلمان المقبل سيحاسب الجميع.. لرجال الأعمال: خايفين من إيه.. محدش هيعمل حاجة إلا بالقانون.
وبمانشيت قريب قالت الأهرام المسائي: رسائل السلام والتحدي والأمل في شرق بورسعيد.. من الرئيس إلى الشعب: تأخرنا كثيرا.. والعمل خيارنا الوحيد.. مشروع تنمية قناة السويس كان حلما وسننجزه خلال عامين بأيدينا وعقولنا وقلوبنا.. واخترنا الطريق الصعب.. خفض أسعار السلع الأساسية خلال الشهر المقبل.. مليون ونصف كرتونة لسكان المناطق الأكثر دخلا.
الصورة الموحدة
مع "المانشيت الموحد" جاءت صورة السيسي الموحدة أيضا كي يتم توظيفها مع المانشيت لتوفير الدعاية المناسبة له، حيث مثل قاسما مشتركا بين جميع الصحف صورة السيسي، وهو يطلق مشروع تنمية محور شرق بورسعيد، ومن حوله مجموعة من الأطفال، وقد تلفع طفلان منهما بوشاحين بطول جسد كل منهما، كل وشاح بلونين: الأسود على الأخضر، وأحدهما مكتوب عليه "شهداء الشرطة"، والثاني مكتوب عليه: "شهداء القوات المسلحة".
وتحت هذه الصورة، التي لوحظ فيها وجود حارس شخصي، على بعد أقل من متر من السيسي، قالت "الأخبار": "الرئيس السيسي يطلق إشارة بدء المشروع بمشاركة عدد من أبناء شهداء القوات المسلحة والشرطة".
وقالت الأهرام تعليقا على الصورة نفسها: "الرئيس السيسي يطلق إشارة بدء المشروع يدا بيد مع مستقبل مصر".
الوحيدة التي لم تنشر هذه الصورة مع المانشيت هي صحيفة "المصري اليوم"، التي نشرت له صورة أخرى، وهو يلقي كلمته في إطلاق مشروع تنمية شرق بورسعيد، حسبما قالت.
يذكر أن السيسي دشن صباح السبت مشروع التنمية بمنطقة قناة السويس من منطقة شرق التفريعة ببورسعيد التي تمثل تنميتها المرحلة الأولى للمشروع.
وأصدر السيسي قرارا جمهوريا السبت بتعيين الدكتور أحمد درويش رئيسا للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس لمدة 3 سنوات.