قضايا وآراء

لماذا لا يُتوقع انتهاء تنظيم الدولة سريعا؟

شمس الدين النقاز
1300x600
1300x600
عندما يعترف فرانسوا هولاند، رئيس دولة عظمى مثل فرنسا، بأن بلاده في حالة حرب حقيقية ضد تنظيم الدولة، فإن اعترافه لم يأت من فراغ، بل من المؤكد أنه أُرغم على البوح لشعبه بهذه الحقيقة بعد أن تعرضت العاصمة الفرنسية باريس إلى أكبر هجوم إرهابيّ في تاريخها الحديث، وتحديدا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

وعندما تجمع وسائل الإعلام الأجنبية بمختلف لغاتها أن تنظيم الدولة قد بدأ فعلا بنقل معركته إلى داخل الدّول المتحالفة ضدّه في كل من العراق وسوريا، فهذا يعني أنّنا أمام مرحلة جديدة من الصراع خرجت من حيّز الحدود العراقية السورية إلى وسط المدن الأوروبية بدرجة أولى.

كثيرة هي الأسباب التي دفعت شبابا في مقتبل العمر إلى أن يقوموا يهجمات دموية ضد أهداف مدنية في فرنسا. ففي مقال كتبه الصحفي عبد الباري عطوان إثر عودته من العاصمة البلجيكية بروكسل، وتحديدا من حي "مولنبيك" الشعبي الذي خرج منه أعضاء خلية هجمات فرنسا، يصف الكاتب الظروف الأمنية الصعبة التي يعيشها شباب هذا الحي الذين ندّدوا  بالهجمات، ولكنّهم في المقابل لم يخفوا انزعاجهم من عملية التشويه الأخلاقي لأفراد الخلية في أثناء تغطية وسائل الإعلام البلجيكية والفرنسية للحادثة، وخاصة تلك التي تتعلق بالبحث في ماضيهم قبل أن يهتدوا، بحسب قولهم.

بعض وسائل الإعلام الفرنسية والبلجيكية لم تدّخر جهدا في مهاجمة الجالية المسلمة في البلدين، بل وصل الأمر إلى وصف المسلمين بأبشع الأوصاف والنعوت التي تزيد عمليّة الاحتقان الكبير داخل الجالية المسلمة في هاتين الدولتين، وخاصة في أوساط الجيلين الثاني والثالث منهم على عكس الجيل الأول. وهنا يقول عطوان ناقلا ما شاهده في حي مولنبيك: "ونسبة المتبرئين من نهجهم وهجماتهم هم الأكثر، خاصة من جيل المهاجرين الأول، الكبار في السن، ولكن هذا ليس هو الحال مع أبناء الجيلين الثاني والثالث، الذين غالبا ما يستخدمون كلمة "ولكن" بعد إدانة هذه الهجمات، ويقدم بعضهم مطالعة طويلة عن مظالم واقعة عليهم، أو على بلدان العالم الإسلامي".

أصبحت بعض الدول الأوروبية جحيما لبعض المسلمين إثر كل هجمة إرهابية أينما كانت ولو خارج هذه الدول، وأضحى المسلمون في كثير من المناطق مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة خاصة في الأحياء الشعبية الفقيرة في فرنسا وبلجيكا وغيرهما من الدول، بسبب القبضة الأمنية والرقابة الاستخبارية التي وصلت إلى ذروتها عقب ظهور تنظيم الدولة، الذي أصبح ملاذ هؤلاء وحاضنتهم في سوريا والعراق، بسبب إحساسهم بالتمييز والظلم داخل بلدانهم، بحسب تعبيرهم. فلجأت الخلايا النائمة لتنظيم الدولة داخل هذه الأحياء الشعبية إلى ممارسة حملات تجنيد سريّة بهدف تسفير هؤلاء الشباب إلى مناطق الاشتباك المباشر، أو تحضيرهم ليكونوا ذئابا منفردة داخل دولهم للقيام بهجمات بأقل التكاليف وتوقع خسائر كبيرة.

لقد استطاع تنظيم الدولة أن يدخل إلى العمق الفرنسي ضاربا بذلك القبلة السياحية الأولى في العالم "باريس"، في اختراق استخباراتي من الدرجة الأولى، منفذا بذلك وعيده المتكرر للحكومة الفرنسية بأنّ "جنود الخلافة" سيستهدفون فرنسا في عقر دارها، ناقلين بذلك المعركة من الحدود السورية العراقية إلى داخل فرنسا في مرحلة أولى بأقل التكاليف.

لقد ذكرت وكالة رويترز للأنباء يوم الجمعة 20 نوفمبر الجاري أن الهجمات التي نفذها المتشددون في باريس الأسبوع الماضي، وأودت بحياة زهاء 130 شخصا ودفعت إلى شن موجات من الغارات الجوية على سوريا، وإطلاق تحذيرات أمنية في أنحاء العالم، من المحتمل أن تكلفتها كانت ضئيلة وبلغت نحو سبعة آلآف يورو (7500 دولار)، في حين أعلنت فرنسا وبلجيكا عن تدابير أمن إضافية تتكلف مليار يورو نتيجة لتلك العمليات.

كانت هذه الهجمات التي لم تستلزم أكثر من بنادق كلاشنيكوف وذخيرة وأحزمة ناسفة بدائية الصنع وسيارات وشقق سكنية مستأجرة؛ تذكرة بأنه بثمن قليل يمكن تنفيذ أعمال قتل عشوائي وبث الخوف والفوضى، في تطور جديد لم يسبق له مثيل في تاريخ الجماعات الجهادية، التي لم تستهدف فرنسا بهجوم مماثل على غرار تفجيرات لندن ومدريد، التي من المؤكد أنها كلفت خزينة تنظيم القاعدة أكثر بكثير من 7500 دولار،بل إنّ هجمات باريس كانت أقل كلفة من هجمات 11 من سبتمبر أيلول 2001 على واشنطن ونيويورك التي بلغت تكلفتها، وفقا للجنة التحقيق المستقلة في تلك الأحداث، ما بين 400 ألف و500 ألف دولار ، وهو مبلغ يشمل تدريب الطيران للخاطفين والرحلات الجوية ومصاريف المعيشة خلال فترة التدريب والتحضير.

إن العالم اليوم يختلف كثيرا عن عالم الأمس، ولعل دوس الديمقراطية عقب الهجمات الإرهابية في الدول التي تفتخر بنموذجها الديمقراطي دليل صريح وكاف على أن الماضي يختلف عن الحاضر، كما أنّ تصريحات المسؤولين الأمريكيين في أكثر من مناسبة من أن الحرب ضد تنظيم الدولة ليست سوى حرب طويلة الأمد وحرب أجيال يمكنها أن تمتد إلى داخل دول التحالف الدولي في المستقبل؛ لم تكن مجرد تصريحات استهلاكية من دهاة ومهندسي السياسة العالمية.

عند سؤال الخبراء الأمنيين والعسكريين والخبراء في الجماعات الجهادية عن طبيعة الحرب الجديدة، بعد أن أعلن زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي إقامة الخلافة وكسر الحدود، يجيبون بكل ثقة في النفس: "إن الحرب الكونية ضد تنظيم الدولة اليوم هي حرب متوازنة ولا متوازية"، مستشهدين على هذا الطرح بقاعدة مهمة في الحرب اللّامتوازية، مفادها أن الضربة الأولى يجب أن تكون جاهزة وفي الوقت نفسه يكون الإعداد للتالية مستمرا، والثانية يجب أن تكون أقوى وأكبر ضررا من الأولى حتما، وإلا ضاع النصيب من مبدأ الانتصار، فكل ضربة يجب أن تكون أفتك من التي سبقتها.

ففي أقل من أسبوعين زار مقاتلو التنظيم 3 قارّات و3 دول وقتلوا وجرحوا المئات، وهذه القارات على التوالي هي إفريقيا آسيا أوروبا، وذلك بإسقاط طائرة ركاب روسية في محافظة سيناء المصرية ومقتل أكثر من 200 سائح روسي، ثم تفجيرات انتحارية داخل لبنان في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، ثم هجمات متزامنة في فرنسا، وتحديدا 6 أهداف في العاصمة باريس.

لقد انتقل تنظيم الدولة لمرحلة هجوم العدو البعيد وترتكز هذه المرحلة أساسا على استهداف كل جامد ومتحرك لدول التحالف التي تقاتله في سوريا والعراق، ولا تفريق بين مدنيّ وعسكريّ في هذه المرحلة؛ لأنهم كلهم مصنفون - عند التنظيم - بأنهم مشاركون في الحرب عليه، بحسب ما يصرح به مسؤولوه وأمراؤه ومنظّروه، وهو ما دفع الساسة الغربيين إلى التأكيد أنه يجب شن حرب جوية شاملة ضد تنظيم الدولة، قبل أن تنقل حرب العصابات لأوروبا، بل وصل الأمر ببعضهم إلى وصف ما بنته ونفذته القاعدة في عقد بأنه قام به تنظيم الدولة في أشهر معدودة.

إن الإجماع قد انعقد في أوساط النخب السياسية والخبراء في الدول الغربية على أن مسلحي تنظيم الدولة يخططون لحرب عصابات في أوروبا، بل ذهب  مسؤول سابق في المخابرات البريطانية إلى ما هو أبعد من ذلك، قائلا إن القنابل بالتأكيد لن تغلب التنظيم، لأن  محاربته صراع أجيال، ما يعني أن هزيمة تنظيم الدولة في سوريا والعراق لا يعني بالضرورة اندثاره واختفاءه وتدميره، بل ستبقى خلاياه النائمة ناشطة في كل أنحاء العالم منتظرة فرصة الهجوم.

في النهاية، لا يمكننا أن نفوت الفرصة وألا نوجه عزاءنا لكل المضطهدين في العالم في إفريقيا وآسيا وأوروبا، وعلى رأسهم الفلسطينيون. ونقول لهم أنتم لا تساوون جناح بعوضة عند النظام الدولي وهيئاته الأممية؛ لأنه عجز طيلة عقود من الزمان أن يخرج بقرار ينصركم ويعيد لكم حقوقكم، ولكن في المقابل لم يدخر جهدا في نصرة الدول الحاكمة فعليا في العالم، وكان آخرها موافقة مجلس الأمن بالإجماع على القرار الفرنسي الذي اقترحته في مجلس الأمن بعد أيام من الهجمات الإرهابية التي استهدفتها، وما كان من  الأمم المتحدة إلا أن لبت النداء مسرعة، داعية الدول إلى محاربة تنظيم الدولة في سوريا والعراق.
التعليقات (4)
عبد الرحمن
الخميس، 26-11-2015 05:33 م
قراءة تساعد غلى حد كبير فى فهم حدث أكثر تعقيدا شكرأ استاذ شمس الدين ولك الله ثم أحرار العالم يا شعبنا فى فلسطين الحبيبة
نور فوزي
الخميس، 26-11-2015 06:24 ص
طالمآ لم تحل القضية الفلسطينية و طالمآ تمادى الكيان الصهيوني في تنكيله و إذلاله للشعب الفلسطيني ؛ فإنه و إن قُضي على داعش ؛ فإن الأيام حبالى بمن هم أشرس منهم و أعتى في التنكيل ممن سلب حقوق الشعب الفلسطيني و ظلمهم على مرأى من هذا العالم الفاقد لضميره .
المراقب البريطاني
الأربعاء، 25-11-2015 08:15 م
متن المقال لا علاقة له بالعنوان! لا قيمة للمقال مع الأسف.
مظلومه بنت مظلوم
الثلاثاء، 24-11-2015 07:15 ص
اوافق على كل ماتقول