لطالما ردد الخطاب السياسي لنظام بشار الأسد ودوائر الحلف المؤيدة له، أنه ليس من المهم الحديث عما كان، وإنما يجب النظر لما هو حاصل اليوم، والمعنى من ذلك أنه ليس مهما الحديث عن ثورة شعب سوري ومطالب الحرية والديمقراطية، بل التركيز على النقطة التي وصلت إليها الأمور من سيطرة بعض القوى المتطرفة على ساحة الفعل وتحولها إلى حيثيات ووقائع بحيث يصبح الكلام عن أي شيء آخر، بما فيه مصير الأسد، كلام غير واقعي ولا ينسجم مع المنطق السياسي الذي يتعامل مع الأولويات حسب خطورتها وضررها.
ينطوي هذا المنطق على منهجية عمل خطيرة تقوم على تعديل المعطيات وصناعتها ضمن مختبرات الاستخبارات الإقليمية والدولية وتجريبها على أرض الواقع، ثم بعد ذلك طرحها في ميدان العمل بوصفها متغيرات حاكمة، ثم يجري بعد ذلك الاحتكام إليها لقياس الحق والباطل في القضية وفرض نتائجها في المجال السياسي الدولي.
على مدار خمس سنوات من عمر نكبة الشعب السوري، كان الطرف المقابل يستخدم كامل طاقاته الاستخباراتية والمؤتلفة من تعاون النظام السوري مع رعاته الإقليميين والدوليين "إيران وروسيا" لإنتاج تلك المعادلة وتطويرها بشكل دائم، حتى أنه كان يصار إلى تحديثها بشكل يومي لتتناسب مع تطورات المواقف الدولية من جهة، ولتكون قادرة على التعامل مع مقتضيات تطور الثورة على الأرض.
وفي سبيل نجاح هذه المهمة، جرى صناعة منظومة إستخباراتية تعمل ضمن مستويات عديدة، لكن كان أخطرها على الإطلاق صناعة بنية ثورية تعمل بتوجيه ودعم من أجهزة الاستخبارات تلك، وتبدو وكأنها تيار داخل الثورة، وقد شكلت الاختراقات الآلية التشغيلية لهذه البنية، بحيث كانت تلك الأجهزة تقوم بزرع بعض الأشخاص المدربين والمؤهلين ضمن خلايا التنظيمات المتطرفة تحديدا، وتدعمهم بالمعلومات التي تمنحهم الصدقية والكفاءة بما يوصلهم إلى مراكز صنع القرار وخاصة في مجالات العمل الميداني، بحيث يكون لديهم القدرة على تحديد أهداف تلك التنظيمات في لحظات معينة تستطيع الأجهزة الاستخباراتية توظيفها لمصلحتها.
وربما كان "داعش" أحد أكثر التنظيمات التي تعرضت لاختراقات من هذا النوع، وذلك نظرا لظروف تشكلها ونشأتها وصناعة هياكلها وأطرها، وكذلك نتيجة إلتحاق أعداد كبيرة في صفوفها، والمعلوم أن البنية القيادية لـ"داعش" في غالبيتها كانت داخل السجون، وقد جرت عملية الاختراق تلك في هذه الأوقات بالتحديد، حيث جرى زرع كوادر مدربة بين السجناء على أنهم إسلاميين ومتحمسين للعمل ولديهم ما يكفي من المهارات والخبرات لإنجاح أعمالهم.
لا يمكن القول إن تزامن عمليات "داعش" مع أحداث واستحقاقات سياسية كبرى مثل مؤتمر فيينا هو صدفة بحتة، تكرار هذه العمليات وتواترها ينفي عنها صفة الصدفة، وثبت أن هناك مخطط ممنهج يقف وراء هذه الأعمال، وهو جزء من الإستراتيجية التي تهدف إلى صناعة وتغيير المعطيات لتغيير التوجهات السياسية، وهي تنجح دائما في تحقيق أهدافها، ولعل من يراجع تاريخ العمليات الكبرى لـ"داعش" سيلحظ تماما هذا التزامن المفضوح بين عملياتها وبين الظروف التي يمر بها النظام، ودائما كانت تشكل هذه الأفعال إنقاذا حقيقيا من أزمات كبرى كان يتعرض لها نظام الأسد.
لا شك أن العديد من الأطراف الدولية تدرك هذه المعادلة وتعرف درجة الترابط والإعتمادية بين نظام الأسد و"داعش"، وتدرك طبيعة البعد المخابراتي في كل العمليات التي يقوم بها تنظيم الدولة والتي يتضح أن عمليات الرصد والمتابعة والمعلومات التي يؤسس عليها عملياته هي نتاج خبرة مخابراتية تضعها جهات محددة بين يديه، لكن المشكلة في السياسة أنه لا يمكن توجيه الاتهامات بدون أدلة، وهذه يستحيل الحصول عليها طالما أنها تتم عبر آلية الاختراق، كما لا يمكن اتخاذ القرارات المضادة وخوض الحروب والمعارك بناء على شكوك، وبالتالي، فإن الدول تفهم اللعبة جيدا، وتفهم أنها خسرت نقطة في الحرب، وتنصاع إلى تغيير أو تعديل مواقفها، أقله مجاراة وإرضاء للرأي العام لديها والذي يكون بحاجة إلى سماع قرارات مباشرة تثبت له أن حكومة بلاده جادة في حمايته.
سيبقى الأسد وحلفاؤه يكسبون طالما أن العالم ترك لهم المساحات الكافية من الزمن ليجربوا ويختبروا ويرتبوا المعطيات والوقائع براحتهم، وطالما بقي الأسد يتمتع بشبكة حماية دولية تحميه من السقوط، وما على العالم سوى عد وإحصاء الجنائز من شرقه إلى مغربه.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "عربى21"
0
شارك
التعليقات (0)
شايف من بعيييد
الجمعة، 20-11-201503:59 ص
نعم مبرمجة بلا شك و الخاسر الوحيد هم بنو الاسلام حتى الإيرانيون و الخطة هى هى لا و لم و لن تتغير و الخيبة هى هى من جهة بن الإسلام لم و لا تتغير و لكن بإذن الله سيغير الله ما بنا و سينصر دينه بنا أو بأ1كى و أزكى منا فحكام بهذاالغباء و شعوبا بهذا التخبط و غربا و شرقا بهذا الخبث لا ينتج منهم وعنهم سوى إضعافنا بأيدينا لنكون اللقمة السائغة و الفريسة المستباحة لكل من لا يخشون ربا ولا ضميرا كما وصفهم الله فى كتابه [ كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ] التوبة 7&8 ... و ماالنصر إلا من عند الله