نشر موقع "موند دبلوماتيك" الفرنسي تقريرا حول تدهور واقع
الصحافة في
مصر، وقال إن الصحفيين أصبحوا مستهدفين من قبل نظام عبد الفتاح السيسي، تارة بدعوى مساندة الإرهاب، وتارة أخرى بدعوى نشر الأخبار الكاذبة وزعزعة استقرار البلاد، وأصبحوا يواجهون القمع والاضطهاد الذي يتعرض له المعارضون السياسيون، وسط مناخ دكتاتوري لم تعرفه مصر طيلة عقود من الحكم الاستبدادي.
وقال التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إنه منذ الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي في تموز/ يوليو 2013، خاصة بعد فوز السيسي بالانتخابات التي نظمها في أيار/ مايو 2014، أصبح الصحفيون المستقلون عن جوقة النظام في مصر مستهدفين من قبل السلطات، شأنهم في ذلك شأن تيار الإخوان المسلمين.
وأضاف أن سلطات الانقلاب سارعت إلى تصنيف تيار الإخوان المسلمين على لائحة المنظمات الإرهابية في كانون الأول/ ديسمبر 2013، ثم قامت بوضع دستور جديد في كانون الثاني/ يناير 2014 يضمن نظريا حرية التعبير، ولكن بعد أربع سنوات من ثورة يناير، يقبع عدد كبير من الصحفيين وراء القضبان، ويتعرضون لشتى الاتهامات بدعم الإرهاب والسعي لزعزعة استقرار البلاد، كما أن حرية التعبير ليست مكفولة إلا للصحفيين الذين يدعمون النظام الحاكم، وهو ما أدى إلى تأسيس جهاز إعلامي لا يتحرج من تجاوز كل الضوابط المهنية والأخلاقية.
ونقل التقرير عن الصحفي أسامة كمال، قوله :"ليس هنالك أي نظام واضح يؤطر الصحافة المصرية، إذ إن قواعد هذا المجال في مصر تتغير حسب أهواء السلطة، فيتم تكميم كل الأصوات المعارضة، وفي المقابل، فإنه يتم منح حرية غير محدودة لوسائل
الإعلام الموالية للنظام، لنشر أخبار زائفة في إطار الدعاية، وهذا يعني أن الصحفيين ممنوعون من الكلام، وفي الوقت ذاته يمكنهم قول أي شيء، أو حتى الكذب بشكل سافر وواضح، لأجل الدفاع عن النظام.
كما نقل التقرير عن دينا سمك، رئيسة تحرير الشؤون السياسية في موقع "أهرام أونلاين"، قولها إنه رغم أن مهنة الصحفي في مصر شكلت تحديا صعبا على الدوام بسبب غياب الشفافية والحرية، إلا أنه الآن "الجميع خائفون".
وأضافت هذه الصحفية اليسارية أن "أوضاع حرية الإعلام في عهد الإخوان المسلمين كانت أفضل بكثير من العصر الحالي، لأنه في ذلك الوقت كان هناك توازن للسلطة في البلاد، بين الإسلاميين وبقية القوى على غرار رجال الأعمال، ولم تكن السلطة في ذلك الوقت تسيطر على وسائل الإعلام.
وأكد التقرير أن تعدد الأقطاب الفاعلة في فترة حكم محمد مرسي، مكنت الجميع، سواء كانوا علمانيين أو إسلاميين، من التعبير عن آرائهم، ولكن المشكلة أنه مع وصول عبد الفتاح السيسي إلى السلطة قام الجيش بالسيطرة على كل شيء وإسكات الجميع، كما تم غلق كل القنوات التي قامت بتغطية أنشطة الإخوان المسلمين بعد الانقلاب العسكري، وتعرض الصحفيون الذين نقلوا الاحتجاجات التي تلت الانقلاب إلى الاستهداف والاضطهاد من قبل الأجهزة الأمنية.
كما نقل التقرير عن شهيرة أمين، المديرة السابقة لقناة النيل، التي تعمل الآن مع قناة "سي إن إن" الأمريكية، قولها إن "الإعلاميين لم يكونوا يشعرون بالتهديد والخوف في عهد محمد مرسي، إذ إنه خلال فترة حكمه لم يتعرض أي صحفي للإيقاف، حتى من بين أولئك الذين كانوا يتحاملون على حكومته وينتقدونها بشدة".
وأضافت شهيرة أمين :"بما أنني امرأة ليبرالية، فإنني أرفض عودة الإسلاميين للحكم، ولكنني في الوقت ذاته أرفض الدكتاتورية الحاكمة الآن في مصر، بالنسبة لنا الصحفيين، فيما يتعلق بحالة حرية التعبير، فإن النظام العسكري أسوأ بكثير من الإخوان المسلمين، وأسوأ من نظام حسني مبارك".
وذكر التقرير في السياق ذاته أن اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، وضعت مصر في المرتبة الثالثة من حيث الخطورة على الصحفيين في الشرق الأوسط، بعد سوريا والعراق، اللتين تعيشان حربا طاحنة.
وأضاف التقرير أيضا أن مصر التي يقبع فيها ما لا يقل عن تسعة صحفيين وراء القضبان، تمثل اليوم سادس أكثر دولة تقوم بسجن الصحفيين.
وقال التقرير إن أجواء الخوف وانعدام الثقة في مصر، دفعت بالكثير من الصحفيين إلى الاكتفاء بالتطبيل للنظام الحاكم، إذ إن كل من يتجرأ على انتقاد الحكومة أو تقديم رواية مخالفة للرواية الرسمية، يتم مباشرة توجيه الاتهامات الجاهزة إليه بأنهم خائن وبأنه عميل مأجور من قبل الأعداء، كما أن انخراط الإعلاميين الموالين للنظام في هذه الهجمات ضد زملائهم، صعب الأمور كثيرا على الصحافة المستقلة.
واعتبر التقرير أيضا أن وسائل الإعلام التي تبث رسائل شعبوية والكثير من المغالطات، سواء كانت هذه الوسائل تابعة للقطاع الخاص أو العام، تقوم بعملية غسيل دماغ ممنهجة للشعب المصري، من خلال بث الدعايات الرسمية، والدفاع عن نظرية المؤامرة، وشيطنة الإخوان المسلمين، والحديث دائما عن القوى الأجنبية التي تريد تدمير مصر.