نشرت صحيفة
لوموند الفرنسية تقريرا، حول موقع أتباع المذهب الإباضي في تونس، في خضم الأوضاع الحالية، خاصة بعد سقوط نظام بن علي، وبروز تيارات دينية متشددة أرادت فرض رؤيتها على المجتمع التونسي.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إن سقوط نظام بن علي في ثورة يناير/ كانون الثاني 2011؛ أثار مناقشات كثيرة وأزمات حول الطريق إلى
الديمقراطية، خاصة من قبل المجموعات السلفية الجهادية، والتي عبرت عن معارضتها عبر أعمال دموية عدة شهدتها تونس.
حيث شهدت تونس العديد من العمليات الإرهابية التي نسبت لمتشددين دينيا، بهدف إزاحة الوجوه البارزة في المجتمع التونسي، مثل المحامي والسياسي شكري بلعيد، الذي قتل في 6 فبراير/ شباط 2013.
كما تم أيضا
اغتيال السياسي محمد البراهمي، النائب في البرلمان عن التيار الشعبي، الذي قتل في 25 تموز/ يوليو، ثم أتت عمليتا متحف باردو وشاطئ القنطاوي بسوسة في هذه السنة، لتكبد قطاع السياحة خسائر كبيرة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في خضم هذا الصراع بين الأحزاب العلمانية كنداء تونس، وحركة النهضة الإسلامية التي لا تتفق مع الحركات المتشددة، وتتمسك بالسير في طريق السلمية والديمقراطية، يوجد في جزيرة جربة تيار ديني يسمى بالإباضية.
وذكرت الصحيفة أن الإباضية، على الرغم من أنها فرقة تعتبر تاريخيا من الخوارج الذين يتبنون فكرة معارضة الحاكم الظالم ورفع السلاح في وجهه، فإنها تتصف اليوم بمميزات تتناقض مع كثير من التيارات الدينية المسلحة في العالم، مثل تنظيم الدولة.
وذكرت الصحيفة أن أصل تسمية إباضية تعود إلى عبد الله بن إباض، ويعود أصل نشأة هذه الفرقة إلى أزمة الخلافة التي نشبت منذ وفاة الرسول(صلى الله عليه وسلم) في سنة 632 ميلادي.
والإباضية في الأساس فرقة من الخوارج، الذين خرجوا على علي بن أبي طالب، الخليفة الرابع للمسلمين، بين سنتي 656 و661، واستقروا في البصرة وشاركوا في عدد من الثورات ضد الحكام السنة في المنطقة.
وذكر التقرير أن الخوارج لهم تصور مختلف عن باقي المذاهب في مواصفات من يحكمهم، فهم لا ينظرون إلى مكانته الاجتماعية أو العرقية أو جنسه، حتى لو تأمر عليهم عبد أسود أو امرأة فهم سيقدمون السمع والطاعة ولكن بشرط الإسلام وحسن التدين والاستقامة.
لكن هذه الصورة قد تلاشت مبكرا، وأدّت إلى انقسامات حادة داخل صفوفهم بين المعتدلين والمتشددين، وخلافات بينهم وبين المذاهب الأخرى، لتخرج من رحم تلك الخلافات فرقة الإباضية.
وقالت الصحيفة إن التصور الديمقراطي للتداول على السلطة والمساواة بين الناس عند الإباضية، جعل العديد من الناس يعتنقون الإسلام، خاصة من سكان بلاد فارس وقبائل البربر في المغرب العربي.
وأضافت لوموند أنه بعد تبني بني أمية، الذين حكموا العالم الإسلامي من دمشق بين 661 و749، فكرة أفضلية المسلم العربي على الأعجمي، أنشأ الخوارج دولا صغيرة، ولكنها كانت سريعة الزوال، أهمها إمارة تاهيرت بالجزائر التي تأسست سنة 776 وسقطت سنة 909، والتي كانت المركز السياسي والفكري والتجاري للإباضية.
وأضافت الصحيفة أن الإباضية اليوم يمثلون أقلية، ويوجدون في جزيرة جربة بتونس ومزاب بالجزائر وبمرتفعات نفوسة بليبيا، ناهيك عن زنجبار بالساحل الشرقي لإفريقيا، وفي سلطنة عمان، الدولة الوحيدة التي بها أغلبية إباضية.
وذكرت الصحيفة أن الإباضية اليوم يرفضون نسبتهم للخوارج، بل يعتبرون أنفسهم النسخة الأصلية لأهل السنة، ويتبنون الإسلام الديمقراطي في رؤيتهم للتداول على السلطة.
وذكرت أيضا أن الإباضيين اليوم منفتحون على مختلف المذاهب والفرق والأديان، فهم يتعايشون في جربة مع السنة المالكية والمسيحيين وحتى مع اليهود، كما أنهم يعتبرون أنفسهم أصحاب التصور الأصلي للإسلام، بعيدا عن التباهي والبذخ، حتى في بناء مساجدهم، التي تتميز بالكثرة في جزيرة جربة والبساطة في معمارها.
كما نقلت لوموند عن سيريل أيليت، المختصة في تاريخ الإباضية، قولها: "هم يرفضون تهميش فكر الإباضية، بل يطالبون بأن يكون لها دور مهم في تجديد العقيدة والإسلام".
وفي الختام أكدت الصحيفة أن شعار التعايش بين الأديان والمذاهب، الذي يرفعه الإباضية، لم يكن حبرا على ورق، بل هو ممارسة واقعية، وذكّرت بالهجوم الذي تبناه تنظيم القاعدة، والذي استهدف يهود جربة عام 2002 خلال موسم حج يهود العالم لمعبد الغريبة، المكان الأكثر رمزية عند اليهود، وعلى الرغم من ذلك مازالت جربة تشهد إقبالا للحجاج اليهود عليها