كتب جوناثان ستيل في موقع "ميدل إيست آي" في لندن تقريرا، محللا فيه الأزمة الكردية، يقول فيه إن زعماء الأحزاب في
كردستان العراق سيحاولون مرة أخرى هذا الأسبوع حل أزمة مستقبل الرئاسة، ولكن القليل منهم يتوقع تحقيق انفراج.
ويقول ستيل إنه بحسب الدبلوماسيين والمحللين المحليين، فإن الصراع على السلطة يقلل من تقة المستثمرين في المنطقة، التي أصيبت بسلسلة صدمات كبيرة؛ جراء تدهور أسعار النفط، وصعود
تنظيم الدولة، وتدفق اللاجئين.
ويشير التقرير إلى أن إقليم كردستان العراق كان جزيرة للأمن قبل عشر سنوات، بينما كانت المناطق العربية من العراق منهكة في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأمريكي والبريطاني، ووصول تنظيم القاعدة ليستغل حالة الاضطرابات.
ويورد الموقع أن إقليم كردستان يبقى أكثر استقرارا من بقية العراق، الذي يسيطر تنظيم الدولة على مساحات شاسعة منه، بينما تعتمد الحكومة المركزية الضعيفة على الميلشيات الشيعية التي تدعمها إيران لوقف مد تنظيم الدولة.
ويستدرك الكاتب بأن الأزمات المتعددة، السياسية والاقتصادية والإنسانية، تتزايد في إقليم كردستان، ولا يبدو أن هناك حلا في المستقبل القريب لهذه الأزمات. مشيرا إلى أن فترة رئاسة زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البرزاني قد انتهت في 20 آب/ أغسطس. ويريد حزبه أن يمدد له، كما فعل في آب/ أغسطس 2013، ولكن الأحزاب الأخرى تطالب بالتخفيف من سلطات الرئيس، والتحول إلى نظام برلماني، بحيث يصبح منصب الرئيس منصبا شرفيا.
ويعلق ستيل بأن هذا المأزق يأتي في الوقت الذي تقع فيه الميزانية تحت ضغط شديد، حيث لم تدفع رواتب كثير من موظفي الدولة ولا قوات البيشمركة على مدى الثلاثة أشهر الماضية. لافتا إلى أن بعض موظفي الدولة قاموا بالتظاهر في مدينة السليمانية في آب/ أغسطس.
ويجد التقرير أن العلاقات مع الحكومة الفيدرالية في بغداد هي أحد أسباب الأزمة. فهناك اختلاف شديد حول مستقبل مداخيل بيع النفط. وكان المفروض أن تدفع بغداد 17% من إيرادات الحكومة لإقليم كردستان، ولكنها لم تدفع شيئا عام 2014.
ويذكر الموقع أن إقليم كردستان حاول في البداية حل المشكلة عن طريق الاستمرار في إرسال النفط إلى بغداد، ولكن حكومة حيدر العبادي أوقفت الدفعات التي كان يفترض أن تدفعها بغداد.
ويبين الكاتب أنه لهذا السبب بدأ إقليم كردستان يبيع نفطه بنفسه خلال الربيع، عن طريق تصديره من
تركيا إلى ميناء جيهان على البحر الأبيض المتوسط، عن طريق سماسرة. مشيرا إلى أنه ليس هناك إعلان للمبالغ الداخلة من بيع النفط، ولا الوجهة النهائية للنفط، ويعتقد أن معظم النفط الكردستاني ينتهي في إسرائيل، حيث تقول بعض التقارير إن إسرائيل تغطي 70% من حاجتها من النفط عن طريق الخام الكردي.
وينقل التقرير عن مصادر نفطية غربية اشترطت عدم الكشف عنها، قولها إن إقليم كردستان العراق يكسب 850 مليون دولار من النفط الذي يصدره عن طريق تركيا. وهذا أقل بكثير من مبلغ 1.1 مليار دولار الذي كان يتقاضاه من بغداد عام 2013، قبل توتر العلاقات بينهما.
ويلفت الموقع إلى أن المبلغ بالكاد يغطي 750 مليون دولار رواتب القطاع العام شهريا. ويقال إن قائمة الموظفين مضخمة جدا؛ لأن المنطقة لا تزال تسودها المحسوبية والعشائرية، حيث يقوم الحزبان الرئيسيان، وهما الحزب الكردستاني الديمقراطي وحزب الاتحاد الوطني لكردستان، بمكافأة المؤيدين بوظائف حكومية.
ويوضح ستيل أن هذه المسؤوليات، بالإضافة إلى ديون شركات النفط التي تعمل في الإقليم، تسببت بارتفاع الدين العام من حوالي الصفر في العام الماضي إلى 20% هذا العام، بحسب البنك الدولي.
وينقل التقرير عن الزميل في قسم "اربيل ثينك تانك" في معهد أبحاث الشرق الأوسط روجر غويو، قوله إن إقليم كردستان قام بمحاولة فاشلة في الحصول على ديون قيمتها خمسة مليارات دولار من البنوك الدولية. مستدركا بأن النسبة المطلوبة في المفاوضات كانت 12%، وهذه أعلى من النسبة التي أرادها العراق، وهي 8%.
ويشير الموقع إلى أن ثقة المستثمرين تأثرت عندما احتل تنظيم الدولة الموصل في حزيران/ يونيو العام الماضي، وبدأ بالزحف نحو أربيل، فهرب الناس بالآلاف، وقام معظم المغتربين
الأكراد بالانسحاب.
ويضيف أنه بعد عدة أيام وليال على قيام أمريكا بقصف التنظيم، تراجع الأخير عن التقدم باتجاه أربيل، وبعد ذلك قامت قوات البيشمركة باستعادة معظم المساحة خارج الموصل، بما في ذلك سد الموصل، الذي كان التنظيم قد سيطر عليه. وتحمي قوات البيشمركة، التي تم تسليحها وتدريبها ثانية، خطوطا يبدو أنها آمنة.
ويستدرك الكاتب بأنه لا تزال هناك حاجة إلى إعادة الاستثمار، حيث تبدو أربيل مثالا كلاسيكيا لمدينة شهدت ازدهارا تبعه إفلاس. وتقف عشرات البنايات التي لم يكتمل بناؤها على أطراف المدينة، حيث الرافعات المعطلة تقف في كل مكان، وحتى التجمعات السكنية، مثل مدينة الأحلام أو الامبراطورية، مليئة بالبيوت غير المؤثثة أو الأراضي التي لم يبدأ البناء فيها بعد. ومولت شركات تركية حوالي ثلاثة أرباع مشاريع البناء.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن تدفق اللاجئين من
سوريا والنازحين من العراق، زاد من مشكلات كردستان العراق. مشيرا إلى أنه يصعب التحقق من الأرقام؛ لأن كثيرا منهم يستأجرون شققا حتى ينفقوا ما لديهم من نقود، ثم يضطرون للذهاب والعيش في مخيمات اللاجئين.
ويذكر الموقع أنه قد يكون هناك مهاجرون اقتصاديون، وقد قدرت الأمم المتحدة عدد الناس المتدفقين إلى إقليم كردستان العراق بـ 132 مليونا، بما في ذلك 210 ألف لاجئ.
ويورد ستيل أن حكومة إقليم كردستان تقول إن عدد النازحين داخليا 1.8 مليون شخص، حوالي 70% منهم عرب من الرمادي والفلوجة وديالا وتكريت وغيرها من المدن التي دخلها تنظيم الدولة.
وبحسب التقرير، فإنه يعتقد أن ما لا يقل عن عشرة آلاف انضموا إلى الهجرة الجماعية نحو أوروبا خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وازداد عدد سكان إقليم كردستان بنسبة 30%، بحسب المسؤولين المحليين، وبعض المدن مثل دهوك تضاعف عدد سكانها.
توتر مع تركيا
ويشير الكاتب إلى الأزمة مع تركيا، فقد أدى انهيار الهدنة بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني إلى إحداث توتر بين أربيل وأنقرة، بعد حوالي عقدين من الانسجام، حيث عادت تركيا إلى قصف قواعد حزب العمال الكردستاني في قواعده في جبال قنديل في العراق.
ويجد الموقع أنه بالرغم من أن العلاقة بين أحزاب كردستان العراق وحزب العمال الكردستاني ليست جيدة، إلا أن المسؤولين الأكراد لا يجرؤون على انتقاد حزب العمال الكردستاني. لافتا إلى أن تركيا والاتحاد الأوروبي يعدان حزب العمال الكردستاني حزبا إرهابيا، إلا أن هذا الحزب مقبول في إقليم كردستان العراق.
وينقل التقرير عن الممثل الأعلى لحكومة إقليم كردستان في لندن كروان جمال طاهر، قوله: "لا يمكن أن تكون إرهابيا إن كنت تحارب تنظيم الدولة".
ويستدرك ستيل بأنه بالرغم من تفجير أنبوب النفط في تركيا خلال الصيف، الذي يتهم حزب العمال الكردستاني بالقيام به، إلا أن كردستان العراق حذرة من عزو الهجوم إليه. وقال رئيس أركان البرزاني، فؤاد حسين: "لا أعرف من فعلها ولا أتهم أحدا". وقال رئيس قسم العلاقات الخارجية في الحزب الكردي الديمقراطي، هيمن حورمي، إن موقع الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني أعلن المسؤولية عن التفجير، ولكنه قال بعد ذلك إن القرار اتخذته قيادات محلية، أي أنه كان خطأ.
ويذكر الموقع أن حورمي وكثيرا من المحللين المستقلين في أربيل يتوقعون أن تعود الهدنة بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، مهما كانت نتائج الانتخابات البرلمانية، التي دعا إليها رجب طيب أردوغان في تشرين الثاني/ نوفمبر. ويقول حورمي: "لن يحقق حزب العمال الكردستاني ولا تركيا شيئا عن طريق العنف أو القوة العسكرية".
وينوه التقرير إلى اعتقاد المسؤولين أن الغارات التي أطلقها أردوغان ضد حزب العمال الكردستاني في قواعده في قنديل هي دعاية انتخابية؛ لكسب أصوات القوميين التركيين، ولتقويض الحزب الكردستاني، الذي حصد 13% من الأصوات في الانتخابات التي أجريت بداية العام.
الازدواجية بخصوص أكراد سوريا
ويذكر الكاتب مشكلة أخرى تتعلق بأكراد سوريا، ويقول إن موقف المسؤولين في إقليم كردستان العراق تجاه حركة الأكراد السوريين المعروفة باسم حزب الاتحاد الديمقراطي، متناقض. مشيرا إلى أنه منذ أن سحب رئيس النظام السوري بشار الأسد قواته من شمال شرق سوريا في 2012، وهو كردي في غالبيته، سيطر الجناح العسكري للحزب عليه، وحقق انتصارات رئيسة ضد تنظيم الدولة. وقام باستعادة مدينتين على الحدود التركية من تنظيم الدولة، مانعا بذلك تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا. والآن يحاول استرجاع مدينة ثالثة في جرابلس.
ويذهب الموقع إلى أن هناك إعجابا صامتا في أربيل بالنجاح الذي حققه الأكراد السوريون، مع أن المسؤولين يؤيدون الأحزاب المنافسة لحزب الاتحاد الديمقراطي. وتقوم أمريكا بتدريب المئات من السوريين الأكراد في معسكرات بالقرب من أربيل؛ لإرسالهم للمشاركة في القتال بسوريا.
ويستدرك التقرير بأن الجهود الأمريكية قد فشلت إلى الآن في إقناع حزب الاتحاد الديمقراطي بتقبل هؤلاء المقاتلين. وكانت آخر محاولة الشهر الماضي بين الرئيس البرزاني ونائب رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي، صالح مسلم، في لقاء رتبه نائب المبعوث الأمريكي للتحالف ضد تنظيم الدولة بريت ماكغورك.
وينقل ستيل عن المسؤولين قولهم إن مسلم استمر في الإصرار على أن يحارب الأكراد السوريون كلهم تحت قيادة قواته. لافتا إلى أن الأكراد السوريين رفضوا ذلك، وبقوا في كردستان العراق.
ويلفت الموقع إلى أن مسؤولين أكرادا كبارا يتساءلون عن جدوى استراتيجية البرزاني في البقاء على علاقة وثيقة مع تركيا، في ظل الشكوك المتعددة حول مستقبل المنطقة برمتها. مشيرا إلى أنه يمكن إغلاق أنبوب النفط لتركيا، الذي يعد شريان الحياة المالية لكردستان في أي وقت، وكذلك يمكن وقف الأموال التي تدفع من خلال البنوك التركية.
ويرى الكاتب أن تصبح كردستان العراق المورد الرئيسي للنفط لإسرائيل أمرا خطيرا جدا في بلد تحيط به بلدان معادية لإسرائيل. ويقول الدكتور محمود عثمان، الذي كان عضوا مستقلا في البرلمان العراقي لسنوات طويلة: "كان على الحكومة الكردية المحلية أن تحل مشكلاتها مع بغداد، بدل اعتمادها على تركيا، كان عليهم التركيز على بغداد وبيع نفطهم عن طريق بغداد. من يمكنه الاعتماد على تركيا؟".
ويجد التقرير أنه بالرغم من إقرار عثمان بوجود مشكلة في التوصل إلى اتفاق مع بغداد، إلا أنه قال: "لم يحاول أحد التعامل بجدية كافية، ولا يزال الاتفاق ممكنا، نحن ضعفاء وبغداد ضعيفة".
ويستدرك ستيل بأن المسؤولين لا يتفقون مع نصائح عثمان، ولكنهم يتفقون معه بتردد بأن إقليم كردستان العراق ليست لديه أوراق قوية ليلعبها.
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى أن التفاؤل السياسي والمالي، الذي كان موجودا قبل عشر سنوات، اختفى. ولا أحد يعتقد بأنه يمكن التغلب على الأزمات الكبيرة التي يمر بها إقليم كردستان العراق في وقت قصير.