القيادات في كل مكان وزمان بشر، وفئات مختلفة، سواء على مستوى الحكم، أو
الأحزاب، أو الجماعات الإسلامية والسياسية، فيهم الصالح والطالح، ليسوا ملائكة معصومة، منهم الممتلئ ومنهم الفارغ.. فارغ الفكر، وفارغ الصفات القيادية، وإليك بعض توصيفات للمتلئين والفارغين منهم.
القيادي الممتلئ يرى كل نقد له، إضافة له ولفصيله، وتصويب لقراراته، أو لتوجهه، ويراه مكسبا وربحا كبيرا يحرص على أن يظل دائم الوجود والطرح، ولذا رأينا معظم القادة الناجحين كلهم حرص على المشورة، والنقد ومراعاة ما ينتقده الناس فيهم، بينما القيادي الفارغ، أو قيادي الصدفة، يحسب كل صيحة عليه، وكل نقد هو تجريح في شخصه، يحيط نفسه بأمثاله من المهزوزين الضعفاء، ويخشى من ظهور أي شخص له كاريزما أو حضور، فهو وأمثاله خطر عليه.
القيادي الممتلئ يرى قوته وقوة حضوره، سواء ظل قياديا أو ترك
القيادة طواعية لغيره، لتدور عجلة الحياة، أما الفارغ فيرى أن الدعوة أو الكيان أو الدولة ستهدم، وستضيع لو تركها، لذا فليس مطروحا في ذهنه أن يكون سابقا، بل عليه أن يظل ممسكا بها، متشبثا بكل ما فيها ومن فيها، من المهد إلى اللحد، يكاد يظن أن حسابه في القبر سيكون أخف لو لقي ربه مسؤولا حاليا لا سابقا، يظن أن القيادة أشبه بذهب أمه الذي لا بد أن لا تورث لأحد إلا بعد وفاته.
القيادي الممتلئ يريد من حوله أقوياء، وأصحاب رأي وحجة، وأخذ ورد، شركاء في
صناعة القرار، وشركاء في تنفيذه، أما الفارغ فلا يريد حوله سوى حملة بخور، وماسحي أعتاب، وكهنة معبد، ليس لهم من الأمر سوى تنفيذه، لا رأي لهم ولا نقاش، صم بكم عمي فهم لا يرجعون.
القيادي الممتلئ يمتلك الشجاعة فيواجه نفسه والجماهير، ويعترف بأخطائه، ويصارح بكل ما لديه، لا يخشى أحدا، ويمتلك شجاعة الاعتذار، ويعرف متى ينزل من سدة الموقع، لأن المرحلة لا تناسبه، ليس شرطا عن خلل فيه، بل لأن الموقف يحتاج دما آخر.
أما الفارغ فهو يضع نفسه في درجة من لا يعتريه الخطأ، فهو مبرأ من كل عيب، لا يخطئ أبدا سبحان الله، فقد تسلم القيادة، فعليه أن يظل فيها، حتى لو ظل قياديا على خرابة، يذكرك بالقصة الرمزية التي مفادها: أن (بومة) أنثى، تقدم لخطبتها (بومة) ذكر، فطلبت البومة الأنثى منه مهرا خرابة كبيرة في البلد التي يعيشون فيها، فقال لها البومة الذكر: يا عزيزتي لا تقلقي ما دام هذا القيادي يحكم فسوف أقدم لك كل مباني البلدة مهرا، لأنه سوف يحولها جميعا لخرابات في أسرع وقت!!
الممتلئ يشغله مشروع كبير، وطموح أكبر، وسعي لتحقيق نجاحات كبيرة تناسب نفسه الكبيرة، يريد الانتقال من نجاح إلى نجاح، ومن خطة لخطة، أما الفارغ فلا يملك سوى مطاردة من يخالفونه، خاصة لو كانوا من أصحاب المواهب والعطاءات المتعددة، ولا يملك سوى طعنهم في ظهورهم بكل خسة ونذالة، يعطيهم من طرف اللسان حلاوة، ينطبق عليه قول المثل: في الوش مراية، وفي القفا سلاية. فالصفات كثيرة، لكني ركزت على بعضها، نظرا لعدم الإطالة.
سؤال وجيه: قد يبدو في نهاية مقالي تساؤلا مهما هنا: كيف نعرف القيادي أو المسؤول الممتلئ من الفارغ؟ سؤال وجيه وإجابته سهلة، القيادي الممتلئ هو من سيقرأ هذا المقال أو غيره، ويراه رأيا جديرا بأن يقبل أو يناقش، ويبحث عما فيه من صفات حسنة فينميها، وما غاب عنه فيتخلق به كي يزداد امتلاء.
أما الفارغ وبالطبع معه الأتباع الفارغون، فستراهم يضيقون ذرعا بمثل هذا الكلام، وربما بادروا بالاتهامات الجاهزة المعلبة، وستراه ينفذ كل المواصفات التي ذكرتها مع من يؤمن بمثل هذه الأفكار كذلك، موهما نفسه أنه وحده الممتلئ وما سواه فهو الفارغون!!