قضايا وآراء

تقسيم سوريا والتقسيم المضاد

ملهم الأحدب
1300x600
1300x600
منذ بدأت موجة الاحتجاجات ضد نظام الأسد في مدينة درعا الجنوبية، صاحبتها صيحات تحذر من بداية مشروع لتقسيم سوريا، وتفتيتها وفق أبعاد طائفية ودينية وعرقية.

وكانت صورة العراق بعد الاحتلال الأمريكي حاضرة في كل حديث حول تقسيم سوريا وضياع مستقبلها.

في البداية لم يؤرق الأمر الثوار أبدا، حيث إن الاحتجاجات كانت سلمية والهدف منها كان إصلاح ما أفسده النظام، وبناء حياة ديمقراطية تعددية بعيدة عن أعين الأجهزة الأمنية، ولم يكن السلاح حاضرا، ولهذا كان صعبا تطبيق الأجندات الغربية المتوقعة.

وهنا لا بد من توضيح فكرة مهمة بشأن المخططات الغربية ونظرية المؤامرة، فنحن وإن نفينا نظرية المؤامرة بشكلها الساذج، فإننا لا ننفي وجود مخططات تختص بأحداث معينة إما حفاظا على المصالح أو منعا لبروز أطراف قد تشكل إزعاجا للنظام الدولي القائم.

مع عسكرة الثورة وتراجع الحل السلمي شيئا فشيئا، عادت مخاوف التقسيم تظهر من جديد، والحقيقة أن التقسيم بحد ذاته ليس عيبا، فالثورات أسقطت مفهوم الدولة، والدولة العربية الحديثة "ما بعد الاستعمارية"، ليست دولة صاحبة تراث مؤسسي حقيقي إنما كانت في الغالب ولاية تتبع مركز.

تقسيم الجغرافيا أو الديمغرافيا يأتي بعد انهيار المنظومة الجامعة لهما، فالأمة الإسلامية باختلاف أعراقها انقسمت على نفسها بعد سقوط مؤسسة الخلافة التي كانت تجمعهم، والأمر مشابه بالنسبة للدول "ما بعد الاستعمارية" فانهيار منظومة "القانون" وإن كنت أعترض على هذا الاسم في دولنا، هو البداية لتقسيم المجتمع لحين عودة شرعية أخرى تجمع المفتت.

إذن فالتقسيم أمر حاصل، ولكن الاختلاف على الكيفية، فالتقسيم الذي سيحافظ على وحدة المجتمع ومستقبله أو التقسيم الذي سيحاول الحفاظ على مستقبل وأمن الاحتلال الإسرائيلي وحدوده.

ما هو التقسيم المتوقع لسوريا؟!

في الواقع وكما هو معروف تتمتع سوريا بأطياف متنوعة من الأعراق والأديان إلا أن الأغلبية هي للمسلمين السنة، وتحتفظ الأقليات الأخرى بما يشبه الأقاليم الخاصة فيها، فالعلويون على سبيل المثال يسكنون جبال الساحل منذ مئات السنين، فيما يقطن الدروز منطقة السويداء وأجزاء من سهل حوران ولبنان وشمال فلسطين، كما يعيش الأكراد وهم يتفرعون كذلك لطوائف دينية في الشمال الشرقي تقريبا بالقرب من مناطق الأكراد في تركيا والعراق.

فعليا وكما نظرة مراكز الدراسات الغربية فإن الأسهل منطقيا هو التقسيم وفق العرقية والدين، أي أن الأكراد لهم إقليمهم والعرب السنة لهم إقليمهم والعلويون لهم إقليمهم وكذلك الدروز.

إلا أن هذا التقسيم سيكلف السوريين فيما بعد ثمنه دماء باهظة، فإذا ما قامت قوة وطنية سورية لإعادة توحيد كل هؤلاء ضمن دولة واحدة فإن الحرب الناشئة ستكون دينية طائفية بامتياز، وسيكون إفناء الآخر الوصف الأدق برأيي.

كما أن وجود دويلات مثل الدويلة العلوية والدويلة الدرزية المفترضتين، سيؤسس لكيانات غريبة جديدة في المنطقة، فالاحتلال الإسرائيلي هو كيان غريب عن المنطقة، والغربة بمعنى أنه لا يشابه المنطقة من حيث الدين واللغة، وكذلك هاتين الدولتين ستكونان كيانين غريبين من الناحية الدينية، ما يزيد من خطورة الحرب الدينية في المستقبل.

وهنا يتبين أن هكذا تقسيم هو خطر على المنطقة برمتها الذي سيدخلها في نزاعات لا مفر منها لاحقا.

هل يمكن تقسيم البلاد بطريقة أخرى أقل كلفة في المستقبل؟

حقيقة ترهقني فكرة أننا نسير إلى حتفنا بإرادتنا دون أي وعي أو تبصر بمستقبلنا، ودون أي محاولة للتغيير، ففرضية التقسيم هذه أصبحت حقيقة قبل وقوعها في العقلية العربية.

أحاول ومنذ فترة أن أجد تقسيما سياسيا لا مذهبيا، وبرأيي أن التقسيم السياسي من الممكن الوصول إلى اتفاقات مصلحية فيه تنهي الأزمة في حينها، أما الحروب الدينية فإنها لا تبقي ولا تذر.

الصيغة الأنسب برأيي تكمن في تحييد الجانب المذهبي من التقسيم، فمثلا القوى السنية هي الجانب الأقوى بعد سقوط نظام الأسد فعليا وهي الأقدر على فرض سيطرتها على القطر بكامله، ولكنها في المقابل مقبلة على تنازع عسكري لفرض الأفكار والشرعية وربما تصفية الحسابات.

فالقارئ لوضع المعارضة السورية سيستنتج أن هناك حربا مؤجلة مثلا بين جبهة النصرة وجيش الإسلام على الأقل في الغوطة الشرقية، كما من الممكن أن تمتد المواجهات لفصائل أخرى في حالات التحالف فيما بعد.

إلا أن سيطرة هذه الجماعات على التراب السوري وعلى مناطق الأقليات قبل مناطق الأكثرية هو الأنسب، وسآتي لتوضيحها، ولهذا أحسب معركة الساحل أهم من معركة دمشق، فدمشق هي تحصيل حاصل، فسكانها لا يملكون نزعة انفصالية بعكس الآخرين.

الخلاف بين المكونات العسكرية السنية هو سياسي عقدي فكري، ولكن وإن كثرت النزاعات بينهم، فإن وجود صيغة توافقية هو أمر أسهل منه في حالة الإصلاح بين أديان مختلفة.

ماهي الصعوبات التي ستواجه هذا السيناريو؟

إن أول الصعوبات تكمن في أن مصدر السلاح هو الخارج، والخارج هو صاحب أجندة قد تخالف رغبات الثورة ما يعني أن بداية معركة مثل معركة الساحل قد يقطع عن الثوار الإمداد، وهنا نفترض أن الثوار وبعد أربعة أعوام قد تمكنوا من القدرة على المناورة واستيعاب لحظات قطع الإمداد من خلال استراتيجيات معينة.

إضافة إلى هاجس التسليح فإن الدول الإقليمية كلها تمتلك مشاريع معينة منها ما هو تمددي توسعي مثل إيران، ومنها ما يهدف إلى إيقاف كل ما له صلة بالثورات مثل الأنظمة العربية عموما.

ومعظم هذه الدول تتحكم في التشكيلات الموجودة حاليا من خلال الدعم المالي والغطاء السياسي، ما يجعل التفاوض لاحقا أمرا مزاجيا يعتمد على مصالح الأطراف الخارجية.

ختاما ، لا بد من التنويه إلى أن هذا السيناريو وإن كان ضعيفا وصعب التطبيق إلا أنه يفتح الآفاق لأفكار اكثر توازنا تمنع الثورة السورية من الدخول في نفق لا يُعلم نهايته.

لا بد من استشراف المستقبل ودراسته والبحث عن حلول للمشكلات التي ستأتي لاحقا، فالاعتماد على التحليلات الآنية هو ما أنهك الربيع العربي وشعوبه وأدخلهم في متاهات الألعاب الإقليمية والدولية دون حلول.
التعليقات (0)