كتاب عربي 21

السبسي وقانون العفو على نفسه

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
من المفارقات التي نواجهها الآن أن مهربين ينقذون ديوانيين يتعرضون لعمليات إرهابية (مثلما حدث في المنطقة الحدودية التونسية الجزائرية منذ أسابيع)، وأمنيون يهربون عبر المعابر الرسمية عملة صعبة على متن سيارة ليبية (مثلما حدث منذ أيام)، وفي المقابل فإن الحل الذي تدفع تجاهه الحكومة: ساتر ترابي عازل مع ليبيا وقانون العفو على فساد الموظفين العموميين. 

راج منذ أيام فيديو لعون في شرطة الحدود يختلس ألف يورو من حقيبة سائحة فرنسية في مطار جربة التونسي ويقع تصويره في فيديو متوسلا بعدم فضحه. موضوع الاختلاسات في المطارات أصبحت روتينية والحقيقة لا يمكن أن نلومهم فيها. فعندما يعطي أكبر موظف عمومي أي رئيس الدولة المثل بمشروع قانون يطبع الفساد والسرقة ويقننها، لا تلم حينها بقية الموظفين العموميين. والأهم أن القانون يمكن أن يشمل رئيس الجمهورية نفسه إذا تقدمت شركة المحاماة التي أسسها مع شقيقه بطلب للجنة المصالحة التي سيشرف على تعيينها. 

فلا يجب أن ننسى هنا أن أهم فصول مشروع "قانون المصالحة" يتعلق بـ: "عفو تشريعي غير مشروط على الموظفين العموميين وأشباههم ممن يواجهون ملاحقات قضائية، من أجل أفعال تتعلق بالفساد المالي وبالاعتداء على المال العام باستثناء تلك المتعلقة بالرشوة وبالاستيلاء على الأموال العمومية." وهذا ينطبق مثلا على القضية التي تتعلق بمكتب محاماة "قائد السبسي وشركاؤه" وإحدى شركات صهر بن علي سليم شيبوب "أناداركو" المتخصصة في الاستكشاف والتنقيب النفطي (ولديها ترخيص "برج الخضراء"). قضية تتعرض لتعتيم متواصل التي لا تزال في التحقيق في "القطب القضائي المالي" أمام إصرار المتضررين خاصة منهم مواطنين كنديين على كشف خيوطها. 

يمكن التذكير هنا باختصار ما يخص القضية بناء على ما تم نشره في موقع "نواة" في جوان 2013 وأيضا نوفمبر 2014 "السبسي – شيبوب: علاقات من الذهب… الأسود". ومثلما تقول مقدمة أحد المقالات: "يوم 14 مارس 2011 تم سن قانون من أجل مصادرة أملاك زين العابدين بن علي و المقرّبين منه. من بين المعنيين بالقانون نجد سليم شيبوب، صهر بن علي. تفعيل قانون المصادرة لم يمنع أسهم سليم شيبوب في شركة « Voyageur Oil & Gas » من الإفلات من المصادرة… بحثنا الاستقصائي في قضيّة الحال مكّننا من اكتشاف مجموعة من المعطيات المثيرة. يعود للقضاء الفصل بين ما هو من قبيل مخالفة القانون، و ما هو من قبيل التّهرّب الضريبي أو ماهو من قبيل استغلال النفوذ أو ما هو من قبيل الفراغ القانوني الذي يترك المجال مفتوحا للمساس بالاقتصاد و الحوكمة الرشيدة و مؤسّسات الدولة." 

ويواصل المقال: "المثير للصدمة هنا هو أنّه و لتاريخ 09 ديسمبر 2011 لم يكن هنالك شركة في تونس مسجلة بهذا الاسم، يجب انتظار أربعة أيام بعد نشر المرسوم بالرائد الرسمي الذي بموجبه تم تفعيل التحويل ليحصل التسجيل الفعلي للشركة بسجل الشركات بتونس، وبالتحديد يوم 13 ديسمبر 2011. الإشهار بالرائد الرسمي تم لاحقا في عدد 7 بتاريخ 17 جانفي 2012 والذي بموجبه أعلن رسميا عن تأسيس فرع شركة Anadarko Tunisia Beks Company بتونس. في الإعلان نفسه نجد أن الممثّل القانوني للشركة في تونس هو صلاح الدين السبسي شقيق الباجي قايد السبسي، الذي كان يشغل منصب الوزير الأول في فترة نشر المرسوم المعني. كما نجد أيضا أن الشركة اسّست في نفس عنوان مكتب المحاماة « CAID ESSEBSI & PARTNERS » و ذلك لحدود شهر جويلية 2012. مستشار شركة « CAID ESSEBSI & PARTNERS » ليس إلّا الباجي قايد السبسي نفسه، الوزير الأول حينها و الزعيم الحالي لحركة “نداء تونس”." 

فهل سيقدم مكتب "قائد السبسي وشركاؤه" بطلب "صلح" للجنة المصالحة التي ستعينها حكومة قائد السبسي؟ 

الجدال الحقيقة ليس حول المصالحة الاقتصادية لأن المصالحة موجودة في قانون العدالة الانتقالية، ولكن رئيس الجمهورية تجاوز ذلك في الإطار والصياغة. كان على رئيس الدولة تجديد قانون الطوارئ بما يتماهى مع الدستور عوض الإعتماد على قانون 26 جانفي 1978 وهي من مهامه الرئيسية كقائد أعلى للقوات المسلحة ومعني بالأمن في البلاد. وحل الأزمة الناتجة عن الإرهاب باعتماد الأموال العائدة من المصالحة مقاربة خاطئة قسمت التونسيين  فلن يتحسن مناخ الاستثمار بناء على ذلك. في المقابل العدالة الانتقالية تشجع الاستثمار بمقاومة الفساد، وسيتم بذلك تحسين مناخ الاستثمار بتطبيق القانون، وهو عكس ما جاء به مشروع قانون المصالحة بتمييز جزء من المواطنين على جزء آخر.

بعد عمليتي باردو وسوسة الإرهابية تقوم رئاسة الجمهورية بمبادرة مثيرة للجدل من خلال قانون يضرب الوحدة الوطنية ويقسم الشعب التونسي، وإضافة لذلك يقع استعمال قانون طوارئ قديم يرجع لسبعينيات القرن الماضي (ويخص المسيرات والإضرابات الاجتماعية)، في وقت كان يستطيع فيه الفريق القانوني لرئاسة الجمهورية أن يشتغل على قانون طوارئ جديد وليس قانونا قديما؛ اذ إستعمال هذا القانون هو موجه للتحركات الاجتماعية وليس لمكافحة الإرهاب كما حصل في مظاهرة "منيش مسامح" المعارضة للقانون، واعتصام الفلاحين المتضررين من الكساد الحالي منذ أيام. 

وهنا فإن تصريحات ممثلين عن الحكومة تزيد في هذه الشكوك، مثل التصريح الأخير للمكلف بالعلاقات مع الإعلام في وزارة الداخلية حول مسيرات هذا الأسبوع: "إن الأبحاث أثبتت وجود عمليات اختراق لمثل هذه التظاهرات من قبل الجماعات المتطرفة للخروج بها عن غاياتها".

والحقيقة في ملف الإرهاب لا توجد مؤشرات على مقاربة استراتيجية جدية؛ إذ يتواصل تأجيل المؤتمر الوطني لمكافحة الإرهاب (من آخر سبتمبر إلى آخر أكتوبر هذه المرة)، والأهم من ذلك ليس واضحا كيف يتم التحضير للمؤتمر، والأرجح أننا سنكون إزاء مؤتمر سياسوي خطابي وليس إزاء مسار سيؤدي بمخرجات لخطة استراتيجية، تسمح بسياسات منسقة وعقلانية تصل بنا إلى تقويض الظاهرة. 

ولا يمكن أن نستغرب هنا من قلق الولايات المتحدة من سياسة الحكومة التونسية في هذا الملف؛ إذ عبرت مصادر من البنتاغون للجريدة الإيطالية "كورييري ديلا سيرا" هذا الأسبوع عن عدم ثقتها في سياسات مقاومة الإرهاب حكومة الرباعي الحاكم، خاصة المقاربة التي تركز على الساتر الترابي مع ليبيا وتقلل من المصادر الداخلية للإرهاب.  

بالعودة إلى ما ذكرته أعلاه فإن الجهاز الأمني سيبقى إزاء وضع ابتزاز من سلطة توظف الإرهاب والأمن لتمرير أجندات خاصة، عوض الدخول في مرحلة إصلاح شاملة وربما موجعة في مصلحة مبدأ "الأمن الجمهوري" والدولة الديمقراطية ومقاومة الإرهاب. وربما من الأمثلة الكاريكاتورية على ذلك ما ذكره أحد المسؤولين في نقابة امنية لأحد الصحف التونسية حول بناء مركز امن بالقرب من منزل قيادي في احد أحزاب التحالف الحاكم وأحد وزراء الحكومة: "الهدف من بناء مركز الأمن وتجهيزه بالتجهيزات اللازمة، هو توفير الحماية الأمنية للوزير الذي سيكون أبرز مستفيد من هذا المركز الأمني، الذي سيتم بناؤه قرب منزله". 

فالسبسي أصدر قانونا للعفو عن نفسه وخاصته والوزير يطلب مركزا أمنيا لحراسته، وبهذا المعنى نحن إزاء مزرعة خاصة وليس دولة. حيث من المفترض أن تكون أجهزة السلطة في خدمة الصالح العام، وليس الصالح الخاص. 
التعليقات (2)
KHAMOUSS
الأربعاء، 09-09-2015 01:00 ص
PLUS LACHE QUE TOI : N'EXISTE PAS § UNE PROSTITUEE QUI PARLE DE VERTU, DES BONNES MOEURS ET DE CHASTETE
جعفر محمود الاكحل كاتب واعلامي وقيادي بنداء تونس
الأحد، 06-09-2015 03:27 م
اريد باستمرار ان ارصد تحركات هذا الاخمق الماكر والانتهازي واقول له ولكل الناس بخصوص مروع قانون المصالحة... لا بد لكي نفهم الام ابعاده ومنطلقاته هناك مقدمة لا بد منها وتتمثل في مقارنة بين سلطة اتريكا ومنها حزب المؤتمر المندثر وبين السلطة الحالية... فالاول تعاملت مع ملف رجال الاعمال بمنط الاتزاز والنهب وتخويف هذه الفئئة وارهابها حتى ياخوا منهم ما اخذوه وسياتي يوم قريب لنشر قائمة باسما هؤىء التجار والصناعين واسماء من ابتزهم فتكون المحاكمات الادمة لهؤلاء .. هناك نصل الى تقدير الرجال رجال الدولة للمهام التاريخية فمن الافض حل المشكلة والاستفادة من اموال وخبرات هؤء او الاكتفاء سبرقتهم واتزازهم والله انت لا تخذل يا ولد ابن ابي كحلاء ولكن بيني وبينك ان تكون من بين الاسماء التي ابتزت وسنريك الندوم في القيلولة