اقتصاد دولي

عجز ميزانيات دول "الأوبك" يرهقها ويرعبها الكساد العالمي

أي رفع لأسعار النفط سيؤثر سلبا على الاستثمارات في دول الخليج- أ ف ب
أي رفع لأسعار النفط سيؤثر سلبا على الاستثمارات في دول الخليج- أ ف ب
قالت صحيفة "ميدل إيست أي" إن العجز في ميزانية دول "الأوبك" يرهقها وترعبها إرهاصات الكساد المالي، وأصبح منتجو الطاقة في الخليج يراقبون بقلق تراجع الإقتصاد الصيني.
 
وذكرت صحيفة "ميدل إيست أي" أن الدول المصدرة للنفط تدرك أن أي تحرك تقوم به لرفع أسعار النفط سوف تكون له تداعيات على سمعتهم الإستثمارية على المستوى العالمي.

وأضافت الصحيفة في تقرير لها، أن "أوبك" حينما رفعت أسعار النفط في منتصف السبعينيات، لم يكن اسم الصين واردا "ولا حتى بشكل عابر في أي من الاجتماعات التي كانت تعقدها المنظمة أو حكومات البلدان الغربية التي كانت تكابد بسبب تبعات ما حدث".

وتستدرك الصحيفة بأن القلق بشأن تراجع النمو في الاقتصاد الصيني أدى "إلى حالة من الهلع في أسواق الأسهم في منطقة الشرق الأوسط وفي الأقطار الغربية، وأسفر عن ذلك مزيد من التراجع في أسعار النفط التي كانت قد انخفضت أصلاً إلى مستويات غير معهودة منذ الإنهيار الذي تعرض له الإقتصاد مؤخراً".

وهو ما شكل مأزقا في غاية التعقيد بالنسبة لمنتجي النفط في الشرق الأوسط، الذين يدركون أن أي رفع لأسعار النفط سيؤثر سلبا على سمعتهم الاستثمارية على المستوى العالمي.

وجعلت الإنخفاضات الأخيرة في أسعار النفط، ميزانيات الدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط، تكاد تصبح بلا معنى، فوزراء النفط في هذه البلدان تعودوا على إجراء تقييم لأسعار النفط والعائدات الناجمة عنها، وفي معظم الأعوام يكون متوسط سعر النفط الفعلي أعلى مما نصت عليه الميزانية، مما يجعل الأمر يبدو باعثا على التفاؤل.
 
وذكرت "ميدل إيست أي" أن ميزانيات دول "الأوبك" لعام 2015 كانت "قد أخذت بالاعتبار انخفاض أسعار النفط في العام الماضي إلى النصف، وبقائها مستقرة حول معدل 110 دولار أمريكي للبرميل الواحد ما بين 2010 و2015". وقدر الاقتصاديون بأن "ميزانية المملكة العربية السعودية لعام 2015، وضعت بناء على تقدير يرى بأن متوسط سعر البرميل سيكون حوالي 60 دولارا أمريكيا".
 
 وبعد الأزمة الصينية، يضيف التقرير، "فقد تبدل المزاج وصار الناس الآن يتحدثون عن مدى ما ستنخفض إليه الأسعار، وبعضهم ذهب يتنبأ بأنها قد تنخفض إلى 30 دولارا أمريكيا للبرميل الواحد".

وهو ما سيكون له تداعيات كبيرة على جميع الدول المنتجة للنفط والتي ما تزال تعتمد في ميزانياتها بشكل كبير على العائدات من هذا القطاع. ولذلك، "كان سعر 110 دولار للبرميل حرجا في هذا السياق حتى منتصف العام الماضي"، يقول التقرير.
 
وبحسب "دويت شبانك" وصندوق النقد الدولي فإن هذا صحيح في منتصف المستوى الذي تحتاجه الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط حتى تحافظ على فائض في ميزانياتها. "وهو أعلى بقدر طفيف جداً من سعر 104 دولار للبرميل الذي تحتاجه المملكة العربية السعودية، وهو أدنى بكثير من سعر 184 دولار للبرميل و سعر 131 دولار للبرميل، التي تحتاجها كل من ليبيا وإيران على التوالي. إلا أنه أعلى بقدر مريح من المستويات التي تحتاجها كل من الإمارات (81 دولاراً للبرميل) والكويت (78 دولاراً للبرميل) وقطر (88 دولاراً للبرميل)".

واستنتج التقرير إلى أنه يمكن "تحمل العجز في الميزانيات على المدى القصير، وخاصة أن دول الخليج لديها احتياطيات نقدية وصناديق مالية سيادية تقدر قيمتها بعدة تريليونات من الدولارات".
 
الاختلال بين العرض والطلب كانت تستجيب له دول "الأوبك" سابقا، خاصة السعودية، من خلال خفض الإنتاج، والذي كان ينجم عنه بالتدريج عودة التوازن ما بين العرض والطلب وتمكين الأسعار من العودة إلى المستويات التي كانت مشهودة حتى الصيف الماضي.
 
لكن دول "الأوبك" اليوم، تستمر في ضخ النفط، الأمر الذي يُبقي الأسعار متدنية، "وبذلك تتوجه الأنظار نحو المملكة العربية السعودية، الدولة الأكبر إنتاجاً، والتي طالما اعتبرت النفط سلعة استراتيجية" يقول تقرير الصحيفة.
 
رغم أن موقف المملكة العربية السعودية بشأن هذه القضية يتسم بالغموض، "إلا أن ذلك لم يوقف المضاربين عن التخمين، حيث قال بعضهم إن هدف المملكة هو السعي إلى معاقبة روسيا، التي تعتمد بشكل أساسي على موارد النفط، بسبب دعمها لنظام بشار الأسد في سوريا، وقيل أيضاً إن المستهدف هو إيران التي تحتاج إلى مستوى أعلى من الأسعار مقارنة بالسعودية حتى تسد العجز في ميزانيتها".

فيما "يقول آخرون إن المملكة تتلاعب بالأسواق حتى تقضي على المنافسة، وخاصة من منتجي النفط الحديثين"، حتى يضطر ارتفاع الأسعار بعض المنتجين إلى الخروج من القطاع.

وفسرت "ميدل إيست أي"  تقبل دول "الأوبك" بالتعايش مع الأسعار المتدنية للنفط، بأن "هذه الدول باتت الآن جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي بحيث أن أي إجراء قد يدفع العالم نحو حافة الكساد الاقتصادي، وهذا بالضبط ما يمكن أن ينجم عن رفع أسعار النفط، سيؤدي بالتالي إلى إلحاق أضرار جسيمة بالاستثمارات في منطقة الشرق الأوسط".
 
وقال تقرير الصحيفة إن الوضع كان مختلفاً تماماً في سبعينيات القرن العشرين، "حينها كانت خيارات الغرب محدودة جداً، ولم يكن بوسعه إلا أن يدفع الأسعار الأعلى التي كانت تطالب بها منظمة "الأوبك"، وكانت معظم العائدات يعاد تدويرها على شكل أدوات مالية في الولايات المتحدة وفي أوروبا، حيث كانت معدلات الفائدة المرتفعة توفر لها حماية من تأثير التضخم ويسندها في مكاسبها البترودولار".
 
وأضافت "في الماضي، عندما حاولت الشركات الدولية بيع منتجاتها في الأسواق العربية، وجدت قوانين توجب عليها أن يكون لها شركاء محليون، وتلك هي الأسس التي بنت عليها العائلات التجارية الكبرى في منطقة الخليج ثرواتها إذ أنها تجني 51 بالمائة من أرباح كل مشروع يجري تنفيذه بالاشتراك مع شركة من الشركات الغربية، رغم أن ما يقدمونه لا يتعدى في بعض الحالات مجرد فتح الباب، أما الشركات الأجنبية لتدخل السوق المحلية".
 
أما اليوم، تستدرك الصحيفة "فالوضع مختلف تماماً. لقد عمدت الحكومات وصناديقها المالية والمواطنون بصفتهم الشخصية إلى استثمار معظم ثرواتهم في التجارة وفي العقار وفي الصناعات حول المعمورة، وحتى حينما يستثمرون في المنطقة، على سبيل المثال في السياحة، والفنادق، والمجمعات التجارية والمناسبات الرياضية، فإن ربحيتهم تعتمد إلى حد بعيد على الشركات الدولية وعلى الزائرين الأجانب".

 وأوضحت الصحيفة أن سوق العقارات سيتأثر إذا تحول عدم اليقين الحالي إلى كساد خطي، وبينت أنها سوق تزداد جاذبيتها بالنسبة للمستثمرين من الشرق الأوسط، الذين يرغبون في أن تكون استثماراتهم منسجمة مع أحكام الشريعة الإسلامية. واستدل التقرير بأحد التقديرات الذي يرى أن المستثمرين من الشرق الأوسط يستعدون لاستثمار ما يقرب من 180 مليار دولار في أسواق العقار العالمية خلال العقد القادم.

"يقول المستثمرون في سوق العقار إن اهتمام الصينيين بشراء العقارات في دبي زاد بشكل كبير، موازاة مع تنامي العلاقات التجارية بين البلدين. أما وقد دخلت الصين الآن في حالة من الكساد، فإنه يخشى أن يكون لذلك تداعيات على هذه العلاقة"، يقول التقرير.

وخلص التقرير إلى أن "كل هذا يعني أن وضع الاقتصاد العالمي يهم صانعي السياسة في الشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضى. وقد نجم عن الانهيار العالمي الذي حصل في عامي 2007 و2008 درس ناجع مفاده أنه لا يوجد مكان واحد في العالم محصن ضد تبعات الركود العالمي".
التعليقات (0)