"محمد منير مجاهد"؟!.."محمد منير مجاهد"؟!.."محمد منير مجاهد"؟!
بدا اسم الرجل ليس غريبا علي، وأنا أقرأ "بيان الاسترحام" الذي كتبه متوجها به لـ "السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي"، يطلب منه في "توسل" بالغ، أن يفتح التحقيق في قضيته، بعد أن جرى استبعاده من وظيفته كمدير لموقع "الضبعة النووي"، الذي استبعد منه – بحسب قوله - بـ "أوامر سيادية" نظرا لوجود تحفظات أمنية على شخصه!.
عندما قلت لزميل: من هو "محمد منير مجاهد"، الذي يتملكني إحساس بأنني أعرفه لكن الذاكرة، "جار عليها الزمن"، فلم تسعفني مع بذلي محاولات كثيرة لذلك؟ فقال لي إنه زوج "صفاء زكي مراد". وهي محامية وكريمة لليساري المناضل الراحل "زكي مراد". وهنا تذكرت الرجل الذي لم أكن أعلم أنه نائب رئيس هيئة المحطات النووية ومدير محطة الضبعة.
فقد برز اسمه على سطح الأحداث، عندما شكل حركة "
مصريون ضد التمييز" قبل عدة سنوات، وكان أول عمل لها هو الدفاع عن البهائيين، وهذا هو ميدان النضال المجاني، الذي لجأ إليه كثير من أهل اليسار بعد تقاربهم مع نظام مبارك، وتخليهم عن النضال الحقيقي في مواجهة الاستبداد والتبعية، وكانت البداية بإعلان أنهم البديل الثالث في مواجهة الإسلاميين والسلطة، قبل الاعتراف بأن البديل الثالث هذا في حالة زواج متعة مع البديل الأول، الذي يحمي البلاد من مغبة البديل الثاني.
كان مقررا أن يعقد مؤتمر الدفاع عن البهائيين، في إحدى قاعات نقابة الصحفيين، لكن جرى إغلاق الباب في وجه القوم، وتم منع عقد المؤتمر بقرار من بعض الصحفيين تزعمهم "جمال عبد الرحيم" عضو مجلس النقابة، والسكرتير العام حاليا، ودار لغط كبير، نتج عنه أن أحال النقيب "مكرم محمد أحمد" الزملاء الذين منعوا انعقاد المؤتمر للتحقيق، ثم نام الموضوع برمته.
في اليوم نفسه، فتح حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي قاعته الرئيسية، وعقد المؤتمر به، ولم نسمع ذكرا لحركة "مصريون ضد التمييز" بعد ذلك، وباتت كما لو كانت حركة "الموضوع الواحد" والندوة الواحدة، وكان طبيعيا ألا يجد اسم الرجل مكانه في ذاكرة مثقلة بالأحداث الجارية، وعندما قرأت "بيان الاسترحام" الذي توجه به إلى "عبد الفتاح السيسي" كان علي أن أحاول تذكره بالاستعانة بصديق.
"محمد منير مجاهد"، من القيادات اليسارية الطلابية المناضلة في السبعينات، قبل أن ينجح نظام مبارك في إدخال اليسار بكل فصائله في حظيرته، ومن لم يعجبه هذا فقد انشغل بمعاشه، إلى أن بدأت مصر تململ مع منتصف سنة 2004 من حكم مبارك، فبدأت العافية تدب في أوصال بعض اليساريين، وهناك من حرص منهم على العودة للمشهد دون مجازفة، فأصدر عدد منهم صحيفة "البديل" التي سرعان ما فشلت ماليا وأغلقت، وشارك بعضهم في حركات التمرد كـ "كفاية وأخواتها"، وعندما قامت الثورة، شارك "مجاهد" في تأسيسي حزب "التحالف الشعبي الاشتراكي"، ويشغل إلى الآن "عضو اللجنة المركزية للحزب" به.
"التحالف الشعبي"، هو حزب يساري، انحاز للانقلاب العسكري في 3 يوليو، ولا يزال إلى الآن يؤيد "السيسي" ويدافع عن حكمه، ويتعلق في حبال الوهم، مع أن من قياداته من هتفوا في السابق ضد حكم العسكر، ومنهم من بلغ به السعي إلى إنهاء مرحلة الحكم العسكري التي بدأت بحركة ضباط الجيش في سنة 1952، إلى الطلب في حركة "كفاية" التوقف عن رفض التوريث، لأن "جمال مبارك" وحده هو القادر على إنهاء هذه المرحلة، لدعم والده له.
الأمر اختلف الآن، وصار الذين هتفنا خلفهم قبل الثورة، وإبان حكم المجلس العسكري بعدها، بسقوط حكم العسكر، هم مع الانقلاب العسكري الحاكم الآن بـ "الباع والذراع"، وبعضهم ينضم للحزب الذي شارك "محمد منير مجاهد" في تأسيسه ويشغل موقع عضو اللجنة المركزية به، ولهذا فقد فوجئ بإقالته من موقعه المهم بناء على "أوامر سيادية" نظرا لوجود تحفظات أمنية عليه. ويبدو أنه شغل هذا المنصب في السابق رغم انتماءاته السياسية، لأنه من "يسار أهل البيت" القريب من دوائر الحكم.
لم تمثل لي عملية الإبعاد هذه مفاجأة، لأني قرأتها في سياقها، وإن كانت المفاجأة جاءت في تعامل صاحب "بيان الاسترحام" مع التقارير الأمنية، والأوامر السيادية، على أنها تسقط الثقة والاعتبار، وتمثل إدانة له في محيط أسرته وأطفاله، الذين لم يترك لهم سوى سجل وطني ناصع البياض. أو كما قال في بيانه.
عندئذ استفسرت من صديقي اليساري عن سبب "وصلة الشحتفة" هذه، ذلك بأن التقارير الأمنية لا تسيء للنزاهة أو الكرامة الوطنية، ولا تحط من القدر، ولا تنزل من القيمة، وفي كثير من الأحيان فإنها أوسمة. قلت له: لماذا يتعامل معها وهو اليساري، وإن تعلق بأهداب السلطة، والمناضل السابق في الجامعة، كما لو كان عزله تم بناء على تقرير أعدته مباحث الأموال العامة؟!.
قلت كذلك: إنني أفهم "لغة العشم" وأتفهمها، وخير من يعبر عنها الآن هو "توفيق عكاشة" بعد سجنه القصير، ويدخل في إطارها حرصه مع كل ظهور فضائي على الإعلان عن أنه سيعتزل العمل الإعلامي، فلم يكن يتوقع وهو ممن قادوا الحملة على الحكم المنتخب ومهد لحكم "السيسي" أن ينتهي به المطاف سجينا. ويدخل في إطار "العشم" أن يعلن "منير" فجيعته لاستبعاده، وهو المؤيد للنظام الجديد والمنتمي لحزب يدافع عنه، لكن ما لا يدخل في هذا الإطار هي النظرة للتقارير الأمنية، التي تدور في السياسة ولا تخرج إلى حدود ما يمس الشرف والاعتبار.
صديقي اليساري فسر لي ما لم أحط به علما عندما قال لأن هذا الأمر كشف عن أن اليسار المصري تم وضعه حاليا على المقصلة الأمنية، وهو أمر كان اليسار بعيدا عنه طيلة الثلاثين سنة الماضية، فوضعت التقارير في ثلاجة الأجهزة الأمنية، وما فيها لم يكن يتم استدعاؤه للتضييق الأمني أو للمنع من شغل وظيفة معينة. فالإسلاميون فقط هم من كانوا على هذه المقصلة، عندئذ وجدت المبرر لـ "وصلة الشحتفة".
وإذ استشعر اليساريون الخطر، فقد قادوا حملة تستنكر ما جرى مع "محمد منير مجاهد" لم تخرج عن إطار "العشم المباح"، إذ يوجد "عشم" ممنوع وهو ما نطلق عليه "عشم إبليس" في الجنة!.
وقد كانت المناضلة اليسارية "شاهندة مقلد"، من القواعد من النساء في "حزب التجمع الوطني الوحدوي"، اللاتي رقصن في مقر الحزب ابتهاجا بإعلان نجاح عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية، وقد عبرت عن "عشمها" بقولها: استبعاد الأمن لمنير مجاهد من الضبعة يفزعني". وهو فزع على المستوى الشخصي له ما يبرره إذن.
إزاء حملة "العشم" قد يتدخل "عبد الفتاح السيسي" ويعيد "محمد منير مجاهد" إلى موقعه الوظيفي، لكن تظل "الأوامر السيادية" و"التحفظات الأمنية" كاشفة عن التوجه الجديد للسلطة الحاكمة في مصر، التي تستدعي التقارير الأمنية القديمة، وظني أن التقرير الذي بمقتضاه جرى استبعاد "مجاهد" من عمله كتب في فترة السبعينات عندما كان طالبا في جامعة القاهرة، بعدها جرت في النهر مياه كثيرة، وقرب النظام على مدي ثلاثين عاما أهل اليسار وصاروا نخبة المرحلة ورموزها، وأدخل وزير الثقافة فاروق حسني مثقفيه في حظيرته، على النحو الذي قاله في تصريح شهير له.
وتكمن المشكلة في السياق الذي استبعد فيه صاحبنا من وظيفته كمدير لموقع "الضبعة النووي"، وهو كاشف عن أن "أهل الحكم" قد قرروا أن ينفضوا أيديهم من اليساريين الذين يحلقون حول كرسي الحكم مؤيدين ومبايعين، ومحلقين ومقصرين.
لقد تم منع الناصري والمنسق السابق لحركة "كفاية"، "عبد الحليم قنديل" من السفر، وإذ كان الخطأ وارد، فلم يصلنا ما يفيد رفع اسمه من قوائم الممنوعين، لاسيما وأن حكما قضائيا صدر بهذا الرفع لم تنفذه سلطات المطار، ويظل الأخطر من المنع أنه لم يتلق ولو اتصالا هاتفيا من أي من المسؤولين يطيب خاطره، وهذا التعالي عن مجرد اتصال لا تخطئ العين دلالته.
أيضا فقد تم "فرم" عدد جريدة "صوت الأمة" بعد طباعته بقرار أمني، وهي صحيفة يرأس تحريرها "عبد الحليم قنديل"، وهو أمر حدث في السابق، لكن إعادة طباعة العدد بعد رفع المادة الصحفية المعترض عليها، تم على حساب الجهة "الفارمة" وهو ما لم يحدث هذه المرة، وهي رسالة لا تخطئ العين أيضا دلالتها.
أيضاً فإن استبعاد صاحبهم "منير" جاء في سياق واقعة الاعتداء على الكاتب الصحفي الناصري، المدافع بشدة عن السيسي، وقد استخدم "السيسي" فيما مضى بعض عناوين مقالاته في خطبه، مثل مقال "اغضب يا سيسي".
لقد تعرض "سليمان الحكيم" للاعتداء عليه في كمين للجيش، وإذا كان الاعتداء يمثل واقعة فردية، فإنه كذلك لم يتلق اتصالا من مسؤول يعتذر له رغم شعوره بالمرارة حد إعلانه الاستعداد للهجرة لإسرائيل.
الواقعة الثالثة هي الخاصة بالمحامي، ورئيس حزب "الوفاق القومي" الناصري، "محمد محمود رفعت" الذي كتب على صفحته على "الفيس بوك" أنه في شهر واحد تلقى أربع دعوات للمشاركة التلفزيونية، وفي كل مرة تلقى اعتذارا عن الدعوة للاعتراضات الأمنية على شخصه. سألته عن القنوات التي دعته واعتذرت؟ فقال لي ثلاث مرات بالتلفزيون المصري، والرابعة بفضائية " صدى البلد" الخاصة.
وليس في كلامه في الوقت الراهن، ما يجعله عرضة للرفض الأمني، لكن من الواضح أنهم استدعوا ملفه القديم عندما كان ناصريا معارضا، وشارك في ثورة يناير، التي يراها قائد الجيش السابق، ورئيس المجلس العسكري، المشير محمد حسين طنطاوي مؤامرة على مصر.
لا نعرف من تعرض للمشكلة نفسها، لكن المشاهد للقنوات التلفزيونية المصرية سيلاحظ تغييب لأسماء بعينها كانت في موقع الصدارة الإعلامية وهي ترفض حكم الرئيس مرسي، وهي تبايع السيسي في كل خطواته الاستبدادية، وهي تدافع عنه إلى الآن، ومنهم من يذكر ملاحظات على سياساته من باب "الحب" ولا تصل إلى درجة المعارضة. ومنهم من لا يعلن استبعاده من صدارة المشهد الإعلامي بقرارات أمنية وسيادية خوفا من الشماتة.
الانقلاب بأجهزته الأمنية، يعيد ترتيب المشهد بحثا عن رجال له، يشترط ألا يكون لهم دور معارض ولو قديما، أو مرجعيات سياسية وإن اصطف مع الانقلاب العسكري وتخندق معه في خندق واحد، وتكمن المشكلة في هذه المرجعية التي دفعت بعض الرموز اليسارية وقد ارتمت في أحضان نظام مبارك عندما وجدته آيلا للسقوط في يناير 2011، تكلمت باسم الثورة، واستيقظت بداخلها جينات المعارضة الكامنة، فأمن من في الحكم أن العرق دساس.
في مارس من العام الماضي كتبت مقال "الاستخدام الأخير لليسار المصري"، ولم أكن أعلم أن السيسي سينتهي منهم سريعا، فلو كانوا مناديل ورق "كيلينكس" لما انتهى استخدامهم بهذه السرعة!.
ويا أهل اليسار قديما قال الإمام الشافعي:
فما كل من تهواه يهواك قلبه..ولا كل من صافيته لك قد صفا!
وحديثاً قال الشاعر زكريا عبد الجواد:
أوحش حاجة إنك تكون بتحب في حد.. وإنت واخدها بجد والحد واخدها هزار!
الحب من طرف واحد مشكلة قديمة يا رفاق!
[email protected]