شهدت الأيام الأخيرة مواجهة جديدة بين
مصر وقطر، لكنها بعيدة هذه المرة عن السياسة التي طالما سببت توترا شديدا في العلاقة بين البلدين لسنوات طويلة.
وتدور المعركة بين الجانبين هذه المرة حول تمثال فرعوني أثري يطلق عليه اسم "
سخم كا"، تحاول القاهرة استعادته بعد أن اشترته سيدة
قطرية مجهولة من أحد المتاحف البريطانية.
و"سخم كا" هو تمثال من الحجر الجيري الملون طوله نحو 75 سنتيمترا، يعود تاريخه إلى الأسرة الخامسة التي حكمت مصر القديمة قبل 4400 عام، ويعني اسمه باللغة الهيروغليفية "قوي الروح"، واشتراه لورد بريطاني مقيم في مصر عام 1850 حينما كان بيع وشراء الآثار قانونيا في تلك الفترة.
وظل التمثال موجودا في بريطانيا منذ 135 عاما في متحف مدينة "نورث هامبتون"، بوسط إنجلترا، إلى أن قرر مجلس المدينة في العام الماضي عرضه للبيع في مزاد علني لحاجته للمال لاستخدام عائد بيعه في توسيع متحف المدينة وتطويره، فاشترته سيدة قطرية في 10 يوليو 2014 بمبلغ 27 مليون دولار في صفقة قياسية لبيع الآثار المصرية بالمزادات.
واعترضت وزارة الآثار المصرية، على عميلة البيع، لكن دار "كريستيز" للمزادات التي تولت بيعه أكدت أن مصر لا تملك سببا قانونيا لمنعها من بيع التمثال.
وبعد تدخل من الحكومة البريطانية أوقفت السلطات هناك نقل التمثال إلى خارج البلاد، وأعطت الحكومة المصرية مهلة حتى يوم 28 آب/ أغسطس الجاري لدفع مبلغ 25 مليون دولار للمتحف وإعادة "سخم كا" إلى القاهرة ثانية.
25 مليون دولار وإلا
وتكافح مصر لجمع المبلغ ودفع ثمن التمثال قبل يوم الجمعة المقبلة، حيث من المقرر أن تنتهي المهلة المحددة لإعلان الجهة النهائية التي سينتقل لها، وإذا لم تسدد مصر هذا المبلغ الضخم سينتقل التمثال إلى قطر.
ودشن نشطاء مصريون مهتمون بالحفاظ على التراث الفرعوني حملة لجمع التبرعات وتوفير هذا المبلغ.
وعقد ممدوح الدماطي وزير الآثار المصري، مؤتمرا صحفيا السبت، دعا خلاله جميع المصريين إلى المشاركة في حملة التبرعات من أجل استعادة التمثال النادر.
كما أعلن الدماطي وقف بلاده التعامل مع متحف "نورث هامبتون"، معتبرا أن بيع التمثال يعد جريمة أخلاقية وأدبية بحق التراث المصري والإنساني، وخروجا على التقاليد المتبعة في متاحف العالم".
وأوضح أن وزارة الثقافة البريطانية، أوقفت في مارس الماضي تصديره للشارية الجديدة، بعد توصية من لجنة مراجعة تصدير الأعمال الفنية والأثرية التابعة لمجلس الفنون بإنجلترا، لإعطاء الفرصة للحكومة المصرية لشرائه.
وأضاف أن الحكومتين المصرية والبريطانية تحاولان الضغط على إدارة متحف "نورث هامبتون" لمد المهلة الممنوحة، حتى مارس المقبل لتتمكن مصر من جمع قيمته.
وأطلق حزب المصريين الأحرار، حملة دولية لجمع 25 مليون دولار من أبناء الجاليات المصرية فى الخارج لاستعادة التمثال " وإعادته إلى مصر مجددا.
وأعلن نادر الشرقاوي، أمين عام الحزب بالخارج، أن الحزب يدرس أيضا مع قياداته في بريطانيا اتخاذ إجراءات سياسية وقانونية وتنظيم وقفات احتجاجية أمام المتحف لوقف بيع التمثال للسيدة القطرية.
كما أعلنت رئاسة الجمهورية دعمها للمبادرة التي انطلقت لجمع التبرعات لهذا الغرض.
مطالبات بإقالة وزير الآثار
وفي سياق ذي صلة، طالبت تهاني الجبالي، النائب السابق لرئيس المحكمة الدستورية بإقالة وزير الآثار بعد أن اتهمته بإصدار تصريحات في المؤتمر الصحفي تسقط حق مصر القانوني في استعادة تمثال "سخم كا".
وأضافت الجبالي، في تصريحات تلفزيونية مساء السبت :"أن الوزير تقاعس منذ العام الماضي عن رفع دعوى قضائية في بريطانيا لإجبار متحف "نورث هامبتون" وصالة المزادات على وقف بيع التمثال وإعادته لمصر.
وكانت بعثات التنقيب عن الآثار العاملة تعمل قديما بمصر وفق اتفاقية مع الحكومة المصرية تتيح لها الحصول على نصف الآثار التي تعثر عليها، قبل أن يصدر قانون عام 1983 يجرم تلك الممارسات.
ويقول خبراء إنه ليس من حق مصر المطالبة باستعادة التمثال، حيث تنص اتفاقية منظمة "اليونسكو" على أن الآثار التي خرجت من مصر بعد عام 1972 فقط يجوز المطالبة بها.
وتقول وزارة الآثار المصرية إنها تواجه مشكلة قانونية في استرداد الآثار المهربة للخارج بسبب عدم قدرتها على إثبات ملكية مصر للقطع الأثرية التي تم تهريبها من البلاد بطرق غير شرعية، أو تلك التي خرجت من البلاد قبل صدور اتفاقية اليونسكو لعام 1970 الخاصة بحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية، التي لا تطبق بأثر رجعي، وقانون حماية الآثار المصري 1983 الذي يجرم الاتجار في الآثار.
ويقول خبراء آثار إنه بدلا من دفع 25 مليون دولار لإعادة "سخم كا"، فمن الأفضل إنفاق هذا المبلغ الضخم لحماية الآثار الموجودة في مصر حاليا من التهريب للخارج.