تساءل معهد واشنطن للدراسات في ورقة بحثية له، عن مدى تأثير الأزمات الداخلية
العراقية على الحملة التي تشن على تنظيم الدولة. ففي بغداد يواجه رئيس الوزراء مطالبات بإصلاحات جذرية لمكافحة الفساد، فيما يواجه رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، تحديه الأكبر منذ توليه رئاسة "حكومة إقليم كردستان" قبل أكثر من عشرة أعوام بخصوص قيادته للإقليم.
وفي بغداد، يقول كاتب الدراسة جيمس جيفري، إن رئيس الوزراء العراقي حيدر
العبادي يواجه رأيا عاما أشد غضبا من أي وقت مضى، يؤيده المرجع الديني الشيعي الأكثر نفوذا في البلاد، آية الله العظمى السيد علي السيستاني، حيث إنهم يطالبون جميعا بالقيام بإصلاحات في مجال توفير الخدمات ومكافحة الفساد.
وتشير الدراسة إلى أن كلا الزعيمين يعالجان مشاكلهما الداخلية بعزم كبير، إلا إن أيا منهما لم يصبح بعد بمنأى عن الخطر. وقد استجاب العبادي المتحفظ أحيانا إلى آخر احتجاجات الجمهور ورجال الدين بخطوات جريئة تشير إلى تصميمه الجديد على تولي زمام الأمور. ويشمل ذلك ضخ حياة جديدة في مؤسسات وسياسات مكافحة الفساد والدعوة إلى إلغاء بعض المناصب الحكومية التي تبدو دخيلة: ومنها عدة نواب لرئيس الوزراء ولرئيس الجمهورية.
واقترح العبادي أيضا إنهاء نظام المحاصصة في المناصب الحكومية، الذي سمح حتى الآن للأحزاب والسياسيين الأفراد بإدامة المحسوبية المتفشية في الحكومة، وإلغاء جيوش الحراس خاصة تلك التي تحيط بكل من الشخصيات الفاعلة الرئيسة.
وستتطلب بعض هذه الخطوات اتخاذ إجراءات برلمانية أو حتى إدخال بعض التعديلات الدستورية، وكلاهما يصعب جدا توفيرهما في العراق. ولكن، مع تأييد السيستاني الشديد لبرنامج العبادي، ومع إبداء المالكي والنجيفي و"حكومة إقليم كردستان" الدعم له على الأقل ظاهريا، فقد يتمكن رئيس الوزراء من تحقيق نصر جزئي على الأقل. بيد، أن ذلك لن يضع حدا للفساد أو لعدم كفاءة الحكومة، بالطبع، إلا أنه قد يخفضهما إلى حد كبير.
ومن شأن هذا النجاح، حتى ولو كان جزئيا أن يقوي قبضة العبادي ضد أقطاب الأحزاب الذين يهيمنون على البرلمان. ولكن، إذا أعاقت السلطة التشريعية عمل العبادي، فقد يلومه كل من الرأي العام والسيستاني على تقاعس الحكومة. وبالتالي، فإنه بينما تتيح الأزمة الحالية أمام رئيس الوزراء الفرصة المثلى التي تسنت له حتى الآن ليظهر كزعيم يتمتع بشعبية ونفوذ، فإن الضعف السياسي المتأصل فيه يجعل من موقفه أكثر تزعزعا من ذلك الذي يواجهه زميله في الشمال، الرئيس بارزاني.
مشكلة بارزاني والبديل
وتقول الدراسة إن مشاكل بارزاني تنبع من غياب دستور شرعي للإقليم الكردي. و"حكومة إقليم كردستان" تخضع للدستور الوطني العراقي، إلا أن هذا الأخير سمح باستمرار العمل بالكثير من آليات الحكم الكردية التي كانت سارية قبل عام 2005 بحكم الأمر الواقع.
ونتيجة لذلك، يقول جيفري إن البيئة السياسية السائدة في هذا الإقليم الذاتي الحكم، تتكون من ثلاثة مستويات: جمهورية رئاسية برئاسة بارزاني، وهو قائد لقوات البيشمركة يشكل أسطورة ورمزا وكان والده بطلا قوميا كرديا؛ والفصيلان الكرديان التقليديان - "الحزب الديمقراطي الكردستاني" برئاسة بارزاني و"الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، ولكل منهما قوات البيشمركة الخاصة به ويتحكم بالمعاملات الحكومية البيروقراطية في معقله، سواء في أربيل أم في السليمانية، فضلا عن تقسيم فعلي للمناصب السهلة في كل من المنطقتين في الإقليم؛ وبرلمان منتخب ديمقراطيا يحاول أن يفرض إرادته.
والسبب المباشر للأزمة الحالية في "حكومة إقليم كردستان" هي بحسب الدراسة أنه من المفترض أن يتنحى بارزاني فعليا عن منصبه في غضون أسبوعين نظرا لانتهاء فترة التمديد لولايته الرئاسية الثانية التي طالت عامين والتي يفترض أن تكون الأخيرة، وهو اتفاق كان قد توصل إليه "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني". وبحلول هذا الوقت، فإنه عادة ما يكون قد تم التوصل إلى صفقة أخرى وراء الكواليس لحل هذا الحدث المؤسف. فبارزاني يريد البقاء في منصبه، ويتمتع شخصيا بشعبية، كما أن عشيرته ممثلة تمثيلا جيدا في المناصب الإقليمية وتتبوأ بعض المناصب في بغداد.
والأهم من ذلك، أن أغلبية أبناء دائرته الانتخابية يدركون أنه ليس هناك شخصا آخر قادرا على قيادة "حكومة إقليم كردستان" وإيصالها إلى بر الأمان من التهديدات الوجودية التي يفرضها عليها تنظيم "داعش"، وتدفق اللاجئين إليها بأعداد كبيرة، والانهيار المالي الذي تعاني منه.
وعلى الرغم من أن الضغط الذي يمارسه بارزاني لإجراء الانتخابات يتمتع بشرعية قانونية أقل من حملة العبادي لمكافحة الفساد، إلا أن بارزاني يتحلى حاليا بسلطة عسكرية ومالية وشعبية أكبر بكثير من تلك التي يتمتع بها رئيس الوزراء. وبالتالي فمن الأقل ترجيحا بكثير أن يتعثر في معركته البرلمانية من العبادي - مع أنه في هذه الفترة التي يطغى عليها طابع عدم اليقين، لا يمكن حتى لبارزاني أن يكون متأكدا. ويمكن لكلا الزعيمين أن يدعما بعضهما البعض من حيث المبدأ، لكن مثل هذا التعاون قد تعرقل بفعل المشاحنات المستمرة بين بغداد وأربيل حول قضايا عسكرية وإقليمية ونفطية.
وتؤكد الدراسة أن المصلحة الرئيسة للولايات المتحدة تكمن في خضم هذه الأزمة في بقاء العبادي في السلطة، وكسبه ثمرة جهود الإصلاح التي يقودها، إذا كان ذلك ممكنا. وتعتمد واشنطن أيضا على استتباب الاستقرار في كردستان، وهذا يعني مساعدة بارزاني في إيجاد طريقة للبقاء في السلطة من دون خنق الديمقراطية البرلمانية. ومن المفارقات أن تركيا وإيران كلاهما تنظران إلى الأمور بالطريقة نفسها وتمارسان الضغط على القادة السياسيين في «حكومة إقليم كردستان» للاستمرار في تأييد بارزاني.