صحافة دولية

بين باريس وتل أبيب: التعاون المستحيل

تظاهرة "تل أبيب على نهر السين" تتسبب بجدل محتدم في باريس - أرشيفية
تظاهرة "تل أبيب على نهر السين" تتسبب بجدل محتدم في باريس - أرشيفية
نشرت صحيفة سلايت الفرنسية تقريرا حول الجدل الدائر بخصوص تظاهرة "تل أبيب على نهر السين"، بينت فيه أن هذا الحدث الثقافي، الهادف لتحسين سمعة إسرائيل وتطبيع صورتها لدى الفرنسيين، فشل في تحقيق أهدافه، بل وزاد من حدة التوترات بين الجانبين .

وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، بأن الجدل الدائر حول قرار رئيسة بلدية باريس، آن هيدالغو، القاضي بإدراج تظاهرة "تل أبيب على نهر السين" ضمن مهرجان شواطئ باريس، يوم 13 آب/ أغسطس، كان دليلا واضحا على التوترات السياسية الفرنسية الإسرائيلية، التي بات يغذيها التطرف اليميني للإسرائيليين، وأيضا تصرفات يهود فرنسا.

وجاء في الصحيفة أن رئيسة بلدية باريس ربطت مع إسرائيل علاقات حميمة، وهي المعروفة بتعاطفها مع اليهود، ومع الحركة الصهيونية. كما سبق لمسؤولين في بلدية باريس أن حاولوا إقناع ليونيل جوسبان، رئيس الوزراء السابق، بالاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة إسرائيل.

وأوضحت الصحيفة أنه سبق لسلف آن هيدالغو، برتراند دولانوي، أن حظي بترحيب حار في حزيران/ يونيو 2013، خلال زيارته لإسرائيل، وقد أدلى حينها بتصريحات مساندة للمحتلين الإسرائيليين، تدعم مشروعية طموحهم بإنشاء دولة عبرية يهودية في الأرض الذي يعتبرونها حقا لهم.

كما أوضحت الصحيفة أن آن هيدالغو واصلت على خطى برتران دولانوي، من خلال سعيها للحفاظ على هذه العلاقات مع إسرائيل وتطويرها. وفي هذا السياق، وخلال زيارتها لإسرائيل من الفترة 10 إلى 13 أيار/ مايو، تمنت رئيسة بلدية باريس "تعزيز أواصر الصداقة والتعاون بين باريس والمدن الإسرائيلية والفلسطينية"، ما جلب لها انتقادات جمعية التضامن الفرنسي الفلسطيني، بسبب مساواتها بين الجلاد والضحية.  

وقالت الصحيفة إن آن هيدالغو، وفي حركة استباقية لتجنب اللوم الذي سيوجه لها، قالت إنها تساند فكرة استضافة أول مهرجان للفنانين الشبان الفلسطينيين المعاصرين في باريس، وذلك بهدف تسليط الضوء على مساهمة الفنانين الفلسطينيين في الإبداع المعاصر. 

كما ذكرت الصحيفة  أن آن هيدالغو حاولت أن تتظاهر "بالتوازن" خلال زيارتها لإسرائيل، حيث قامت بزيارة نصب تذكارية إسرائيلية، مع زيارة قبر ياسر عرفات وعقد اجتماعات مع رؤساء بلديات مدن فلسطينية مثل رام الله وأريحا. 

كما التقت الشخصيات السياسية الرئيسية الإسرائيلية والفلسطينية، سواء من اليمين ومن اليسار، وألقت كلمة في المنتدى العالمي الخامس في القدس لمكافحة معاداة السامية.

ولكن المتطرفين المنتمين لرابطة الدفاع اليهودية في فرنسا تسببوا في شغب كبير إثر هذه الزيارة، بعد توجيههم عديد الإهانات للوفد، حيث إن "هؤلاء الشباب الذين تعلموا استخدام العنف، يشعرون بأنهم في مأمن من أي نقد أو إدانة، ويعتبرون أنفسهم محميين من ممثل إسرائيل في الجمعية الوطنية الفرنسية، ماير حبيب".

وبينت الصحيفة أن الحدث الذي ينظم يوم الخميس في مدينة باريس، يأتي بالتزامن مع توتر كبير في العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا وإسرائيل، حيث يدعي الإسرائيليون أن الحكومة الاشتراكية لفرنسوا هولاند وقفت ضدهم  لصالح الفلسطينيين، على سبيل المثال عند قبول فلسطين كدولة عضو في اليونسكو، أو في ما يتعلق بمشروع مقترح فلسطيني في مجلس الأمن، حيث كانت إسرائيل قد عبرت بعد هذا التصويت عن "خيبة أمل عميقة".

كما أشارت إلى استنكار الحكومة الإسرائيلية لبيان نائب رئيس بلدية باريس، برونو جوليار، الذي دعا إلى "عدم الخلط بين السياسات الوحشية للحكومة الإسرائيلية ومدينة تل أبيب كمدينة تقدمية"، في محاولة منه للنأي بالتظاهرة الثقافية عن الانتقادات الموجهة لجرائم إسرائيل، وتجاهلها للقوانين والقرارات الدولية. 

وبينت الصحيفة أن الحكومة الإسرائيلية كانت تتوقع أن يرافق تظاهرة "تل أبيب على ضفاف السين" جدل سياسي كبير في فرنسا، بعد أيام قليلة من وفاة الطفل الفلسطيني ووالده، على إثر الجريمة النكراء المتمثلة في حرق منزلهم من مستوطنين متطرفين يهود، ما تسبب في موجة من الاستهجان والتنديد على الشبكات الاجتماعية. 

كما نقلت الصحيفة بعض المواقف المنددة بالتظاهرة، على غرار موقف المستشارة دانييل سيمونيالتي، التي قالت: "إنه من السخرية تنظيم مثل هذه التظاهرة كجزء من سلسة تظاهرات شواطئ باريس، لقد وصلت بهم الوقاحة لمستويات غير مسبوقة".

 في حين انتقدت "الجمعية الفرنسية الفلسطينية للتضامن"، هذه العملية واصفة إياها بأنها "عملية تواصل مُرّة الطعم"، كما استنكرت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوباتBDS، "تعاون مدينة باريس مع أجندات الدعاية الإسرائيلية". 

وأوضحت الصحيفة أن تل أبيب أرادت من خلال هذه التظاهرة المخاطرة، على أمل تحسين صورة إسرائيل السلبية في العالم، من خلال النشاط الثقافي وبعيدا عن السياسة.

وفي الختام لاحظت الصحيفة أن الحكومة الإسرائيلية تتجنب التدخل في هذا الجدل، لأنها مهما فعلت ستكون الخاسرة، خاصة أن العلاقة الإسرائيلية الفرنسية تعرف برودا وتباينا كبيرا في المواقف، بعد الاتفاق حول الملف النووي الإيراني. 

جاك بنيلوش

صحيفة سلايت الفرنسية
https://www.slate.fr/story/105369/paris-tel-aviv

التعليقات (0)