سياسة دولية

معهد واشنطن: ما هي احتمالات تصويت الكونغرس على اتفاق النووي؟

يمكن لأوباما أن يرفض تصويت الكونغرس المعارض باعتباره تدخلا في السلطة التنفيذية - أرشيفية
يمكن لأوباما أن يرفض تصويت الكونغرس المعارض باعتباره تدخلا في السلطة التنفيذية - أرشيفية
تساءل معهد واشنطن عن احتمالات تصويت الكونغرس على الاتفاق النووي وتداعياته، في الوقت الذي استعرض فيه المدير التنفيذي المعهد روبرت ساتلوف حقيقة الوضع حول هذا الأمر.

بدأ ساتلوف في تقرير على موقع المعهد، بالإشارة إلى التعريف بما أطلق عليه "مراجعة الكونغرس للاتفاق الإيراني"، الذي يعرف رسميا باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، الذي رفض تشبيهه بمعاهدة أو اتفاقا تنفيذيا من الناحية التقنية.

فقد انتهى ساتلوف إلى اعتبار "مراجعة الكونغرس للاتفاق الإيراني"، أنه عبارة عن مجموعة نقاط تم التفاهم حولها بشكل طوعي بين ثمانية أطراف هي: إيران وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ومع إقرار مدير المعهد أن مثل هذا الاتفاق لا يتمتع بوضع قانوني بحد ذاته، "فقد قرر الكونغرس الأمريكي ممارسة سلطة المراجعة عليه، على غرار السلطة التي يمارسها مجلس الشيوخ عند إسداء النصح والموافقة على المعاهدات"، موضحا أن "النظام الأساسي الذي يمارس السلطة في هذه الحالة هو قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 - المعروف بشكل غير رسمي بتشريع كروكر- كاردان".

وأشار ساتلوف إلى أنه "بموجب هذا القانون الذي يمثل حل وسط، والذي وقّع عليه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يحق لمجلسي الكونغرس التصويت على قرارات مؤيدة للاتفاق أو معارضة له. ومع ذلك، يمكن للرئيس استخدام حق النقض ضد هذه القرارات. 

ولتجاوز هذا النقض، لا بد من تصويت ثلثي الأعضاء في كلا المجلسين"، منوها إلى أنه "لأغراض المقارنة، تجدر الإشارة إلى أن المعيار الذي يتطلبه دعم الكونغرس للاتفاق الإيراني أدنى بكثير مما هو الحال بالنسبة لدعمه لمعاهدة، فللموافقة على الاتفاق، لا بد من تصويت ثلث أعضاء أحد مجلسي الكونغرس فقط ضد قرار معارض للاتفاق. وفي المقابل، تستوجب المعاهدات دعم ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ.

وفي معرض ذكر تداعيات التصويت على قرار برفض الاتفاق، رأى الباحث أنه "قد يولّد التصويت ضد الاتفاق الإيراني أصداء سياسية هامة، ولكن مع أثر عملي محدود. فهو لا يسمح بتجاوز سلطة الرئيس أوباما من ناحية الالتزام بالاتفاق، ولا يحد من سلطته من حيث المشاركة في معظم جوانب إنفاذ الاتفاق. 

وفي الواقع، تتمثل النتيجة العملية الوحيدة لهذا التصويت بالحد من سلطة الرئيس بموجب القانون لجهة التنازل عن العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي المفروضة على إيران. كما أن قرار الرفض لن يكون له أي سلطة على إرغام الرئيس على إنفاذ مثل هذه العقوبات بشكل فاعل. أما إذا أراد الرئيس ممارسة "الاجتهاد الادعائي" ذاته الذي يتمتع به على بعض القضايا الجدلية الأخرى التي يختلف مع القانون حولها، لتضاءلت على الأرجح فعالية العقوبات بشكل ملحوظ".

وتابع أن ذلك يعني من الناحية العملية أن "نتذكر الإطار الزمني لتطبيق خطة العمل المشتركة الشاملة. فالمجموعة الأولى من المسؤوليات المنصوص عليها في الاتفاق تقع على عاتق إيران. وقبل أن يحدث أي شيء آخر، ينبغي على إيران تنفيذ المتطلبات الأساسية المفروضة عليها بموجب الاتفاق، بما فيها التجاوب مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول مسألة الأبعاد العسكرية المحتملة، وتجميد عمل آلاف من أجهزة الطرد المركزي، وتقليص مخزونها الهائل من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى 300 كيلوغرام، وإزالة صلب مفاعل آراك لإنتاج مادة البلوتونيوم". 

وواصل ساتلوف في تقريره أنه "يعتقد معظم الخبراء أن هذه العملية ستستغرق ما بين ستة إلى تسعة أشهر. وعندما تتأكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران قد وفت بهذه المتطلبات، يصبح تخفيف العقوبات الأمريكية والدولية المفروضة على إيران خيارا قائما، إذا لن يبرز أي أثر عملي للتصويت بالرفض حتى أوائل إلى منتصف عام 2016".

وفي تساؤل حول ما الذي يمكن أن يحصل في غضون ذلك، أفاد بأنه "هنا يصبح التحليل موضع تكهنات ومبالغة. فقد افترض مؤيدو الاتفاق أن نجاح التصويت بالرفض سيبطل الاتفاق. واعتبروا أن إيران ستفقد الثقة في التزام الولايات المتحدة بالاتفاق، فتنسحب، وتكثف برنامج التخصيب ليبلغ مستويات جديدة، وأن الأوروبيين سيشْكون من السلوك الأمريكي الموارب، ويضعون حدا للعقوبات من تلقاء ذاتهم. كما يشير مؤيدو الاتفاق إلى أنه في غياب القيود المتفق عليها حول البرنامج النووي الإيراني، ستستدعي إيران عاجلا أم آجلا تحركا عسكريا أمريكيا أو إسرائيليا ضدها، ما قد يطلق العنان لحرب إقليمية".

ولكنه استدرك قائلا: "هناك براهين دامغة تبيّن أن كل واحد من هذه التكهنات ليس في محله. أولا، من غير المرجح أن ترد إيران بصورة متهورة على قرار الكونغرس المعارض للاتفاق بقيامها بتخصيب اليورانيوم، وبالتالي تأكيد شكوك الجهات التي لم تثق يوما بالتزام طهران بامتلاك برنامج نووي سلمي بصورة حصرية، فبعد أن عملت طهران باجتهاد طيلة عقدين من الزمن لتطوير برنامج يوشك اليوم على اكتساب شرعية دولية مذهلة، ولإنهاء العقوبات المرتبطة ببرنامجها النووي، من غير المنطقي كثيرا أن تتخلّص من جميع هذه الإنجازات بنوبة غضب. 

وعلى العكس من ذلك، يرجح بقوة أن تفي إيران بالمتطلبات الأساسية لكي تُنهي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات المفروضة عليها، الأمر الذي سيترافق مع مصادقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي الوقت ذاته، ستلاحظ طهران أن الولايات المتحدة، وليس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، قد عُزلت بسبب تعنتها".

أما بشأن الدور الأوروبي، فرأى ساتلوف أن الدول الأوروبية "من غير المرجح أن تردّ على التصويت ضد الاتفاق النووي بإنهاء العقوبات من جانب واحد، بل ستسعى على الأرجح إلى ضمان موقفها التفاوضي من خلال التقيد بشروط الاتفاق، أي أنها ستنتظر إلى أن تلبي إيران المتطلبات الأساسية قبل أن تكافئها بتخفيف العقوبات".

وقال: "سيغتاظ القادة الأوروبيون، وبالتأكيد الشركات الأوروبية، من التطبيق المتواصل للعقوبات الأمريكية المرتبطة بالبرنامج النووي. ففي التسعينيات، وعندما أدت العقوبات المفروضة على إيران إلى التأثير على الأعمال التجارية للشركات الأوروبية، شكت حكومات الاتحاد الأوروبي من تطبيق القانون الأمريكي خارج حدود الولايات المتحدة، ونجحت في الضغط على إدارة كلينتون لكي تعلق تطبيق هذه العقوبات، واليوم، من المرجح أن يتّبع الأوروبيون مقاربة مماثلة، وبالتالي ستكون النتيجة رهنا برد إدارة أوباما. 

وإذا استمرت الإدارة في إنفاذ العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي بشكل فعال، بالإضافة إلى إنفاذ الجوانب الأولية والثانوية للعقوبات غير المرتبطة بالبرنامج النووي، التي لن تتأثر بالاتفاق الإيراني، من غير المرجح في النهاية أن يفضل أصحاب الشركات الأوروبية السوق الإيرانية على السوق الأمريكية، وسيبقى الجزء الأكبر من نظام العقوبات الحالي قائما".

ولكن ساتلوف رأى أن "هذا السيناريو سيفضي إلى نتيجة غامضة، إذ إن نظام العقوبات العالمي سيكون أقل فعالية مما هو عليه اليوم، لكنه سيترك مع ذلك أثرا ملحوظا. ولن يتداعى إلا إذا فشلت الولايات المتحدة في إنفاذ عقوباتها. وبالرغم من ذلك، من الصعب تخيل سيناريو يكون فيه خطر الحرب أكبر بكثير مما هو عليه اليوم"

وفي معرض تساؤلاته الكثيرة حول الاتفاق النووي، لفت ساتلوف إلى مدى إمكانية أن يشترط أعضاء الكونغرس حدوث تغييرات في السياسة الأمريكية مقابل تصويتهم لصالح الاتفاق، متوقعا أنه في حال "إذا خشيت الإدارة الأمريكية من أنها قد تخسر بفعل تصويت الكونغرس حول تجاوز حق النقض الرئاسي، قد تحاول تحويل بعض الأصوات المعارضة إلى أصوات مؤيدة من خلال تقديم عروض لتحسين الاتفاق. 

ونظرا لمعارضة الإدارة لاستئناف المفاوضات بشأن الاتفاق، فقد تتخذ التحسينات شكل تحركات أحادية الجانب في السياسة الأمريكية (على سبيل المثال، تصريحات عن التزام الولايات المتحدة باستخدام "جميع الوسائل الضرورية" لمنع قيام إيران من تجميع اليورانيوم عالي التخصيب في أعقاب رفع القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم بعد مرور خمسة عشر عاما من تنفيذ الاتفاق) أو تنسيق أمريكي-أوروبي بشأن إيران (على سبيل المثال، القيام بتحديد مصفوفة من العقوبات المتفق عليها فيما يتعلق بالمخالفات الإيرانية للاتفاق في الوقت الحالي، وذلك للحد من احتمالات التوتر بين دول التحالف حول إعادة فرض العقوبات في وقت لاحق). فمثل هذه التغييرات قد تُحسن الاتفاق في نواح كثيرة".

وواصل قائلا: "الأهم من ذلك، يمكن للإدارة الأمريكية أن تصيغ وتطبّق استراتيجية لردع السلوك الإيراني العدائي، الذي يقلق حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط إلى حد كبير، ويخلق الانطباع بأن الولايات المتحدة هي في طور الانسحاب من المنطقة".

وأنهى المدير التنفيذي لمعهد واشنطن، روبرت ساتلوف، تقريره حول خيارات الرئيس الأمريكي، إذ رأى أنه "إذا لم يوافق الكونغرس على الاتفاق، وتجاوز حق النقض الرئاسي، بإمكان الرئيس مع ذلك أن يحاول الالتفاف على السلطة التشريعية. على سبيل المثال، يمكنه رفض التصويت المعارض باعتباره تدخلا غير مجاز في السلطة التنفيذية، والمضي قدما في التنازل عن العقوبات، والانتظار بأن يرفع الكونغرس القضية إلى المحكمة العليا".
التعليقات (0)