على مدى سنوات فشل تنظيم القاعدة في تأسيس وتكوين فرع إقليمي في
مصر، على الرغم من أن زعيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري ينتمي إلى الفضاء المصري، فضلا عن كون أبرز مؤسسي القاعدة عام 1988 من أصول مصرية أمثال أبي عبيدة البنشيري وأبي حفص المصري، كما أن تنظيم الجهاد المصري دخل كمكون رئيس في تأسيس الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبين عام 1998، وقد خابت جهود القاعدة بتكوين حاضنة في مصر، رغم محاولاته التاريخية الحثيثة، ومن أبرزها الإعلان عن تأسيس "قاعدة الجهاد في أرض الكنانة" عام 2006 بزعامة أبي جهاد محمد خليل الحكايمة الذي قتل عام 2008 في باكستان.
إذا كانت الجهادية العالمية فشلت في مصر، فإن حظ الجماعات الجهادية المحلية لم يكن أحسن حالا، فقد عجزت عن تكوين هياكل تنظيمية متماسكة، وأخفقت في بناء إيديولوجية قتالية صلبة تستند إلى قضية عادلة تعمل على جلب الأتباع والأنصار تساهم في عمليات التعبئة والتجنيد، فضلا عن ضعف وشح التمويل اللازم للديمومة والاستمرار، وتمثل الحالة الجهادية السيناوية الاستثناء الجهادي المصري، حيث تمكنت حركات جهادية محلية إقليمية من التكيّف والصمود والبقاء، فقد قدمت الجغرافيا والديمغرافيا في سيناء بيئة مثالية حاضنة للجهادية، بحكم طبيعتها الجغرافية الصعبة وتركيبتها السكانية القبلية، فضلا عن سياسات التهميش والإهمال التي مارستها الدولة المصرية على مدى أربعة عقود، ووجود قضية عادلة تتمثل بالمسألة الفلسطينية، الأمر الذي أسفر عن ولادة ولاية سيناء التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية.
في سياق التنافس والصراع على تمثيل الجهادية بين قاعدة الجهاد والدولة الإسلامية ظهرت مجموعة من الحركات الجهادية المصرية التي تتماهى مع إيديولوجية القاعدة، وتعدّ جماعة "
المرابطون" النسخة الأحدث نشأة، وقد ظهرت جماعة المرابطين بعد أن فشلت جماعات مماثلة بتأسيس فرع قاعدي وتعرضت للتفكك والانحلال بعد سلسلة من الضربات الأمنية، ومن أبرزها جماعة "أجناد مصر" التي ظهرت إلى العلن في 24 كانون ثاني/ يناير2014، وأصدرت عدة بيانات، تبنت من خلالهما تنفيذ سلسلة من العمليات العسكرية، وقد ضعفت الجماعة وتعرضت للتشتت عقب مقتل زعيم ومؤسس التنظيم مجد الدين المصري همام عطية، على يد قوات الأمن، وعلى الرغم من نعي التنظيم لقائده في 9 نيسان/ أبريل 2015 وتعيين قائد جديد وهو عز الدين المصري، خلفا لمجد الدين، وتنفيذ يعض العمليات، إلا أن التنظيم بات ظلا لما كان عليه.
جماعة "المرابطون" هي النسخة الجديدة للجهادية المصرية القاعدية، وقد أعلنت عن ظهورها من خلال شريط مصور بعنوان "ويومئذ يفرح المؤمنون" نشرته الجماعة على شبكة الإنترنت في 21 تموز/ يوليو 2015 ، وتضمن الشريط كلمة صوتية لقائدها أبو عمر المهاجر هشام علي عشماوي، وتضمن الشريط كلمة مقتضبة مسجلة تقديمية لأيمن الظواهري زعيم تنظيم "قاعدة الجهاد"، يدعو فيها الأمة إلى "الجهاد بالبيان كما تُجاهد بالسنان"، ثم كلمة للعشماوي يبارك فيها الأمة الإسلامية بحلول عيد الفطر، ويصف فيها السيسي بالفرعون الجديد، والإعلاميين المصريين بسحرة فرعون، وناشد المسلمين القيام بالجهاد، ودعا السيسي والجيش المصري إلى التوبة، وأُختتم الشريط بلقطة للمسجد الأقصى وبيت المقدس يرفرف أمامها علم الاحتلال الإسرائيلي، وعبارة "قادمون يا أقصى".
لا شك بأن شريط الإعلان عن ولاة جماعة "المرابطون" يشير إلى انحياز الجماعة إلى تنظيم القاعدة بزعامة الظواهري، إذ يبدو الشريط تكرارا لإعلانات التأسيس القاعدي، كما ظهر في تأسيس قاعدة الجهاد في جزيرة العرب 2009، وتأسيس جبهة النصرة لأهل الشام 2012، إذ كلمات بن لادن والظواهري بارزة، والقضية الفلسطينية والأقصى ثابتة، كما أن مضمون خطاب العشماوي يتماهى مع خطاب القاعدة المتعلق بحرب الأنصار، على خلاف نهج "ولاية سيناء" التابعة للدولة الإسلامية بزعامة البغدادي القائمة على الغلبة والقوة وفرض السيطرة المكانية، فضلا عن تمسك العشماوي بخطاب القاعدة السياسي الأخلاقي الخاص بفلسطين، الذي يختلف مع خطاب الدولة الإسلامية التي ترتكز على الهوية الإسلامية، وتطبيق الشريعة، وتمثيل الأمة السنية، التي تعدّ فلسطين أحد مكوناتها وليس أساسها.
يبدو أن العشماوي كما هو حال الظواهري يعدّ تنظيم الدولة الإسلامية انحرافا عن الخط الجهادي القويم، فهو مهموم بتصحيح التصورات والأفكار، ويسعى إلى استعادة رأس المال الجهادي الذي اختطفته الدولة الإسلامية؛ إذ يتضمن خطاب العشماوي تذكيرا بنهج "أنصار بيت المقدس" قبل مبايعة "الدولة الإسلامية"، وقد كان العشماوي نفسه أحد قادتها، قبل أن تنقسم على خلفية بيعة البغدادي، ففي الوقت الذي اختارت أغلبية الجماعة الانحياز لتنظيم الدولة بقادتها الأبرز أمثال كمال علام، وأحمد زايد كيلاني، وأبي أسامة المصري محمد أحمد الذي عيّنه البغدادي واليا على إمارة سيناء، تمسك العشماوي مع الأقلية بنهج الأنصار والانحياز للظواهري.
لقد لعبت علاقات العشماوي الشخصية بالظواهري دورا أساسيا في خياراته الانحياز لتنظيم القاعدة؛ إذ إن تسمية التنظيم الجديد بـ "المرابطين" لم تكن اعتباطية، فالتسمية تستدعي الخلافات التي برزت داخل جماعة "المرابطون" التي تنشط في شمال مالي والنيجر وتتخذ حاليا من جنوب ليبيا مركزا لأنشطتها، على ذات الخلفية والخلاف، فقد ظهرت "جماعة المرابطون" في 22 آب/ أغسطس 2013، بعد اندماج كتيبة "الموقعون بالدم" التي تأسست مطلع كانون أول/ديسمبر 2012، بزعامة مختار بلمختار المكنى بـ "خالد أبو العباس"، التي كانت تعرف بــ "جماعة الملثمون"، مع جماعة "التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا"، التي يقودها الأزوادي أحمد ولد عامر المعروف بـ "أحمد التلمسي"، وقد أعلنت فرنسا عن مقتله في 11 كانون أول/ ديسمبر 2014، وقد أعلنت الجماعتان عن اندماجهما، واتفقا على ألا يتولى أي منهما قيادته في المرحلة الأولى، وبعد حوار داخلي استقر رأيهما على اختيار المصري أبو بكر المهاجر أو المصري أميرا للتنظيم الجديد، وقد قتل قرب حدود النيجر في اشتباكات مع القوات الفرنسية في نيسان/ إبريل 2014، وهو محمد مرجان سالم ونجل أحد مشايخ التيار الجهادي في مصر المعروف بعبد الحكيم حسان.
جماعة "المرابطون" المصرية تتشابه مع نظيرتها الصحراوية، فالجماعة الصحراوية كانت تنطوي على خلافات إيديولوجية، فقد جدد مختار بلمختار في بيان الاندماج التأكيد على أن التنظيم الناتج عن اتحاد الجماعتين سيتمسك بالولاء لقادة القاعدة في أفغانستان، لكن أبو الوليد الصحراوي القائد المرابطي أعلن عن بيعته لتنظيم الدولة الإسلامية في 14 آيار/ مايو 2015، وبهذا عادت حالة الاستقطاب الثنائي من جديد داخل صفوف التنظيم، بين فريقي "الملثمون" و"التوحيد والجهاد"، الأمر الذي رفضه مختار بلمختار وجدد بيعته للظواهري.
صلات العشماوي مع بلمختار والقاعدة وأمير المرابطون السابق أبو بكر المهاجر، ساهمت في تحديد ولائه للظواهري، وابتعاده عن ولاية سيناء، ولكن هل تتمكن الجماعة الجديدة من الصمود والاستمرار، أم أن مصيرها كسابقاتها من التجارب القاعدية في مصر، وهل تستطيع منافسة ولاية سيناء القوية، في ظل انسداد الأفق السياسي في مصر، وجاذبية الجهادية عقب الانقلاب العسكري، الذي ساهم منهجه الدكتاتوري القمعي في تكوين حواضن شعبية باتت جاهزة لتوفير شبكات حماية وإسناد للخيارات الراديكالية، وبروز نهح جهادي تنافسي بين تنظيم القاعدة المركزي بزعامة المصري أيمن الظواهري وبين تنظيم الدولة الإسلامية بزعامة أبو بكر البغدادي.
لقد ساهمت عملية عزل ومحاصرة وإضعاف جماعة
الإخوان المسلمين في مصر في بروز سردية إسلامية جهادية مصرية أشد صلابة وأكثر تمسكا بحدود العلاقة الصراعية الوجودية مع النظام الانقلابي المصري، فالتعامل مع جماعة الإخوان باعتبارها حركة إرهابية ساهم في تصاعد نفوذ الجهادية العالمية في مصر، فرفض التعاون مع حركات إسلامية أكثر براغماتية يقود دائما إلى بروز أجيال أكثر راديكالية.