قضايا وآراء

غرائز الثأر والشعور بالامتهان

مهدي محمود
1300x600
1300x600
كانت ولازالت مصائب العرب والمسلمين تبدأ بإسرائيل وتنتهي بأمريكا، التي باحتلالها للعراق وتدميرها لجيشه الباسل عرضته للنهب والسرقة، فتجرأت عليه إيران الفارسية، التي أطلقت لعلوجها أعنتهم يسرحون ويمرحون في جنة يجري من تحتها نهرين عظيمين، جنة نخيلها وأعنابها تدل على خصوبة أرضها وجودة إنتاجها، وتنطق آثارها بمجد تاريخها وحضارتها التي تنبض بعراقة وعِبق ماضيها السحيق، وينبئ عمرانها بعزيمة أهلها، وأما عن غزارة نفطها فيكفي أنه يجذب أفئدة الطامعين الحاقدين.

تباع هذه الجنة في سوق النخاسة، وتشهد على هذه البيعة الجامعة العربية، فيلجئ أحرار العراق إلى السلاح، فهو الصديق الصدوق عندما ينتهك العرض وتداس المحارم وتدنس المساجد، فكان السلاح ومازال هو الخيار الوحيد للدفاع عن أرض الوطن.

وأما في سورية فالقصة مختلفة تماما لأن الحبكة القصصية يتخللها الكثير من الفكاهة السوداء، فمجلس الأمن يقف مقيد اليدين معصوب العينين، وقد أشاح بوجهه الصفيق عن جرائم الحرب التي يندى لها جبين الإنسانية، متعللا بأنه لا يستطيع أن يوقف آلة القتل والتدمير، ويعجز عن استصدار قرار واحد يدين الجلاد، كل هذا التهريج والدجل الإعلامي، يترافق مع الدعم الروسي والإيراني اللامحدود، بل إن إيران أصبحت صاحبة الكلمة الفصل في النزاع السوري فهي تمد النظام بكل أنواع القتل والتدمير، وترسل له مليشيات مسلحة ومدربة ومجهزة بعقيدة الموت، مما شجع ديكتاتور دمشق ليضاعف من بطشه ويزيد من ظلمه أفقيا وعموديا وبأسلحة محرمة دوليا، والمجتمع الدولي يتخير له أنواع الأسلحة التي حان وقتها والتي لم يحن بعد، وهو يرى ويراقب أيادي إيران الخفية كيف تتسلل عبر الحدود والخلجان.

وأما عن القرار العربي المُسيّس فإنه يزداد يوما بعد يوم بعدا عن قضايا العرب ومشاكلهم، متزامنا مع تصريحات مسؤولين أوروبيين الذين يبيعون ويشترون في قضيانا المصيرية، هذا الذي تجذر في قلوب الثائرين الغاضبين، بلد يباع وضمائر تشترى على حساب قضايا الأمة وكرامتها.

لذلك، وعلى ضوء هذا الواقع المرير فإن؛ الإرهاب والتطرف يتجذر  ويتشعب في الأجيال الناشئة، فهو يتناسب طردا مع الذل والهوان واليائس الذي يتفنن الديكتاتور الظالم في إرسائه بين أفراد رعيته.
فهل يريد المجتمع الدولي أن يصدق الشعب السوري مجموعة "أصدقاء الشعب السوري"! التي تضم دول عظمى لو أرادت أن تقتلع الجبال لجعلتها قاعا صفصفا! وهل ينسى هذا الشعب موقف الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن الذي أعلن في تل أبيب عام 2007 عن دعمه اللا محدود لإسرائيل المغتصبة لحقوق الشعب الفلسطيني، وهو يقول إن عدد المواطنين الإسرائيليين 307 مليون "أي أن الشعب الأمريكي والإسرائيلي شعب واحد"، وهو في الوقت نفسه يصف الإسلام بأبشع وأشنع الألفاظ "الإسلام الفاشي"، و"إسلام فوبيا" وهو يسوق المسلمين إلى معتقلات الخوف (أبو غريب وغوانتانامو)، هذا التطرف الأمريكي الذي يعانق الاستكبار نجده اليوم عندما تتغزل أمريكا بإيران وتنتقد العرب، هذا التطرف سيقابله تطرف مضاد "فالضغط يولد الانفجار" وهذا قانون من قوانين الفيزياء، نجد هذا القانون ماثلا في الذل والهوان الذي تعرضت له ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، فلقد كانت شروط الحلفاء المنتصرين مجحفة ومذلة للشعب الألماني فنمت فيهم النزعة النازية التي تمجد هذا العرق وتقدسه، حيث وصلت هذه النزعة الانتقامية إلى الأوساط المثقفة، حتى أن أعضاء البرلمان الألماني فوضوا أمرهم إلى الزعيم النازي أدولف هتلر في اتخاذ قرارات مصيرية دون الرجوع للبرلمان، وبنحو 444 صوت مؤيد و94 معارض.

أصبح الفوهرر القائد الملهم وبيده جميع السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، فبدأ يطيح بمعارضيه، ولقد استطاع هتلر بقوة الحديد والنار أن يجعل حب الوطن متعلقا بحب النازية، وبمقولة "ألمانيا فوق الجميع"، وبمقولة "الموت للخونة" كان يقتل المواطن الألماني ويستباح دمه وماله قبل غيره، وهذا نجده اليوم في التنظيمات المتشددة التي مورس عليها الكثير من الضغوطات والتهميش، فهم ينعتون من لا يبايع أميرهم بالكافر والمرتد، ولئن كان اضطهاد الألمان أورث دمار أوروبا في الحرب العالمية الثانية فإن اضطهاد العرب والمسلمين سيكون له بالغ الأثر، وسيكون عابرا للقارات ولن يسلم منه قريب ولا بعيد.

أن ينشأ جيلٌ الموت والدمار والخراب والقذائف والبراميل المتفجرة جزء من حياته اليومية، في كل يوم يتجرع الذل والهون وبمباركة المجتمع الدولي والأمم المتحدة، فسيكون هذا الجيل هو القنبلة الموقوتة التي يمكن أن تنفجر كما انفجر النازيون وطغوا على الساحة الأوروبية، إن ضياع جيل كامل لا يعني المجتمع الدولي شيئا، فهو لا يكترث للممارسات الخاطئة التي يمارسها الديكتاتور.

وبدلا من رفع الظلم عن المظلوم نجد المجتمع الدولي يحمل الإسلام سبب ما يجري، وهو يعلم مسبقا أن هذا سيزيد الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، ولم يكن توظيف حادثة صحيفة شارلي إيبدو إلا مشهد من مشاهد التشويه الإعلامي الممنهج لصورة الإسلام، وأما عن التصريحات الجوفاء التي يطل بها علينا المسؤولون الأوروبيون والعرب بشأن القضية السورية فقد أصبحت مُسكنات اعتاد عليه الشعب المظلوم المقهور، وهذه الجمل البائسة التي قد انتهى مفعولها ولم تعد صالحة حتى للاستهلاك المحلي، فدورة العنف تكبر وتشتد وتنتشر كالنار في الهشيم بين أبناء الدول التي وقع عليها الظلم، أن يوضع شعب برسم التهجير والتجويع والقتل الممنهج، بينما يجد المسلم البائس المظلوم الولايات المتحدة الأمريكية تتغزل بأعدائه، فهذا يذكرنا مرة أخرى بالتذمر واليأس الألماني بعد الحرب العالمية الأولى، حيث كان يتردد على لسان بعض الألمان بعد الإمعان في إذلالهم كلمات تدل على حالة الانتقام والتشفي مثل: لماذا يعاملوننا هكذا؟ لماذا يكرهوننا؟.

 كانت هذه الكلمات بداية تشكل المارد والعملاق النازي رويدا رويدا تجذرت النازية في قلوبهم، وأصبحت كالرياح العاتية التي تدمر كل شيء يستقبلها، فكانت أوروبا هي الضحية الأولى، لذلك اليائس الذي زرع في قلوب الألمان، ولقد انتشرت هذه المقولة الآن في أوساط المسلمين بعد كل هذا الاستخفاف بدمائهم وأعراضهم وأطفالهم وأموالهم ولن تكون ردة فعل المسلمين بأقل من ردة فعل الألمان.

لكنه ثمة إسلام معتدل ينظر لليائس على أنه طريق للإبداع ووسيلة للخلاص، ويرى ما يقرره علماء الاجتماع أن لذة الدنيا وبهجتها وسرورها تبدأ من حرمانها، لذلك تجدهم يتفاءلون رغم كل هذه الجراح، ويعلمون أن بعد العسر يسرا، وأصحاب هذه النظرة الإسلامية السامية يمقتون التطرف، ويكرهون التشدد، وينبذون العنف، ينظرون للثورة ولا ينظرون للثائر وينظرون للإسلام ولا ينظرون للمسلم، يقول الشاعر الكبير محمود درويش: معلما الأجيال معنى الحياة أتمنى لكِ اليأس يا حبيبتي، لكي تصيرين مبدعة.

 اليائسون هم المبدعون، لا تنتظريني ولا تنتظري أحدا، انتظري الفكرة، لا تنتظري المفكر، انتظري القصيدة، ولا تنتظري الشاعر، انتظري الثورة، ولا تنتظري الثائر، المفكر يخطئ، والشاعر يكذب، والثائر يتعب".
التعليقات (0)