لطالما تبنت الكنيسة الأرثوذكسية في
مصر مواقف السلطة، وتوجهاتها على طول الخط طوال حقبة الرئيس المخلوع حسني مبارك، باعتبارها جزءا من النظام الذي يكرس ديمومة واستقرار الحكم.
إلا أنه بعد ثورة 25 يناير انغمست الكنيسة فيما رآه بعض المراقبين والمفكرين عملا سياسيا مباشرا، وتدخلت في العملية الانتخابية، والحزبية، والسياسية، سواء للأقباط أو الدولة بشكل عام، مرورا بأحداث 30 حزيران/ يونيو وما بعدها من تأييد مفتوح لنظام عبد الفتاح السيسي، فيما رآه آخرون أن كل ما نتج عن الكنيسة أعمال وطنية لا تمت للسياسة بصلة.
تناقض مواقف الكنيسة من السياسة
يقول نادر الصيرفي، مؤسس "حركة أقباط 38" المطالبة بتعديل قانون الأحوال المدنية للأقباط، إن "الكنيسة تمزج بين الدين والسياسة، وتتبنى نهجا سياسيا تريد أن تصبغ به جميع
الأقباط".
وأضاف لـ"عربي21": "إن البابا
تواضروس الثاني يناقض نفسه حين يقول إن
السياسة لو دخلت الدين ستلوثه، ثم يعقب حديثه في مناسبة أخرى بقوله إن من يقول إن الكنيسة لا تدخل في السياسة لا يفهم".
واستدل على ذلك "بقيام الكنيسة بتقديم مرشحين بعينهم في الانتخابات البرلمانية من غير الكفاءات، ومعيارها الوحيد أهل الثقة، ثم تعود وتوجه المرشحين"، مضيفة: "لا يمكن اعتبار هذا إلا تدخلا في إدارة العملية الانتخابية، وتوجيه أصوات الناخبين بالمخالفة للوائح الداخلية للكنيسة وللدستور"، حسب قوله.
السياسة تحت ستار الوطنية
وطالب الصيرفي الكنيسة بأن "تبقى على مسافة واحدة من الجميع، وألا تمارس السياسة تحت ستار الوطنية، وتخلط المفاهيم"، وتحدث "خلطا متعمدا ولبس مقصودا لإيجاد مخرج شرعي لتعاطيها العمل السياسي".
وعبر الصيرفي عن اعتقاده بأن "إدارك الكنيسة السياسي متدن، وكثيرا ما تخطئ في تقدير الأمور السياسية، كما حدث منذ ثورة 25 يناير، حيث رفضت مشاركة الأقباط في الثورة، ولم يذعن لرغبتها الثوار الأقباط".
الكنيسة والهروب للأمام
من جهته؛ أكد الباحث في معهد الدراسات حول العالم الإسلامي والعربي بجامعة مرسيليا، طارق المرسي، أن "الادعاء بأن ما تقوم به قيادة الكنيسة ليس له علاقة بالسياسة هو هروب للأمام".
وأضاف لـ"عربي21": "الكنيسة هي من قدرت على نفسها تاريخيا عدم العمل في السياسة، إلا أن كل ما تقوم به الآن هو عمل سياسي ليس له علاقة بالوطنية". ودلل على ذلك "بمشاركة الكنيسة في انقلاب 3 تموز/ يوليو، وانخراط قياداتها في العمل السياسي وتوجيه الأقباط".
وحذر من خطورة "عدم تقدير العواقب بعد زوال الانقلاب العسكري، ووضع الأقباط في مواجهة ليس مع التيار الإسلامي فقط، وإنما مع رافضي الانقلاب أيضا"، وفق تقديره.
الكنيسة أداة بيد النظام
بدوره؛ أكد منسق "حركة قوميون وناصريون ضد المؤامرة"، سيد أمين، أن "ما تقوم به الكنيسة الآن هو عمل سياسي حتى النخاع، بل وتحولت إلى أداة من أدوات النظام لتمرير سياساته، وتم تسييسها حتى دون رغبة الشعب القبطي".
واستنكر في حديث لـ"عربي21": "عدم قدرة الكنيسة بقيادة تواضروس الثاني الذي يفتقد لحنكة البابا شنودة "على رؤية المصالح المستقبلية للأقباط، واقتصارها على المصالح الآنية، وانحيازها لموقف متغير لا يراعي الثوابت الوطنية التي تتحدث عنها"، وفق قوله.
العمل الوطني والعمل السياسي
وفي هذا السياق، رأى كمال زاخر، مؤسس التيار العلماني القبطي، أن الكنيسة في الأصل لا علاقة لها بالعمل السياسي. وقال لـ"عربي21": "يجب أن نفرق بين العمل الوطني والعمل السياسي للكنيسة".
وأكد أن "الكنيسة كانت مهمومة طوال الوقت بوجود الأقباط والدفاع عنه، خاصة بعد قدوم التيار الإسلامي واستلامه السلطة، الذي زاد من تلك المخاوف"، حسب قوله.
اختصار الكنيسة في الأقباط يهدد حق المواطنة
وفي المقابل، نفى الكاتب والمفكر القبطي، جمال أسعد، "سعي الكنيسة القبطية إلى تأدية دور في الحياة السياسية، أو التدخل في العمل السياسي".
وقال لـ"عربي21": "إن ما يسمى بخلاف الأقباط مع الكنيسة، أو وجود حركة تمرد ضد البابا، فهم من المتضررين من قانون الأحوال الشخصية الذي لا يجيز للمسيحي الطلاق إلا في حالة الزنا فقط".
30 يونيو عمل وطني وليس سياسيا
من جهته، قال الأنبا أنطونيوس عزيز مينا، مطران الأقباط الكاثوليك بالكنيسة، إن قانون الكنيسة الداخلي "يمنع الاشتغال بالسياسة، ونبذ كل من يخالف اللوائح التي تنص على ذلك".
وقال لـ"عربي21": "الكنيسة تركز على العمل الإنساني فقط الذي يمس حاجات المصريين من بناء وتطوير وتقدم، وتدفع فقط في هذا الاتجاه الذي يسهم بشكل فعال في تلبية احتياجات الإنسان"، حسب تعبيره.